حساسية الشتاء وتأثيرها على صحة الأطفال
السيد حسين الهاشمي
منذ ساعتينفصلُ الشتاء من أكثر فصول السنة تأثيرًا في صحّة الأطفال، لما يحمله من تغيّرات مناخيّة وبيئيّة تنعكس بصورة مباشرة على أجسامهم التي ما تزال في طور النموّ والتكيّف. فمع انخفاض درجات الحرارة، وتقلّبات الطقس، وقِصَر ساعات النهار، تزداد التحدّيات الصحيّة التي تواجه الأطفال، ولا سيّما الرضّع وصغار السنّ، الذين لم يكتمل لديهم بعدُ نضجُ الجهاز المناعي وآليّات الدفاع الطبيعيّة في الجسم. ولهذا السبب، تُعَدّ مرحلة الشتاء فترة حسّاسة تتطلّب وعيًا خاصًّا من الأهل والمربّين والعاملين في المجال الصحي. إنّ طبيعة الحياة في فصل الشتاء تسهم في زيادة المخاطر الصحيّة لدى الأطفال؛ إذ يكثر البقاء في الأماكن المغلقة ضعيفة التهوية، وتزداد التجمّعات في المنازل والمدارس ورياض الأطفال، ممّا يهيّئ بيئة مناسبة لانتقال الفيروسات والجراثيم بسرعة. كما أنّ الهواء البارد والجاف يؤثّر سلبًا في الجهاز التنفّسي، فيُضعف الأغشية المخاطيّة التي تُعدّ خطّ الدفاع الأوّل ضدّ الميكروبات، ويجعل الأطفال أكثر عرضة للإصابة بنزلات البرد، والإنفلونزا، والتهابات الجهاز التنفّسي بمختلف أنواعها.
ومن هنا، تنبع أهميّة تسليط الضوء على حساسيّة فصل الشتاء لصحّة الأطفال، وضرورة التعرّف إلى أبرز المشكلات الصحيّة الشائعة فيه.
الهواء البارد ومناعة جسم الطفل
الهواء البارد من أبرز العوامل البيئيّة التي تؤثّر في صحّة الأطفال، ولا سيّما في فصل الشتاء، حيث تزداد نسبة الإصابة بالأمراض المعدية والتنفسية. وقد قال أميرالمؤمنين عليه السلام حوله: « تَوَقَّوُا الْبَرْدَ فِي أَوَّلِه وتَلَقَّوْه فِي آخِرِه. فَإِنَّه يَفْعَلُ فِي الأَبْدَانِ كَفِعْلِه فِي الأَشْجَارِ. أَوَّلُه يُحْرِقُ وآخِرُه يُورِقُ » (1).
يؤثّر الهواء البارد في جسم الطفل بطرق متعدّدة، أبرزها تأثيره المباشر في الجهاز التنفّسي، الذي يُعَدّ خطّ الدفاع الأوّل ضدّ الفيروسات والجراثيم. فمع انخفاض درجات الحرارة، تضعف الأغشية المخاطيّة في الأنف والحلق، وتقلّ قدرتها على ترطيب الهواء وتنقيته من الميكروبات، ممّا يسهّل دخول الفيروسات إلى الجسم. كذلك، تؤدّي البرودة إلى انقباض الأوعية الدمويّة في الأطراف والجلد، الأمر الذي يقلّل من وصول خلايا المناعة إلى بعض المناطق، ويضعف الاستجابة المناعيّة السريعة.
يعتقد البعض أنّ نفس الهواء البارد يسبب بالأمراض والاستبراد لكن العلم الحديث يؤكد على أنّه لا يسبّب الهواء البارد المرض بشكل مباشر، لكنّه يخلق ظروفًا مناسبة لانتشار الفيروسات ويُضعف قدرة الجسم على مقاومتها. ففي الشتاء تزداد التجمّعات في الأماكن المغلقة، كالمدارس والمنازل، مع ضعف التهوية، ممّا يسهّل انتقال العدوى بين الأطفال. ومع وجود جهاز مناعي لم يبلغ بعدُ مرحلة النضج الكامل، يصبح الطفل الحلقة الأضعف في مواجهة هذه العوامل. مضافا إلى أنّ قلة شرب المياه والسوائل في فصل الشتاء يؤدي إلى إضعاف الجسم، فيفقد قدرته على إنتاج الأجسام المضادّة بالكفاءة المطلوبة.
