عوذة ودعاء للحمى في تراث أهل البيت عليهم السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 3 ساعاتيحتلّ الدعاء والتداوي بالأذكار والرُّقى مكانةً مهمّة في تراث أهل البيت عليهم السلام، إذ يجمع هذا المنهج بين التوكّل على الله تعالى والأخذ بالأسباب الروحية والعملية في دفع الأمراض والآلام. وقد وردت في مصادرنا المعتبرة روايات كثيرة في علاج الحُمّى، تشتمل على أدعية وتعويذات وتوجيهات نبوية وإمامية، تكشف عن البعد الإيماني والرحماني في التعامل مع المرض، وتؤكّد أنّ الشفاء بيد الله سبحانه وتعالى.
دعاء النور لفاطمة الزهراء عليها السلام
حرز الزهراء سلام الله عليها روى السيد ابن طاووس في مهج الدعوات حديثاً عن سلمان ، وقد ورد في آخر الحديث ما حاصله : أنّ فاطمة عليها السلام علّمتني كلاما كانت تعلّمته من رسول الله صلى الله عليه وآله وكانت تقوله غدوة وعشية ، وقالت : إنّ سرّك أن لايمسك أذى الحمّى ماعشت في دار الدنيا فواظب عليه وهو :
« بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ بِسْمِ اللَّهِ النُّورِ بِسْمِ اللَّهِ نُورِ النُّورِ بِسْمِ اللَّهِ نُورٌ عَلَى نُورٍ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي هُوَ مُدَبِّرُ الْأُمُورِ بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النُّورَ مِنَ النُّورِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ النُّورَ مِنَ النُّورِ وَ أَنْزَلَ النُّورَ عَلَى الطُّورِ فِي كِتٰابٍ مَسْطُورٍ ، فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ بِقَدَرٍ مَقْدُورٍ عَلَى نَبِيٍّ مَحْبُورٍ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هُوَ بِالْعِزِّ مَذْكُورٌ وَ بِالْفَخْرِ مَشْهُورٌ وَ عَلَى السَّرَّاءِ وَ الضَّرَّاءِ مَشْكُورٌ وَ صَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِينَ ».
قَالَ سَلْمَانُ فَتَعَلَّمْتُهُنَّ فَوَ اللَّهِ وَ لَقَدْ عَلَّمْتُهُنَّ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ نَفْسٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَكَّةَ مِمَّنْ بِهِمْ عِلَلُ الْحُمَّى فَكُلٌّ بَرَأَ مِنْ مَرَضِهِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى (1).
تعوذية النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام
وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام أنه قال : مرضت فعادني رسول الله صلى الله عليه وآله وأنا لا أَتَقَارُّ (2) على فراشي فقال يا علي إن أشد الناس بلاء النبيون، ثم الأوصياء ثم، الذين يلونهم أبشر فإنها حظك من عذاب الله مع ما لك من الثواب.
ثم قال: أتحب أن يكشف الله ما بك قال قلت: بلى يا رسول الله، قال قل: « اللَّهُمَّ ارْحَمْ جِلْدِيَ الرَّقِيقَ وَ عَظْمِيَ الدَّقِيقَ وَ أَعُوذُ بِكَ مِنْ فَوْرَةَ الْحَرِيقِ يَا أُمَّ مِلْدَمٍ (3) إِنْ كُنْتِ آمَنْتِ بِاللَّهِ فَلَا تَأْكُلِي اللَّحْمَ وَ لَا تَشْرَبِي الدَّمَ وَ لَا تَفُورِي عَلَى الْفَمِ وَ انْتَقِلِي إِلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ » قَالَ عَلِيٌّ عليه السلام : فَفَعَلْتُهَا فَعُوفِيتُ مِنْ سَاعَتِي (4).
الماء البارد دواء للحمى
عن أبي عبد الله عليه السلام قال :« الحمى من فيح جهنم فأطفئوها بالماء البارد » (5).
وجاء في الخبر عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام أنه كان إذا حم بل ثوبين يطرح عليه أحدهما فإذا جف طرح عليه الآخر. (6).
وقال محمد بن مسلم سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: « ما وجدنا للحمى مثل الماء البارد والدعاء» (7).
ويقول العلامة المجلسي رحمه الله في بيان هذه الروايات: الاستشفاء بصب الماء البارد على البدن وترطيب هواء الموضع الذي فيه المريض برش الماء على الأرض والجدار والحشائش والرياحين وغير ذلك مما ذكره الأطباء في الحميات الحارة والمحترقة (8).
