أهمية فترة الشباب
موقع شبكة المعارف الإسلامية
منذ 6 سنواتعن الإمام عليّ عليه السلام: "شيئان لا يَعرف فضلَهما إلا من فقدهما: الشباب والعافية"1.
من الأخطاء القاتلة المنتشرة في ثقافة بعض مجتمعاتنا اليوم أنّ الشابّ في الفترة التي يصطلح عليها بفترة المراهقة هو خارج إطار المسؤولية والتكليف ولا مانع من تركه على هواه وإعطائه كلّ ما يحلو له، وعدم فرض أيّ قيود على حرياته، لأنه ما زالناقص العقل والوعي وغير مدرك لما يقوم به، في حين أنّ الإسلام اعتبر أنّ هذه المرحلة من أشدّ المراحل خطورة على المستوى التربويّ، وأنّ هذه المرحلة يجب التنبُّه بها لكافّة أفعال وتصرّفات الشابّ وفرض القيود الإضافية لمساره في الحياة ومواكبته بالتعليم والتوجيه السليمين حتى لا توقعه المزالق في أودية الضياع والفساد والرذيلة.
اغتنام فرصة الشباب
وشريحة الشباب محلّ نظر واهتمام مختلف التيارات الفكرية، والجميع يدرك أهميتها فهي محلّ مسارعة الجميع إليها والتسابق على استقطابها قبل الآخرين، وهذا يكشف عن أمرٍ آخر وهو أنّ سبق الآخرين إليها يحمّلنا مسؤولية شرعية أمام الله تعالى، وسوف نُسأل عن أيّ تقصير في هذا السباق يوم القيامة.
ولذلك ورد عن الإمام الصادق عليه السلام مبادرة الشباب بأحاديث أهل البيت عليهم السلام واعتبارها من أهمّ ساحات وشرائح التحدي على مستوى الجذب والاستقطاب إذ يقول: "بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة"2.
واغتنام هذه المرحلة العمرية تناولته النصوص معتبرةً أنها القاعدة الأولى للبناء الثقافيّ والروحيّ والنفسيّ للمراحل التالية، وأنّ الاعوجاج في هذه المرحلة له تداعياته الخطيرة بعد ذلك.
ورد في وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذرّ: "يا أبا ذرّ اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحتك قبل سقمك. و فراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك"3.
عن الإمام علي عليه السلام: "بادر شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك"4.
سرّ الإهتمام بالشباب
عن الإمام عليّ عليه السلام: "وإنما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قبلته"5.
ويعتبر فراغ الأوعية الفكرية للأحداث والشباب هو سرّ اهتمام أهل البيت عليهم السلام، بهم وذلك لأنّ الأرض الخالية تستطيع أن تزرع بها ما تشاء بخلاف الأرض المزروعة من قبل الآخرين فإنها تحتاج لجهدٍ مضاعف حيث عليك أن تقوم بحراثتها وتنظيفها ورمي ما زُرع فيها ثمّ العمل على زراعتها من جديد، فعلى سبيل المثال فعندما تعلّم شاباً حرمة شرب الخمر وضرره الشديد في حداثته فهو أهون بكثير من تعليم آخر شارب للخمر تريد أن تجعله يقلع عن هذا الفعل السيِّئ.
الشباب أسرع إلى الخير
سأل الإمام الصادق عليه السلام أبا جعفر الأحول أحد تلامذته - والذي كان يعمل في تبليغ الرسالة وبيان مقام أهل البيت عليهم السلام: كيف رأيت مسارعة الناس إلى هذا الأمر ودخولهم فيه؟
قال أبو جعفر: والله إنهم لقليل6.
فقال الإمام الصادق عليه السلام: "عليك بالأحداث فإنهم أسرع إلى كلّ خير"7.
والرواية لا تتعرّض لموضوع الدخول في أمر أهل البيت عليهم السلام بل لموضوع المسارعة في الدخول فيه، فهي تشير إلى أمرين أساسيين:
الأوّل: أنّ عموم الناس لا يميلون إلى الخير بسرعة لتعلّقهم بمصالحهم وركونهم إلى الدنيا.
والثاني: أنه ينبغي الرهان في المسارعة على الشباب كونهم لم تتعلّق قلوبهم بالدنيا وزخارفها بعد.
الرهان على الشباب في التغيير السياسي
يحذّر الإمام الصادق عليه السلام أن يكون الشباب بطانة الزعماء وحواشيهم، لأنهم بذلك يكونون سيفاً بيد الظلمة في مواجهة أهل الصلاح، وأنّ ذلك خلاف التدين والتقوى والتقرّب من الله تعالى فيقول: "يا معشر الأحداث اتقوا الله ولا تأتوا الرؤساء ودعوهم حتى يصيروا أذناباً"8.
كما تبين هذه الرواية أنّ تخلي الشباب عنهم دون سواهم من الشرائح الأخرى يجعلهم أذناباً لا قيمة حقيقية لوجودهم ولا قوة ولا شأن لهم لأنّ الإستقواء بشريحة الشباب تحديداً هو الذي يمدّهم بالقوة والمنعة ويجعل منهم جهةً مهابة الجانب.
ومن جهةٍ أخرى يبين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أهمية تحالف الشباب معه في الدعوة إلى الله معتبراً أنّ رقّة قلوبهم وصفاءها وعدم تلوثها بأدران الدنيا هي سرّ ميلهم لهذه الدعوة، عن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم فيقول: "أوصيكم بالشبان خيراً فإنهم أرقّ أفئدة، وإنّ الله بعثني بشيراً ونذيراً فحالفني الشبان، وخالفني الشيوخ، ثم قرأ: ﴿فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ﴾9.
ثم إنّ التجارب الميدانية سواء في الميادين الدينية أو سواها من التجارب الأخرى تؤكّد هذه الفكرة، لكن يهمنا أن نشير إلى التجارب العظيمة التي خاضتها شعوبنا الأبية في إيران ولبنان وفلسطين وغيرها من الدول التي راهنت على شبابها في الوقوففي وجه المؤامرات والتحدّيات الكبرى واستطاعت أن تسقط الأنظمة الخائنة وأن تتخذ لنفسها مكاناً بين الأمم والشعوب الأخرى.
ورد في وصيَّة الإمام الخميني قدس سره للشَّباب قائِلاً: "إنْ كنتم تريدون أن تقفوا بدون خوف وهلع أمام الباطل، وأنْ تدافعوا عن الحقِّ، ولا تترك القوى الكبرى وأسلحتها المتطوّرة والشياطين ومؤامراتهم أثراً في أرواحكم، ولا تخرجكم من الميدان، عوِّدوا أنفسكم على بساطة العيش، وامنعوا تعلّق القلب بالمال والمنال والجاه والمقام".
* كتاب وتزودوا في شهر الله، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- المجلسي ، بحار الأنوار ، ج77 ، ص200.
2- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج17، ص333 .
3- الكليني، أصول الكافي، ج2، ص603 .
4- المجلسي، بحار الأنوار، ج23، ص 236.
5- الري شهري، ميزان الحكمة، ج1، ص56 .
6- وسائل الشيعة، ج16، ص 187.
7- الكليني، أصول الكافي، ج8، ص93 .
8- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج18، ص 96 .
9- سورة الحديد، الآية 16.
التعلیقات