الألبسة المناسبة لفصل الشتاء
الأول: التلبيس الطبقاتي
التلبيس على شكل طبقات من أهمّ القواعد الصحيّة في اللباس الشتوي، لأنّه يوفّر الدفء المطلوب مع إمكانيّة تعديل الملابس بحسب تغيّر درجة الحرارة. ويقوم هذا المبدأ على تقسيم اللباس إلى عدّة طبقات، لكلّ طبقة وظيفة محدّدة. فالمناسب ثلاث طبقات. الطبقة الداخليّة (الملامسة للجسم) والطبقة الوسطى والطبقة الخارجية (الجُبّة أو بالطو). إنّ اعتماد هذا الأسلوب يتيح إزالة أو إضافة طبقة بسهولة، ممّا يمنع التعرّض للبرد أو التعرّق المفرط، ويجعل الطفل أو الشخص أكثر راحة خلال اليوم.
الثاني: نوع القماش
إنّ نوع القماش يلعب دورًا مهمًّا في فعاليّة اللباس الشتوي، وليس كلّ قماش سميك بالضرورة دافئًا أو صحّيًا. الأقمشة القطنيّة تُعدّ مناسبة للطبقة الداخليّة، لأنّها ناعمة على الجلد وتمتصّ العرق، ممّا يقلّل من تهيّج البشرة. الصوف والأقمشة الصوفيّة من أفضل الخيارات للطبقات الوسطى، إذ تتميّز بقدرتها العالية على حفظ الحرارة. الأقمشة الصناعيّة العازلة تُستخدم غالبًا في الطبقة الخارجيّة، لما لها من قدرة على مقاومة الرياح والمطر.
الثالث: الأخطاء الشائعة
اولا يعتقد البعض أنّ زيادة عدد الملابس توفّر حماية أفضل. لكنّ التلبيس الزائد قد يؤدّي إلى التعرّق الشديد، ومع تعرّض الجسم للهواء البارد بعد ذلك، يزداد خطر الإصابة بنزلات البرد.
ثانيا عدم الاهتمام بتدفئة الرأس، واليدين، والقدمين يُعدّ من الأخطاء الشائعة، مع أنّ هذه المناطق تفقد الحرارة بسرعة وتحتاج إلى حماية خاصّة.
ثالثا ارتداء نفس الملابس داخل المنزل وخارجه دون تعديل قد يؤدّي إلى عدم التوازن الحراري، لذلك يجب مراعاة اختلاف درجات الحرارة بين الأماكن.
الإرشادات الصحية للوقاية من الانفلونزا ونزلة برد
تُشكّل العادات الصحيّة اليوميّة أساس الوقاية من نزلات البرد والإنفلونزا، إذ إنّ الفيروسات تنتقل غالبًا عبر الأيدي الملوّثة أو الرذاذ المتطاير أثناء السعال والعطاس.
الأول: غسل اليدين بانتظام
غسل اليدين بالماء والصابون لمدّة لا تقلّ عن عشرين ثانية من أبسط الوسائل وأكثرها فعاليّة في منع انتقال العدوى، ولا سيّما بعد العودة إلى المنزل، وقبل تناول الطعام، وبعد استخدام الحمّام.
الثاني: التهوية الجيدة
على الرغم من برودة الطقس، فإنّ تهوية المنزل يوميًّا تُسهم في تجديد الهواء وتقليل تركّز الفيروسات والجراثيم. ويمكن فتح النوافذ لمدد قصيرة ومنتظمة دون تعريض الأطفال لتيّارات هوائيّة مباشرة.
الثالث: آداب السعال والعطاس
تغطية الفم والأنف بمنديل ورقي أو بثني المرفق عند السعال أو العطاس، والتخلّص من المناديل المستعملة بشكل صحيح، يحدّ من انتشار العدوى.
الرابع: استخدام اللقاح
لقاح الإنفلونزا من أهمّ الوسائل الوقائيّة للحدّ من الإصابة بالإنفلونزا ومضاعفاتها. فاللقاح لا يمنع المرض بشكل مطلق، لكنّه يخفّف من شدّته، ويقلّل من خطر المضاعفات الخطيرة، خاصّة لدى الفئات الأكثر عرضة للخطر.
يُفضّل تلقّي لقاح الإنفلونزا قبل بدء موسم انتشارها، أي في بداية فصل الخريف، بحيث يكون الجسم قد كوّن مناعة كافية قبل ذروة انتشار الفيروس في الشتاء. ويمكن أخذه أيضًا خلال موسم الشتاء إذا لم يُؤخَذ في وقتٍ مبكّر.
الأغذية المناسبة في فصل الشتاء
الأول: الأغذية والفيتامينات
يحتاج الجسم في فصل الشتاء إلى عناصر غذائيّة تساعده على تقوية جهازه المناعي، ومواجهة الفيروسات والجراثيم. ومن أبرز هذه الأطعمة الخضروات والفواكه الغنيّة بالفيتامينات. فإنها مصدر مهم للفيتامينات التي تعزز إنتاج خلايا المناعة. وأيضا الأطعمة الغنيّة بالزنك والحديد. للزنك دور أساسيّ في دعم جهاز المناعة وتسريع الشفاء من الأمراض، ويتوفّر في اللحوم، والبقوليّات، والمكسّرات. أمّا الحديد، فيُسهم في تقوية الدم وتحسين مقاومة الجسم، ويوجد في اللحوم الحمراء، والعدس، والسبانخ.
الثاني: شرب الماء والسوائل
على الرغم من قلّة الإحساس بالعطش في فصل الشتاء، فإنّ الجسم لا يزال بحاجة ماسّة إلى السوائل للحفاظ على وظائفه الحيويّة. المشروبات الدافئة، مثل الشاي العشبي، ومغليّ الزنجبيل، والحساء، تساعد على تدفئة الجسم وتهدئة الحلق وتحسين الدورة الدمويّة.
الصحة النفسية للطفل
تتأثّر الصحة النفسية بشكل واضح بتغيّر الفصول، ولا سيّما فصل الشتاء الذي يتميّز بقِصَر ساعات النهار، وانخفاض درجات الحرارة، وتراجع فرص الخروج واللعب في الهواء الطلق. فمن المهم تذكير بعض الأمور.
الأول: تأثير نقص الضوء الطبيعي
يؤدّي نقص التعرّض للضوء الطبيعي في فصل الشتاء إلى تغيّرات في الساعة البيولوجية للجسم، ما يؤثّر في إفراز بعض الهرمونات المرتبطة بالمزاج والنوم، مثل هرمون السيروتونين والميلاتونين. ومع قِصَر ساعات النهار، قد يعاني بعض الأطفال من اضطرابات في النوم، وصعوبة في الاستيقاظ، وتراجع في مستوى النشاط والتركيز.
الثاني: الرياضة والنشاط البدني
على الرغم من برودة الطقس، تبقى الحركة والنشاط البدني ضروريّين لصحة الطفل النفسية والجسدية.
يُنصَح بأن يحصل الطفل على قدرٍ كافٍ من الحركة يوميًّا، ولو داخل المنزل، من خلال تخصيص وقت محدّد للعب الحركي أو التمارين الخفيفة. فالحركة المنتظمة تساعد على تنظيم النوم، وتفريغ الطاقة الزائدة، وتعزيز الشعور بالنشاط والراحة النفسية.
يمكن توفير العديد من الألعاب الحركية داخل المنزل دون الحاجة إلى مساحة كبيرة. مثل تمارين التمدّد البسيطة المناسبة لعمر الطفل. مسابقات صغيرة تعتمد على الحركة، تُشجّع روح المرح والتفاعل الأسري.
الثالث: الأنشطة المنزلية
مع ازدياد البقاء داخل المنزل في فصل الشتاء، يصبح من الضروري توفير أنشطة منزلية هادفة تُسهم في تفريغ طاقة الطفل، وتنمية مهاراته، والحتقليل من الشعور بالملل.
يمكنكم استخدام الألعاب التعليمية والتركيبية التي تنمّي التفكير والخيال، مثل ألعاب التركيب والرسم والتلوين. وكذلك يمكن للطفل المشاركة في الأعمال البسيطة داخل المنزل، كترتيب الغرفة أو المساعدة في إعداد الطعام، ممّا يعزّز الشعور بالمسؤولية والانتماء.
هذه بعضُ التحدّيات التي تواجهها العوائل في فصل الشتاء، مع نصائح صحيّة تتعلّق بهذا الفصل. نأمل أن تستفيدوا منها، وشاركونا تجاربكم في التعليقات.
1) نهج البلاغة (للسيد شريف الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 491 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.











التعلیقات