عن اسامة الشحام قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: « ما اختار جدنا صلوات الله عليه للحمى إلا وزن عشر دراهم سكر بماء بارد على الريق» (9).
حلُّ أزرار القميص، والأذانُ والإقامةُ فيه
عن المفضل بن عمر عن جعفر ابن محمد الصادق عيله السلام انه دخل عليه رجل من مواليه وقد وعك وقال له مالي اراك متغير اللون؟ فقال جعلت فداك وعكت وعكا شديدا منذ شهر ثم لم تنقلع الحمى عني وقد عالجت نفسي بكل ما وصفه لي المترفعون فلم انتفع بشئ من ذلك فقال له الصادق عليه السلام: « حل ازرار قميصك وادخل رأسك في قميصك واذن واقم واقرأ سورة الحمد سبع مرات » قال : ففعلت ذلك فكانما نشطت من عقال (10).
الأدعيةُ والرُّقى لعلاج الحُمّى
ووجِدَ بخطّ الإمام الرضا عليه السلام أنّهُ تُكتَبُ للحُمّى على ثلاث قِطعٍ منَ الكاغَذ يكتبُ على الأولى : بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ ﴿ لاتَخَفْ إنَّكَ أنْتَ الاعْلى ﴾ (11)
وَ عَلَى الثَّانِي بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ ﴿ لٰا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظّٰالِمِينَ ﴾ (12).
وَ عَلَى الثَّالِثِ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ ﴿ أَلَا لَهُ الْأَمْرُ وَ الْخَلْقُ تَبٰارَكَ اللّٰهُ رَبُّ الْعٰالَمِينَ ﴾ (13).
ثُمَّ يَقْرَأُ عَلَى كُلِّ قِطْعَةٍ التَّوْحِيدَ ثَلَاثاً وَ يَبْلَعُهَا الْمَحْمُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، كُلَّ يَوْمٍ وَاحِدَةً، يَبْرَأُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (14).
وروي عن الأئمة عليهم السلام أنّه يكتب في رق ، ويعلق على المحموم : « اللّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ وَقُدْرَتِكَ وَسُلْطانِكَ وَما أحاطَ بِهِ عِلْمُكَ أنْ تُصَلِّيَ عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ وَأنْ لاتُسَلِّطَ عَلى فُلانٍ بِنْ فُلانٍ شَيْئاً مِمّا خَلَقْتَ بِسوءٍ ، وَارْحَمْ جِلْدَهُ الرَّقيقَ وَعَظْمَهُ الدَّقيقَ مِنْ فَوْرَةِ الحَريقِ أخْرُجي يا أمَّ مُلْدَمْ يا أكِلَةَ اللَّحْمِ وَشارِبَةَ الدَّمِ حَرِّها وَبَرْدِها مِنْ جَهَنَّمْ إنْ كُنْتِ آمَنْتِ بَالله الاعْظَمِ أنْ لاتأكُلي لِفُلانٍ بِنْ فُلانَهَ لَحْما وَلا تَمُصّي لَهُ دَما وَلا تَنْهَكي لَهُ عَظْما وَلا تَثوري عَلَيهِ غَمّا وَلا تُهيّجي عَلَيْهِ صُداعا ، وَانْتَقِلي عِنْ شَعْرِهِ وَبَشْرِهِ وَلَحْمِهِ وَدَمِهِ إِلى مَنْ زَعَمَ مَعَ الله إلها آخَرَ ، لا إلهَ إِلاّ هوَ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمّا يُشْرِكونَ » ويكتب بعد كلمة يشركون اسم ذمّي أو عدوّ من أعداء اللّه (15).
