تحكيم الروابط العائلية في شهر رمضان
السيد حسين الهاشمي
2024 Oct 14شهر رمضان المبارك، شهر عظيم عند الله وفيه تفتح أبواب الرحمة الإلهية لجميع الناس في العالم وللمسلمين بالخصوص. وتتوفر في هذا الشهر العظيم فرص مناسبة للتعاون والتعامل مع المجتمع لتحكيم الروابط الاجتماعية. ومن الأفضل بدء الكلام بالأسرة لكونها الحاضنة الأولى للانسان والمانحة للحب بشكل غير مشروط لتعزيز العلاقات الاجتماعية في شهر رمضان، الأهل والأحبة الذين قضينا معهم سنوات عديدة بحلوها ومرّها. ولكنَّ المشاغل كانت سبباً في حدوث ثغرات في التواصل معهم. فالسؤال الأساسي هو كيف نعزّز العلاقات والروابط العائلية بين أفراد الأسرة في شهر رمضان المبارك؟
طرق تحكيم الروابط العائلية وتعزيزها
توجد طرق مختلفة لتحكيم الروابط العائلية وتعزيزها يمكن لأفراد الأسرة ممارستها طوال شهر رمضان. ويمكن لأيّ شخص حسب ظروفه المنزلية والعائلية، العثور على طرق لتعزيز العلاقة العائلية المناسبة لعائلته وأسرته. ولكن سنذكر طرقاً عامة وأفعالاً بسيطة يمكن للجميع فعلها واتباعها حتى يعزّزوا الروابط بين أفراد الأسرة:
1) التعاون ومساعدة جميع أفراد العائلة في الأعمال المنزلية
ثمة فئة لا يستهان بها من الأبناء يعودون من أعمالهم فيجدون سفرة الغداء بانتظارهم. هذه الأطعمة التي جهدت الأم في تحضيرها، وبذل الأب جهداً في شراء مكوناتها من السوق. يجدونها كما يقال (جاهزة على طبق من فضة). وفي شهر رمضان الكريم وبوصفه نوعاً من العرفان والإحساس بالآخر ينبغي لنا وبهم أن نزيح عن كاهل الأبوين مهامّ تحضير الطعام والتسوق له. وإذا لم نستطع القيام بالمهمة كاملة بدلاً منهم، نستطيع تقديم العون لهم في هذه الأيام الفضيلة التي يكون الصيام فيها سبباً في انخفاض الطاقة عند الجميع. لأنَّ وقت إعداد الطعام قبل الإفطار يكون فيه أغلب أفراد الأسرة موجودين، يمكن لمحبي المطبخ الدخول إليه وتطبيق وصفة تعلّموها من الإنترنت، ويمكن لمحبي التسوق الذهاب إلى شراء العصائر والخضروات اللازمة لإعداد الإفطار، ولا تقتصر المساعدة على هذه الأمور بالتحديد، فثمة مهام منزلية تنتظر من يقوم بها.
تكمن أهمية إشراك الأبناء في المهام اليومية المختلفة في تعليمهم أهمية القيم العائلية مثل المحبة والإحترام، بالإضافة إلى تقوية الروابط فيما بينهم.
في حالة الصيام؛ يكون الجميع منخفض الهمة ويأتي التعاون حلاً سحرياً لأداء الواجبات المؤجلة، مثل تقليم الحديقة وسقاية المزروعات والتنظيف الأساسي لأثاث المنزل أو أيَّة واجبات أخرى تخصّ فرداً بعينه كالواجبات المدرسية للصغار مثلاً. فإنَّ التعاون، وبصرف النظر عن أهميته وفائدته في تعزيز الصلات في أفراد الأسرة، من شأنه أن يجعل الوقت يمضي سريعاً وينشط الأجساد، ويقوي الانتماء إلى مؤسسة الأسرة.
طرق تحكيم الروابط العائلية وتعزيزها
توجد طرق مختلفة لتحكيم الروابط العائلية وتعزيزها يمكن لأفراد الأسرة ممارستها طوال شهر رمضان. ويمكن لأيّ شخص حسب ظروفه المنزلية والعائلية، العثور على طرق لتعزيز العلاقة العائلية المناسبة لعائلته وأسرته. ولكن سنذكر طرقاً عامة وأفعالاً بسيطة يمكن للجميع فعلها واتباعها حتى يعزّزوا الروابط بين أفراد الأسرة:
1) التعاون ومساعدة جميع أفراد العائلة في الأعمال المنزلية
ثمة فئة لا يستهان بها من الأبناء يعودون من أعمالهم فيجدون سفرة الغداء بانتظارهم. هذه الأطعمة التي جهدت الأم في تحضيرها، وبذل الأب جهداً في شراء مكوناتها من السوق. يجدونها كما يقال (جاهزة على طبق من فضة). وفي شهر رمضان الكريم وبوصفه نوعاً من العرفان والإحساس بالآخر ينبغي لنا وبهم أن نزيح عن كاهل الأبوين مهامّ تحضير الطعام والتسوق له. وإذا لم نستطع القيام بالمهمة كاملة بدلاً منهم، نستطيع تقديم العون لهم في هذه الأيام الفضيلة التي يكون الصيام فيها سبباً في انخفاض الطاقة عند الجميع. لأنَّ وقت إعداد الطعام قبل الإفطار يكون فيه أغلب أفراد الأسرة موجودين، يمكن لمحبي المطبخ الدخول إليه وتطبيق وصفة تعلّموها من الإنترنت، ويمكن لمحبي التسوق الذهاب إلى شراء العصائر والخضروات اللازمة لإعداد الإفطار، ولا تقتصر المساعدة على هذه الأمور بالتحديد، فثمة مهام منزلية تنتظر من يقوم بها.
