سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السفر
السيد حسين الهاشمي
منذ يومإنَّ السفر جزء من حياة الإنسان منذ القدم، يقتضيه طلب الرزق أو أداء العبادة أو صلة الأرحام أو تحصيل العلم، أو غير ذلك من مصالح الدنيا والدين. فالسفر جزة لا يتجزء من حياة الإنسان. السفر ليس مجرّد انتقال من مدينة إلى أخرى؛ بل هو في حياتنا فرصة لتغيير الأجواء، وتقريب القلوب وصناعة ذكريات جميلة بجوار الزوج والأبناء. وكلّ امرأة تتحمّل مسؤولية الأسرة تدرك جيّداً أنّ السفر قد يكون مجالاً للتربية، والتعليم غير المباشر، وتعزيز الروابط العاطفية بين أفراد العائلة.
أما بالنسبة للمؤمنين والمؤمنات، فإن السفر يأخذ بُعداً أعمق وأسمى، إذ قد يرتبط بالعبادة والطاعة وطلب مرضاة الله تعالى كسفر الحج وكالسفر لطلب العلم. كما أن في السفر تذكيراً للمؤمن بحقيقة الدنيا؛ فكما يترك وطنه وأهله وراحته مؤقتاً، كذلك الدنيا كلها دار ممر لا مقر، وما الحياة إلا سفر قصير إلى الآخرة. لهذا قال الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم: ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَٰكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ (1).
ولهذا قررنا أن نكتب لكم عن سنن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في السفر، وما كان يفعله صلى الله عليه وآله إذا أراد السفر، فلنعرف ذلك ولنجعله قدوة لنا.
سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السفر
السفر في يوم الخميس
الشريعة الإسلامية أكمل شريعة أنزلها الله تبارك وتعالى للبشر وفيه من الحقائق ما ليس في الأديان الأخرى. وإحدى الحقائق التي لا يمكن إنكارها هي أنّ للشهور والأيام والساعات تأثيرات في الحياة وأفعال الإنسان. فمثلا ورد في الروايات الكثيرة أنّ يستحبّ تقليم الأظافر في يوم الخميس ويوم الجمعة. وأيضا ورد في بعض الأحاديث، كراهة الزواج أو السفر في وقت يكون فيه القمر في برج العقرب. فتأثيرات الأيام والساعات في بعض الأمور مما لا يمكن إنكاره، ومن ذلك السفر؛ إذ كان من سنن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبدأ سفره في يوم الخميس. فقد روي عن الإمام الباقر عليه السلام: « كان رسول الله صلى الله عليه وآله يسافر يوم الخميس » (2). لكن النكتة المهمة هنا هي أنه لا ينبغي أن نجعل كل همّنا منصبًا على تأثيرات الساعات، حتى لا نصاب بالوسواس في هذا الأمر، فالإفراط في أي شيء مذموم.
الإهتمام بالنظافة في السفر
بعض الناس يهتمون بالنظافة الظاهرية في بلدانهم ومنازلهم. لكن عندما يذهبون إلى السفر ويبتعدون عن بلدهم، تراهم كأنّما ذهبوا إلى مكان ليس فيه أيّ موجود حيّ. فلايتحملون أيّ مسؤولية تجاه النظافة والجمال لا لأنفسهم ولا للآخرين. فتراهم يخرجون بملابس غير مناسبة أو مع رائحة كريهة أو بصورة غير جميلة. أو تراهم لا يبالون بالقمامات والنفايات فيرمون نفاياتهم في أيّ مكان كان وفي الطرق أو أمام بيوت الآخرين أو في البساتين والغابات والأنهار. وهذا خلاف الإنسانية والشريعة الإسلامية. فقد روي حول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « أن النبي صلى الله عليه وآله كان إذا سافر حمل معه خمسة أشياء: المرآة والمكحلة والمذري والسواك والمقراض » (3).
عدم الرجوع من طريق الرحيل
في غالب الأسفار، هناك طرق متعددة للوصل من المبدأ إلى المقصد. فمن الجميل أن يرجع الشخص من غير الطريق الذي ذهب. فإنه بهذا الفعل يكسب أمورا متعددة.
أولاً: يذهب إلى المدن المتعددة ويتعامل مع أناس مختلفين وهذا في نفسه أمر جميل.
ثانياً: عندما يرجع من طريق آخر، يشاهد المناظر المختلفة. فإنه حينما ذهب من الطريق الأول، شاهد المناظر المحيطة بهذا الطريق. فعندما يرجع من الطريق الثاني، يمكنه أن يستمتع من مناظره أيضا.
ثالثاً: إنه في الأسفار العملية، يمكن أن يجلب أرزاقا أكثر لنفسه ومعاميل أكثر لعمله. فإنه حينما يرجع، يعبر عن مدنِ أخرى ويمكنه أن يتعامل مع أهل تلك المدن أيضا. وهذا كان من سنن النبي صلى الله عليه وآله حيث روي: « أخذ رسول الله صلى الله عليه وآله حين غدا من منى في طريق ضب ورجع ما بين المأزمين. وكان إذا سلك طريقا لم يرجع فيه... فيقول: أما إنه أرزق لك » (4).
