زينب بنت خزيمة زوجة النبي الأكرم
السيد حسين الهاشمي
منذ يومتزخرف سيرة أغلبية أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصفحات مضيئة تجسد أسمى معاني الرحمة والإيمان والتضحية. ولديهن مكانة عظيمة عند الله سبحانه وتعالى إذا أطعن الله ورسوله. فقد قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ... يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا. وَمَن يَقْنُتْ مِنكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُّؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا. يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ﴾ (1).
ومن بين تلك الشخصيات المباركة تبرز زينب بنت خزيمة الهلالية، زوجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ولقرب ذكرى وفاتها قررنا أن نكتب لكم عنها.
نسبها
زينب بنت خزيمة هي خامس أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي أحد أزواجه القرشية. نسبها من جانب الأب كالتالي: هي زينب بنت خزيمة بن حارث بن عبدالله بن عمرو بن عبدمناف بن هلال بن عامر بن صعصعه عامري (2). في نسبها من جانب والدتها هناك خفاء وغموض في المسألة لأنّ الكثير من المؤرخين لم يذكروا لها نسبا من جانب والدتها لكن روى ابن عبد البرّ في كتابه عن أبي الحسن الجرجاني إنها أخت ميمونة بنت حارث التي هي أيضا أحدى زوجات النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. فقد قال ابن عبد البرّ: « وكانت زينب بنت خزيمة أخت ميمونة لأمها، ولم أر ذلك لغيره، والله أعلم » (3). وأيضا قال ابن حبيب البغدادي حولها: « إخوتها وأخواتها من جهة الأم على النحو التالي: أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث زوجة العباس عمّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وأم عبد الله بن عباس، ولبابة الصغرى زوجة الوليد بن المغيرة، أم خالد بن الوليد، وعزة بنت الحارث. ثم ذكر أسماء أخوات زينب بنت خزيمة من جهة الأم، فعدَّهن: ميمونة بنت الحارث، وأسماء بنت عميس زوجة جعفر بن أبي طالب، وسَلَمة (سُلمى) بنت عميس زوجة حمزة بن عبد المطلب » (4).
أزواجها قبل النبي الأكرم صلى الله عليه وآله
اختلفت الروايات في ذكر الزوج الأول لزينب بنت خزيمة قبل ارتباطها برسول الله صلى الله عليه وآله ؛ غير أنّ القول المشهور أنّها كانت زوجة الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، ثم طلّقها، فتزوّجها أخوه عبيدة بن الحارث (5). وقد أُصيب عبيدة يوم غزوة بدر، وتوفّي بالصفراء وهو ابن أربعٍ وستين سنة (6).
ومع ذلك فقد وردت أقوال أخرى في هذا الشأن، ومن المناسب الإشارة إليها هنا. فقد ذُكر في بعض المصادر أنّ أم المؤمنين زينب كانت أوّل الأمر زوجة جهم بن عمرو بن الحارث ابن عم عبيدة بن الحارث، ثم انتهى الأمر بالانفصال، فتزوّجت بعده بعبيدة (7). وفي مصادر أخرى قيل إنّ زينب كانت زوجة عبد الله بن جحش، الذي استُشهد في غزوة أُحد (8).
زواجها مع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله
بعد استشهاد زوجها، خطبها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ففوضت أمرها إليه (9). فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشهود، وزوّجها لنفسه بمهرٍ قدره اثنتا عشرة أوقية ونصف (10)، وقيل: أربعمائة درهم من الفضة (11). وقد قيل إنّ قَبيصة بن عمرو الهلالي تولّى عقدها لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
وفي رواية أخرى: أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا أسيد بن علي بن مالك الأنصاري إلى امرأة من بني عامر بن صعصعة ليخطبها له، ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد رآها من قبل، فقام أبو أسيد فعقدها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم (12).
وقد تم هذا الزواج في شهر رمضان من السنة الثالثة للهجرة. غير أنّ ابن عبد البرّ الأندلسي يرى أنّ زواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزينب بنت خزيمة وقع في تاريخ آخر، ويذهب إلى أنّه تم بعد وفاة خديجة عليها السلام بسبع سنوات (13).
وقيل أن المراد من أمرأة وهبت نفسها للنبي في الآية الشريفة: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾ (14)، هي زينب بنت خزيمة حيث قال الشيخ الطبرسي: « هي زينب بنت خزيمة أم المساكين » (15).
ألقابها
إن السيدة زينب بنت خزيمة لقبت بلقبين. الأول هو أم المؤمنين وذلك بإعتبار كونها من أزواج النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بحكم القرآن الكريم: ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ (16).
اللقب الثاني هو أم المساكين. قال ابن هشام في كتابه: « وكانت تسمى أم المساكين، لرحمتها إياهم، ورقتها عليهم » (17). وقد روت أم سلمة حول طعام زينب بنت خزيمة ليلة عرسها وكيفية حياتها مع النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: « تَزَوَّجَنِي رَسُولُ اللَّهِ فَانْتَقَلَنِي فَأَدْخَلَنِي بَيْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ خُزَيْمَةَ أُمِّ الْمَسَاكِينِ بَعْدَ أَنْ مَاتَتْ فَإِذَا جَرَّةٌ فَاطَّلَعْتُ فِيهَا فَإِذَا فِيهَا شَيْءٌ مِنْ شَعِيرٍ وَإِذَا رَحًى وَبُرْمَةٌ وَقِدْرٌ. فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا كَعْبٌ مِنْ إِهَالَةٍ. قَالَتْ: فَأَخَذْتُ ذَلِكَ الشَّعِيرَ فَطَحَنْتُهُ ثُمَّ عَصَدْتُهُ فِي الْبُرْمَةِ. وَأَخَذْتُ الْكَعْبَ مِنَ الإِهَالَةِ فَأَدَمْتُهُ بِهِ. قَالَتْ: فَكَانَ ذَلِكَ طَعَامَ رَسُولِ اللَّهِ وَطَعَامَ أَهْلِهِ (يعني زينب) لَيْلَةَ عُرْسِهِ » (18).
وأيضا قال ابن هشام حولها: « أَنَّهَا كَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَرَدْتُ أَنْ أَعْتِقَ هَذِهِ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ: أَلا تَفْدِينَ بِهَا بَنِي أَخِيكِ أَوْ بَنِي أُخْتِكِ مِنْ رِعَايَةِ الْغَنَمِ؟ » (19).
وفاتها
قد توفّيت بعد ثمانية أشهر من زواجها برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في ربيع الآخر من السنة الرابعة للهجرة. وقد ذكر بعضهم أنّ مدّة حياتها مع النبي لم تتجاوز شهرين أو ثلاثة. وصلّى عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ودفنها في البقيع (20).
وكان عمر زينب عند وفاتها نحو ثلاثين سنة. وهي مع خديجة عليها السلام الزوجتان الوحيدتان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللتان توفيتا في حياته. ويرى المؤرخون أنّها أولى زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم اللواتي توفين في المدينة. ولم يُرزق النبي منها بولد. (21).
هذا ما عثرنا عليه من سيرة حياة السيدة زينب بنت خزيمة سلام الله عليها. إذا كانت عندكم معلومات أكثر عنها، أكتبوا لنا في التعليقات.
1) سورة الأحزاب / الآية: 6 و 30 و 31 و 32.
2) الاستيعاب (لإبن عبد البرّ) / المجلد: 4 / الصفحة: 1853 / الناشر: مؤسسة دار الجبل – بيروت / الطبعة: 1.
3) الاستيعاب (لإبن عبد البرّ) / المجلد: 4 / الصفحة: 1853 / الناشر: مؤسسة دار الجبل – بيروت / الطبعة: 1.
4) المحبر (لمحمد بن حبيب البغدادي) / المجلد: 1 / الصفحة: 83 / الناشر: دار الآفاق الجديدة – بيروت / الطبعة: 1.
5) تاريخ الطبري (لمحمد بن جرير الطبري) / المجلد: 11 / الصفحة: 595 / الناشر: دار التراث – بيروت / الطبعة: 2.
6) أنساب الأشراف (لأحمد بن يحيى البلاذري) / المجلد: 1 / الصفحة: 429 / الناشر: دار الفكر – بيروت / الطبعة: 1.
7) السيرة النبوية (لإبن هشام) / المجلد: 4 / الصفحة: 1061 / الناشر: دار المعرفة – بيروت / الطبعة: 1.
8) الإصابة في تمييز الصحابة (لإبن حجر العسقلاني) / المجلد: 8 / الصفحة: 157 / الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت / الطبعة: 1.
9) تاريخ الطبري (لمحمد بن جرير الطبري) / المجلد: 11 / الصفحة: 595 / الناشر: دار التراث – بيروت / الطبعة: 2.
10) تاريخ الطبري (لمحمد بن جرير الطبري) / المجلد: 11 / الصفحة: 596 / الناشر: دار التراث – بيروت / الطبعة: 2.
11) السيرة النبوية (لإبن هشام) / المجلد: 4 / الصفحة: 1061 / الناشر: دار المعرفة – بيروت / الطبعة: 1.
12) الاستيعاب (لإبن عبد البرّ) / المجلد: 4 / الصفحة: 1599 / الناشر: مؤسسة دار الجبل – بيروت / الطبعة: 1.
13) الاستيعاب (لإبن عبد البرّ) / المجلد: 4 / الصفحة: 1992 / الناشر: مؤسسة دار الجبل – بيروت / الطبعة: 1.
14) سورة الأحزاب / الآية: 50.
15) مجمع البيان (للشيخ الطبرسي) / المجلد: 8 / الصفحة: 171 / الناشر: مؤسسة الأعلمي – بيروت / الطبعة: 1.
16) سورة الأحزاب / الآية: 6.
17) السيرة النبوية (لإبن هشام) / المجلد: 4 / الصفحة: 1061 / الناشر: دار المعرفة – بيروت / الطبعة: 1.
18) الطبقات الكبرى (لإبن سعد) / المجلد: 8 / الصفحة: 73 / الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت / الطبعة: 1.
19) الطبقات الكبرى (لإبن سعد) / المجلد: 8 / الصفحة: 92 / الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت / الطبعة: 1.
20) تاريخ الطبري (لمحمد بن جرير الطبري) / المجلد: 11 / الصفحة: 596 / الناشر: دار التراث – بيروت / الطبعة: 2.
21) الاستيعاب (لإبن عبد البرّ) / المجلد: 1 / الصفحة: 45 / الناشر: مؤسسة دار الجبل – بيروت / الطبعة: 1.
التعلیقات