يكتب للحمى ويعلق على عضد المحموم اليمنى : بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحيمِ الحَمْدُ لله ربِّ العالَمينَ ... إلى آخر السورة : بِسْمِ الله وَبِالله أعوذُ بِكَلِماتِ الله التّاماتِ كُلِّها الَّتي لايُجاوِزُهُنَّ بَرُّ وَلا فاجِرٌ مِنْ شَرِّ ماخَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ الهامَّةِ وَالسّامَّةِ وَالعامَّةِ وَاللامَّةَ ، وَمِنْ شَرِّ طَوارِقِ اللَّيلِ وَالنَّهارِ ، وَمِنْ شَرِّ فُسّاقِ العَرَبِ وَالعَجَمِ ، وَمِنْ شَرِّ فَسَقَةِ الجِنِّ وَالانْسِ ، وَمِنْ شَرِّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ ذي شَرٍّ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ دابَةٍ هوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ، إنَّ رَبّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ ﴿ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَلْنا وَإلَيْكَ أنَبْنا وَإلَيْكَ المَصيرُ ﴾ ، ﴿ يا نارُ كوني بَرْداً وَسَلاما عَلى إبْراهيمَ وَأرادوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الاخْسَرينَ ﴾. بَرْداً وَسَلاما عَلى فُلانٍ بِنْ فُلانَةَ. ﴿ رَبَّنا لاتؤاخِذْنا إنْ نَسينا أوْ أخْطَأْنا ﴾ إِلى آخر السورة : حَسْبي الله ﴿ لا إلهَ إِلاّ هوَ فَاتَّخِذْهُ وَكيلاً ﴾، ﴿ وَتَوَكَّلْ عَلى الحَيِّ الَّذي لايَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ. وَكَفى بِهِ بِذَنوبِ عِبادِهِ خَبيراً ﴾ بَصيراً ، لا إلهَ إِلاّ الله وَحْدَهُ لاشَريكَ لَهُ صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الاحْزابَ وَحْدَهُ ، ماشاءَ الله لاقوَةَ إِلاّ بِالله ﴿ كَتَبَ الله لاغْلِبَنَّ أنا وَرُسُلي. إنَّ الله قَويٌ عَزيزٌ﴾ ، ﴿ إنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالِبونَ﴾، ﴿ وَمَنْ يَعْتَصِمُ بِالله فَقَدْ هُدي إِلى صِراطٍ مُسْتَقيمٍ﴾، وَصَلّى الله عَلى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ الطَيّبينَ الطاهرينَ (16).
يكتب على ثلاث سُكرات ويأكلها المحموم بثلاث غدوات ؛ كل يوم قطعة فيها على الريق : الأولى : عَقَدْتُ بِإذْنِ اللّهِ. الثانية : شدَدْتُ بِإذْنِ اللّهِ. الثالثة : سَكَنْتُ بِإذْنِ اللّهِ.( 17)
الخاتمة
تبيّن من خلال هذه النصوص أنّ مدرسة أهل البيت عليهم السلام قدّمت منظومة متكاملة في مواجهة الحُمّى، تجمع بين الدعاء، والتعوّذ، وبعض الوسائل البسيطة التي تُعين على التخفيف من شدّة المرض، مع ترسيخ روح الثقة بالله والتسليم لقضائه. وإنّ الرجوع إلى هذه الروايات لا يورث الطمأنينة فحسب، بل يربّي المؤمن على استحضار الذكر والتوكّل في أوقات الشدّة، راجين من الله تعالى أن يجعل فيها الشفاء والعافية لكلّ مبتلى.
1. مهج الدعوات و منهج العبادات / السيد بن طاووس / المجلّد : 1 / الصفحة : 8.
2. أي: لا أستقرّ ولا أستطيع الثبات أو السكون على فراشي من شدّة المرض والألم.
3. أم ملدم كنية الحمى، و اللدم الضرب.
4. دعائم الإسلام / القاضي النعمان المغربي / المجلّد : 2 / الصفحة : 140.
5. طبّ الأئمة عليهم السلام / ابن بسطام / المجلّد : 1 / الصفحة : 50.
6. طبّ الأئمة عليهم السلام / ابن بسطام / المجلّد : 1 / الصفحة : 50.
7. طبّ الأئمة عليهم السلام / ابن بسطام / المجلّد : 1 / الصفحة : 50.
8. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 62 / الصفحة : 96 / ط مؤسسة الوفاء.
9. طبّ الأئمة عليهم السلام / ابن بسطام / المجلّد : 1 / الصفحة : 50.
10. طبّ الأئمة عليهم السلام / ابن بسطام / المجلّد : 1 / الصفحة : 52.
11. طه : ٢٠ / ٦٨.
12. القصص : ٢٨ / ٢٥.
13. الاعراف : ٧ / ٥٤.
14. المصباح جنة الأمان الواقية و جنة الإيمان الباقية / الكفعمي العاملي / المجلّد : 1 / الصفحة : 162.
15. مكارم الاخلاق / رضي الدين الطبرسي / المجلّد : 1 / الصفحة : 400.
16. مكارم الاخلاق / رضي الدين الطبرسي / المجلّد : 1 / الصفحة : 403.
17. مكارم الاخلاق المؤلف : الطبرسي، رضي الدين الجزء : 1 صفحة : 398.








التعلیقات