تكمن أهمية إشراك الأبناء في المهام اليومية المختلفة في تعليمهم أهمية القيم العائلية مثل المحبة والإحترام، بالإضافة إلى تقوية الروابط فيما بينهم.
في حالة الصيام؛ يكون الجميع منخفض الهمة ويأتي التعاون حلاً سحرياً لأداء الواجبات المؤجلة، مثل تقليم الحديقة وسقاية المزروعات والتنظيف الأساسي لأثاث المنزل أو أيَّة واجبات أخرى تخصّ فرداً بعينه كالواجبات المدرسية للصغار مثلاً. فإنَّ التعاون، وبصرف النظر عن أهميته وفائدته في تعزيز الصلات في أفراد الأسرة، من شأنه أن يجعل الوقت يمضي سريعاً وينشط الأجساد، ويقوي الانتماء إلى مؤسسة الأسرة.
2) تحكيم الروابط الزوجية بمساعدة الزوج في وظائف الزوجة
من عوامل تحكيم العلاقة بين الزوجين مساعدة الزوج في شؤون المنزل. على الرغم من أن الأعمال المنزلية عادةً ما تكون من مسؤولية المرأة والزوجة، إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن إدارة المنزل ليست مهمة سهلة. فبالنسبة للمسلمين يمثّل شهر رمضان المبارك فرصة لنكون مع العائلة أكثر ولفهم الصعوبات التي تواجهها المرأة في المنزل بشكل أفضل. تحتاج المرأة إلى الرجل لمساعدتها، حتى لو ساعدتها برفع الكوب وإعداد مائدة السحور أو الإفطار، لأن هذا التصرف البسيط منه سيعطي طاقة وحيوية للزوجة.
إن نظرة الإسلام إلى أفضلية الرجال ليست لأنهم يتمتعون بجسم رياضيّ أو أموال كثيرة، ولكن الإسلام يقول إن معاملة الرجل لزوجته بشكل صحيح وكريم سيجعله الأفضل. فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (خِدمَتُكَ زَوجَتَكَ صَدَقَةٌ. 1) وعنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لأميرالمؤمنين عليه السلام (يا عَلِيُّ، لا يَخدِمُ العِيالَ إلّا صِدّيقٌ أو شَهيدٌ، أو رَجُلٌ يُريدُ اللّهِ بِهِ خَيرَ الدُّنيا وَالآخِرَةِ. 2). وشهر رمضان هو أحد الأوقات التي يكون فيها الكثير من الحفلات ويأتى الضيوف كثيرًا. وهذه الحفلات والضيوف تسبب معاناة لربة المنزل، إلى درجة أنها حتى لو حاولت ليلًا ونهارًا، فلا يزال أمامها بعض الأعمال للقيام بها. ومن الجيّد للأزواج أن يسعوا في المشاركة في الأعمال المنزلية ويشاركوا في بعض الأعمال بدلاً من إعطاء الأوامر وكونهم ناظرين فحسب. لأن المنزل ليس بيئة عمل الرجل بل بيئة للحصول على السلام والمحبة ومكان تعاون. لذا ينبغي للرجال أن يضعوا كبريائهم جانبًا ويساعدوا زوجتهم حتى يصير الأمور أقل صعوبة. فشهر رمضان فرصة جيدة للتخلص من الكبرياء والحسد. لأن الكبرياء هو الذي يجعل الرجال لا يساعدون زوجاتهم في العمل ويعتبرون العمل عاراً على أنفسهم. لكن هذا مفهوم خاطئ في جميع الجوامع الدينية وغير الدينية.