الدعاء عند السفر ومغادرة الإخوان
الحياة لا تكتمل بلا إخوة وأخوات، ولا تحلو المجالس إلا بلمّة الأهل والأحبة. لكن كل لقاء لابدّ أن يعقبه فراق، وكل زيارة تنتهي بلحظة وداع. هنا يترك لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هدية ثمينة، تجعل لحظات المغادرة عامرة بالرحمة والبركة، وهي الدعاء عند مفارقة الإخوان. لقد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حريصاً على أن لا يدع أصحابه ينصرفون إلا بكلمة طيبة ودعاء مبارك، يربط القلوب وإن ابتعدت الأجساد، ويجعل اللقاء محفوفاً بالخير حتى بعد نهايته. فكان يودّع أصحابه بالدعاء لهم بالحفظ في الدين والدنيا، والهداية والتوفيق، فيرجعون بقلوب مطمئنة وصدور منشرحة. فقد روي عن أبي عبدالله عليه السلام أنه: « ودع رجلا فقال: استودع الله دينك وأمانتك، وزودك زاد التقوى، ووجهك للخير حيث توجهت. قال: ثم التفت إلينا أبو عبد الله عليه السلام فقال: هذا وداع رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام إذا وجهه في وجه من الوجوه » (5).
السفر مع الرفقة
السفر رحلة تكشف القلوب وتُظهر الأخلاق، وهو كما قيل: سفرٌ يُسفِرُ عن معادن الرجال. وكلّ شخص يدرك أنّ السفر مع الرفقة لا يعني فقط الأمان في الطريق، بل يعني أيضاً دفء المشاعر، وتبادل الخبرات، وصناعة الذكريات الجميلة. فحين يسافر الزوج مع أهله أو أصحابه، يكون في رفقة تحفظه وتدعمه، وحين تسافر الأسرة معاً، يتعلّم الأبناء من خلال التجربة معنى التعاون، وتقاسم المسؤوليات، وحب المشاركة. وهذا من سنن النبي صلى الله عليه وآله حيث ورد حوله: « وكان صلى الله عليه وآله يكره أن يسافر الرجل في غير رفقة » (6).
السفر بالرفقة يفتح أبواب التربية العملية. الأم تُعلّم أبناءها أن يتعاونوا في ترتيب الأغراض أو مساعدة الآخرين، والزوجة تُشجّع زوجها على أن يكون قدوة في الاهتمام برفقته، والدعاء لهم، والتخفيف عنهم. وهكذا يتحوّل السفر من انتقال جسدي إلى مدرسة تربوية واجتماعية، تُغرس فيها قيم المحبة، والرحمة، والتعاون.
الذكر والدعاء في السفر
السفر تجربة يعيشها كل واحد منا؛ فيه نترك بيتنا المألوف ونتجه نحو آفاق جديدة. وقد يكون السفر سبباً في راحة النفس وتغيير الأجواء، لكنه في الوقت نفسه يحمل مشقةً ومخاطر لا تخفى. وهنا يعلّمنا الإسلام أن لا نترك قلوبنا فارغة في الطريق، بل نملؤها بزادٍ أعظم من الطعام والشراب، ألا وهو الذكر والدعاء. وقد روي حول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله: « أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا قفل من غزو أو حج يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث مرات ويقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير، آئبون عابدون ساجدون ربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ... وكان رسول الله صلى الله عليه وآله في سفره إذا هبط سبح، وإذا صعد كبر» (7).
للمرأة المسلمة دور كبير هنا؛ فهي التي تُذكِّر أسرتها بالأذكار عند بداية السفر، وهي التي تُعلّم أبناءها دعاء الركوب بأسلوب بسيط، وهي التي تُودّع زوجها بالدعاء حين يغادر، فيشعر ببركة كلماتها تحيط به في الطريق. ولعل أصدق الهدايا التي يمكن أن تقدّمها الزوجة أو الأم لرفيق سفرها أن تدعوا له عند المغادرة. ويمكن للمرأة أن تتعلم من رسول الله هذا الفعل الحسن الجميل في موادعة أحد من عائلتها خصوصا زوجها. حيث روي حول النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: « أنه صلى الله عليه وآله إذا ودع مسافرا أخذ بيده، ثم دعا له بما أراد » (8).
هذه كانت جملة من سنن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في السفر. إذا أعجبكم هذه الأمور، شاركوها مع أصدقائكم. لكن عندي سؤال لكم: هل تعلمون سننا وأفعالا أخرى من النبي الأكرم أو الأئمة الأطهار عليهم السلام حول السفر؟ إذا كنتم تعلمونها، أكتبو لنا في التعليقات كي نتعلم جميعا من بعضنا البعض.
1) سورة الحج / الآية: 46.
2) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 161 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
3) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 161 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
4) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 162 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
5) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 163 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
6) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 166 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
7) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 168 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
8) سنن النبي (للعلامة الطباطبائي) / المجلد: 1 / الصفحة: 167 / الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات