في اليوم العالمي للقضاء على الفقر: أذكار لدفع الفقر وزيادة الرزق
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 7 ساعاتفي اليوم العالمي للقضاء على الفقر، يتوجه أنظار العالم إلى السياسات الاقتصادية، والمشاريع التنموية، والإحصاءات الرقمية التي تقيس حجم الفقر وأسبابه. غير أن الرؤية الإسلامية تتجاوز الأرقام لتتعمق في جوهر المسألة؛ فهي ترى الفقر ليس مجرد حرمان مادي، بل حالة روحية ونفسية قد تكون نتيجة غفلة عن قوانين الله في الرزق، وعن الأبواب التي فتحها لعباده لرفع البلاء واستنزال الخير.
الإسلام لا يدعو إلى الزهد المانع من العمل ولا إلى الغنى الجشع الذي يقطع الصلة بالله، بل يعلّم الإنسان كيف يعيش كريماً عزيزاً، متوكلاً على الله في رزقه، عاملاً بالأسباب، ومتيقناً أن خزائن الله لا تنفد. ومن هنا نجد أن الأدعية والأذكار، كما وردت في الأحاديث الشريفة، هي مفاتيح روحية تفتح أبواب الرزق وتدفع الفقر عن القلب والبيت والمجتمع.
الأدعية والأذكار لدفع الفقر وزيادة الرزق
جاء في الروايات الشريفة ما يوجه المؤمن إلى ما يقوله ويعمله إن ألمّ به الفقر أو ضاقت به السبل. وهذه النصوص النبوية والإمامية لا تقتصر على الجانب الروحي فحسب، بل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالواقع المعيشي وسنة الأسباب.
قال الإمام الصادق عليه السلام : قال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : « من ظهرت عليه النعمة فليكثر ذكر « الحمد للّه »، ومن كثرت همومه فعليه بالاستغفار، ومن ألحّ عليه الفقر فليكثر من قول « لا حول ولا قوّة إلّا باللّه العليّ العظيم »، ينفى عنه الفقر.
وقال عليه السلام : فقدَ النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً من الأنصار، فقال: ما غيّبك عنّا ؟ فقال : الفقر يا رسول الله وطول السقم، فقال له رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم : ألا أعلّمك كلاماً إذا قلته ذهب عنك الفقر والسقم ؟ فقال : بلى، يا رسول اللّه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم : إذا أصبحت وأمسيت فقل : « لا حول ولا قوّة إلّا باللّه، توكّلت ﴿ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ﴾ و ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً ﴾ »، فقال الرجل : فواللّه، ما قلته إلّا ثلاثة أيّام حتّى ذهب عنّي الفقر والسقم (1).
دعاء لزيادة الرزق عن الإمام الباقر عليه السلام
عن الباقر عليه السلام أنّه قال لزيد الشحام : ادْعُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ فِي الْمَكْتُوبَةِ وَ أَنْتَ سَاجِدٌ: « يَا خَيْرَ الْمَسْئُولِينَ وَ يَا خَيْرَ الْمُعْطِينَ ارْزُقْنِي وَ ارْزُقْ عِيَالِي مِنْ فَضْلِكَ الْوَاسِعِ فَإِنَّكَ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ » (2). أي في السجدة الأخيرة من الصلاة ادعُ بهذا الدعاء فأنه مجرب.
وكما جاء في تهذيب الأحكام أن من الأذكار التي ترفع البلاء والفقر قول:
« سُبْحانَ الله العَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاّ بِالله العَلِيِّ العَظِيمِ » بعد فريضة الفجر عشر مرات، فقد روي أنه « عافَاه الله تعالى مِن العمى والجنون والجذام والفقر والهدم (انهدام الدار) أو الهرم (الخرافة عند الهرم) » (3).
أما الإمام الكاظم عليه السلام فقد أشار إلى أن الأمانة والصدق يجلبان الرزق، بينما الكذب والخيانة يجلبان الفقر، فقال عليه السلام : « مَنْ بَذَّرَ وَ أَسْرَفَ زَالَتْ عَنْهُ اَلنِّعْمَةُ وَ أَدَاءُ اَلْأَمَانَةِ وَ اَلصِّدْقُ يَجْلِبَانِ اَلرِّزْقَ وَ اَلْخِيَانَةُ وَ اَلْكَذِبُ يَجْلِبَانِ اَلْفَقْرَ وَ اَلنِّفَاقَ » (4).
ميزان النبي في الفقر والغنى
فقد ورد عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال في الفقر : « الفَقرُ فَقرانِ : فَقرٌ فِي الدُّنيا ، و فَقرٌ فِي الآخِرَةِ ؛ فَفَقرُ الدُّنيا غِنَى الآخِرَةِ ، و غِنَى الدُّنيا فَقرُ الآخِرَةِ ، و ذلِكَ الهَلاكُ » (5).
إن هذا الحديث الشريف يضع موازين جديدة لمعنى الفقر والغنى، فيحرر الإنسان من التصور المادي الضيق. فالفقر في الدنيا، إن كان مصحوبًا بالصبر والإيمان والرضا، هو في حقيقته غنى في الآخرة، لأن صاحبه لم يُفتن بالمال، ولم يتكبر بالنعمة، بل ظل قريبًا من الله، شاكرًا في القليل، منتظرًا وعد الكريم بالجزاء العظيم.
أما الغنى في الدنيا إذا أورث الغفلة والطغيان، فهو فقر في الآخرة، لأن صاحبه امتلك المال وفقد المعنى، جمع الدنيا ونسي الباقية. وهكذا يعلّمنا النبي صلى الله عليه وآله أن الغنى والفقر ليسا بما في اليد، بل بما في القلب. فالغني الحقيقي هو من امتلأ قلبه بالرضا، والفقير الحقيقي هو من خلت نفسه من ذكر الله.
الأمور التي تجلب الفقر
لم يكن الفقر في منطق الإسلام أمراً قَدَرياً محضاً، بل هو في كثير من الأحيان نتيجة أفعالٍ وسلوكياتٍ خاطئة تعاكس سنن الرزق الإلهية. وقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام في حديثٍ واحد مجموعة من الأسباب التي تورث الفقر وتحرم الإنسان بركة الرزق.
روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: « ترك نسج العنكبوت في البيت يورث الفقر، والبول في الحمام يورث الفقر، والاكل على الجنابة يورث الفقر والتخلل بالطرفاء يورث الفقر، والتمشط من قيام يورث الفقر، وترك القمامة في البيت يورث الفقر.
واليمين الفاجرة تورث الفقر، والزنا يورث الفقر، وإظهار الحرص يورث الفقر، والنوم بين العشائين يورث الفقر، والنوم قبل طلوع الشمس يورث الفقر، واعتياد الكذب يورث الفقر، وكثرة الاستماع إلى الغناء يورث الفقر، ورد السائل الذكر بالليل يورث الفقر، وترك التقدير في المعيشة يورث الفقر، وقطيعة الرحم تورث الفقر ».
وفي هذا الحديث الثمين، نلمح أن الفقر لا يرتبط فقط بنقص المال، بل بغياب النظام والنظافة، وبضعف الصدق والأمانة، وبكثرة الذنوب التي تمحق البركة. فكل عادة سيئة من الكسل إلى الإسراف، ومن الكذب إلى قطع الأرحام تفتح بابًا من الفقر يغلقه الإيمان والعمل الصالح فقط.
الأعمال التي تزيد الرزق وتنفي الفقر
الإمام علي عليه السلام لم يكتفِ ببيان ما يجلب الفقر، بل كشف كذلك عن أعمالٍ تزيد في الرزق وتفتح أبواب البركة لمن واظب عليها.
قال عليه السلام : « ألا أنبئكم بعد ذلك بما يزيد في الرزق ؟ قالوا : بلى يا أمير المؤمنين، فقال : الجمع بين الصلاتين يزيد في الرزق، والتعقيب بعد الغداة وبعد العصر يزيد في الرزق، وصلة الرحم يزيد في الرزق، وكسح الفناء يزيد في الرزق، ومواساة الأخ في الله عز وجل يزيد في الرزق، والبكور في طلب الرزق يزيد في الرزق، والاستغفار يزيد في الرزق، واستعمال الأمانة يزيد في الرزق وقول الحق يزيد في الرزق، وإجابة المؤذن تزيد في الرزق، وترك الكلام على الخلاء يزيد في الرزق، وترك الحرص يزيد في الرزق، وشكر المنعم يزيد في الرزق، واجتناب اليمين الكاذبة يزيد في الرزق، والوضوء قبل الطعام يزيد في الرزق، وأكل ما يسقط من الخوان يزيد في الرزق، ومن سبح الله كل يوم ثلاثين مرة دفع الله عنه سبعين نوعا من البلاء أيسرها الفقر » (6).
إنها خريطة إيمانية متكاملة لعلاج الفقر، تربط بين العبادة والعمل، بين الصدق والنظافة، بين صلاة الفجر والسعي المبكر، وبين ذكر الله وشكر نعمه. فالرزق في منطق أهل البيت عليهم السلام ليس صدفة ولا معجزة، بل ثمرةُ طاعةٍ وعملٍ وتوكلٍ وذكرٍ دائم.
زيارة الإمام الحسين عليه السلام تزيد في الرزق
ولزيارة الإمام الحسين عليه السلام مكانة عظيمة في حياة المؤمن، لا من حيث الثواب فحسب، بل حتى في أثرها الدنيوي. فقد ورد عن الإمام الباقر عليه السلام قوله : « مُرُوا شِيعَتَنَا بِزِيَارَةِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ عليه السلام فَإِنَّ إِتْيَانَهُ يَزِيدُ فِي الرِّزْقِ، وَ يَمُدُّ فِي الْعُمُرِ، وَ يَدْفَعُ مَدَافِعَ السَّوْءِ، وَ إِتْيَانَهُ مُفْتَرَضٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ يُقِرُّ لِلْحُسَيْنِ بِالْإِمَامَةِ مِنَ اللَّهِ » (7).
وهذا الحديث الشريف يكشف لنا عن سرٍّ من أسرار الارتباط الروحي بأولياء الله، فزيارة الإمام الحسين عليه السلام ليست مجرد فعل تعبدي، بل هي باب من أبواب البركة التي تنعكس على حياة الإنسان المادية والمعنوية معاً. فمن أخلص في زيارته، فتح الله له أبواب الخير، ووسع له في رزقه، وأطال في عمره، ودفع عنه البلاء.
خاتمة
في اليوم العالمي للقضاء على الفقر، حيث تتجه الجهود العالمية نحو العدالة الاجتماعية، يقدّم الإسلام رؤيته العميقة التي تجمع بين الروح والعمل، بين الدعاء والسعي، وبين النية الصادقة والأسباب الواقعية.
فليس الفقر قدراً لا يُدفع، بل هو ابتلاء له علاج، ومن أعظم أدوية الفقر ما جاء في كلام النبي وأهل بيته عليهم السلام: ذكر الله، والصدق، والأمانة، وصلة الرحم، والكرم، وزيارة الإمام الحسين عليه السلام.
إن الفقر الحقيقي هو فقر القلب عن الله، والغنى الحقيقي هو غنى النفس بالإيمان. ومن أيقن أن الرزق بيد الله، وعمل بالأسباب المشروعة، وعمّر قلبه بالذكر والاستغفار، أغناه الله من فضله، وجعل له من كل همٍّ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً.
1. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 92 / الصفحة : 296.
2. الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 2 / الصفحة : 551 / ط الاسلامية.
3. تهذيب الأحكام / الشيخ الطوسي / المجلّد : ٢ / الصفحة : ١٠٦ / الحديث ٤٠٤.
4. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 75 / الصفحة : 236.
5. مشكاة الأنوار في غرر الأخبار / الشيخ الطبرسي / المجلّد : 2 / الصفحة : 128.
6. وسائل الشيعة / الشيخ حر العاملي / المجلّد : 11 / الصفحة : 276.
7. كامل الزيارات / ابن قولويه القمي / المجلّد : 1 / الصفحة : 151 / ط دار المرتضوية.
التعلیقات