3) تقسيم مهام أفراد الأسرة في شهر رمضان
خلال شهر رمضان المبارك، تكثر الالتزامات والمهام اليومية، وقد يكون من الصعب إدارتها وتنظيمها، لهذا من المهم تقسيم مهام ومسؤوليات أفراد الأسرة بشكل صحيح خلال هذا الشهر الكريم. يعدّ تقسيم المهام بين أفراد الأسرة من أساسيات نجاح الحياة الأسرية، إذ تعود بالكثير من الفوائد على الأسرة. مثلا تقليل الضغوطات والتوتر، لأن كل فرد لديه مسؤوليات محددة، والمهام مقسمة بشكل منظم وعادل على كل فرد من أفراد الأسرة. أو تقوية الروابط العائلية، بحيث يشعر كل فرد من أفراد الأسرة بالآخر، ويصبح لديهم الرغبة في تقديم المساعدة ومساندة بعضهم البعض.
4) الاجتماع على مائدة الطعام في الوقت العائلي
ما يزال يعتبر تناول الطعام بشكل جماعي طقساً حميماً فريداً لأفراد المجتمع الإسلامي والعربي. فعلى هذه المائدة التي أُعدّت بحبّ من قِبل الأمهات، وجُلبت مكوناتها بجهود الآباء، تُرفع الأيدي للدعاء وشكر الله على فضله في توفير القوت واجتماع الأفراد بخير وسلام، وتُسرد كثير من الحكايا والقصص الطريفة، وتُتخذ العديد من القرارات. وفي شهر رمضان تكون هذه المائدة مساءً هي ما انتظره أفراد الأسرة طيلة ساعات الصيام الطويلة، وهي ثوابهم على صبر ساعات الجوع والعطش، وتكون المائدة المتواضعة صباحاً وجبة التأهب ليوم شاقّ من الإحساس بمشاعر الآخرين. ولذا من الضروري جداً الوجود على مائدة الأسرة الجماعية، وتأجيل النوم وجميع المهام التي تحول بين الجلوس على مائدة الحبّ والعبادة هذه.
لكن لا يقتصر الاجتماع مع أفراد الأسرة على الموائد فقط؛ بل من الضروري قضاء الوقت برفقتهم في ساعات النهار وبعد الإفطار، فبدل أن نصلي وحيداً في غرفتنا يمكننا الصلاة مع أفراد الأسرة والعائلة، وبدل أن يتفرع كلّ منّا لجهازه المحمول بعد الإفطار، يمكننا مشاهدة التلفاز معاً والمناقشة بشأن الأحداث والشخصيات في المسلسلات التلفزيونية؛ لأنَّ هذا من شأنه أن يعزز الخواص المشتركة بيننا ويقوي روابط التواصل والمحبة.
5) الصبر على الجوع والمصاعب والبرّ بأفراد الأسرة
يسبّب الامتناع عن الطعام والشراب بالنسبة إلى الكثيرين اضطراباً في المزاج وخاصة في الأيام الأولى للصيام؛ إذ يبدأ الصداع وانخفاض الجهد والطاقة. وفي مثل هذه الحالات لا يجب أبداً أن نستسلم للعصبية والصراخ، أو أن نبتعد بأنفسنا عن كل ما يدور حولنا ونختبئ في غرفتنا منتظرين أذان المغرب؛ بل إنَّ شهر رمضان المبارك هو تدريب على الصبر، فإذا ما انجرَّ أحد أفراد العائلة إلى الغضب، فلا يجب أن نواجه غضبه بغضبنا؛ بل يجب أن نصبر ونهدأ ونتجنَّب المشاحنات التي قد تضيع أجر صيامنا. ولنأخذ الأمور بروح رياضية بدلاً من ذلك، ونسعى إلى التقريب بين أيّ طرفين حدثت بينهما ملاسنة أو مشاحنة مّا، ونتعلم الصبر بكل صيغه وأساليبه، ونبرّ أهلنا الذين أصبح الصيام مع التقدُّم في السن سبباً آخر من أسباب ملاحظاتهم وتوجيهاتهم، التي تكون مدفوعة بدافع المحبة.
وفي الختام نقول إنَّ شهر رمضان المبارك أكثر من مجرد شهر يمرّ مرة في السنة؛ بل إنَّه شهر يسحب الإنسان إلى فطرته السليمة، وإلى إحساسه بالآخرين والتصرف بناء على ذلك. وإنَّ العلاقات الاجتماعية المتينة والجيدة هي أساس ارتقاء المجتمعات وتطورها؛ ولهذا السبب حرص الإسلام على التأكيد على وصلها في هذا الشهر الفضيل، لتكون فائدة الصيام جسدية ونفسية واجتماعية في الوقت ذاته.
هذه كانت جملة من أفعال يمكننا فعلها لتحكيم الروابط العائلية في شهر رمضان المبارك. أتمنى أن تستمتعوا بقرائتها وتستفيدوا من فعلها.
1) الهندي، علي بن حسام الدين، ج16، بيروت، نشر مؤسسة الرسالة، 1409ق، ص408.
2) المجلسي، محمدباقر، بحارالانوار، ج104، بيروت، نشر الأعلمي، 1435 ق، ص 132.
التعلیقات