آثار العفّة في الدنيا والآخرة
المرأة والاسلام
منذ 3 ساعاتفي زمنٍ امتلأت فيه الحياةُ بانشغالاتٍ لا تنتهي حيث تتزاحم الضغوط، وتتداخل الأصوات، وتتشابه الطرق… تحدث لكلّ امرأة لحظة صادقة مع نفسها… لحظة تبحث فيها عمّا يحفظ قلبها قبل خطواتها.
فالحماية ليست غطاءً للجسد فحسب، بل صيانة شيء أغلى وأندر: العفّة.
العفّة ليست قيدًا، بل قيمة تبني القلب قبل أن تبني السلوك.
هي القوة الناعمة التي تمنح المرأة حضورًا نظيفًا، وراحةً داخلية، ونظرةً واثقة أمام المرآة.
كلّ امرأة تعرف في لحظةٍ ما من حياتها أن العفّة ليست حكمًا فقهيًا فحسب، بل هي درعٌ روحيّ يحفظ كرامتها اليوم… ويرفع درجتها غدًا يوم تلقى ربّها.
ولذلك، فإنّ هذا المقال يدعوكِ إلى رحلة قصيرة، ولكن أثرها طويل: رحلة تتأمّلين فيها لماذا حفظ الله لكِ هذه القيمة، وما الثمرات التي تجنيها في الدنيا من صفاءٍ وطمأنينة، وفي الآخرة من نورٍ ورضوان.
آثار العفة في الدنيا
العفّة من الأخلاق القيّمة التي ليس مجرد امتلاكها حسنًا فحسب، بل لها آثارٌ وفوائد عديدة في الدنيا والآخرة تُسهم في تقدم حياة الإنسان وبلوغِه الكمال والسعادة. هنا سُعِيَ إلى الإشارة بإيجاز إلى بعض آثار وثمار العفّة.
١. السكينة النفسية
الغريزةُ الجنسية إحدى أقوى غرائز الإنسان، وبحسب قول العلماء المسلمين، فإنّ أعظم المنحدرَاتِ التي تقف في طريق حياة الناس، خصوصًا الشباب، وما غالبًا ما يُسقطهم هو الإشباع غير المشروع والمبالغة في هذا المجال.
الإسلامُ لا يعترف بكبت هذه الغريزة كحرمانٍ مطلق، بل يرى أنَّ أفضلَ وأصحّ طريقٍ لإشباعها هو الزواج. فالزواجُ يحفظ الإنسانَ من الانحراف والفساد الأخلاقي، ويمنح المجتمع عفّة وسلامًا وراحةً نفسية. من أهم فوائدِ الزواج ونتائجه: الراحة والسكينة. وقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى بقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ (1).
في هذه الآية يعتبر اللهُ ـ تعالى ـ رابطةَ الزواج من آياته، ويُحصِي أثرَها في السكون والطمأنينة، ويعدّ البقاءَ أعزبَ وتركَ الزواجَ علامةَ اضطرابٍ وعدمِ سكينة. وهذه السكينة ناتجةٌ عن أنَّ الجنسينِ يكملان بعضهما البعض، ويُزهران وينموان معًا بحيث يكون كلٌّ منهما ناقصًا إلى حدٍّ ما بدونه الآخر. من الطبيعيِّ أن توجد قوةُ جذبٍ قويةٌ بين المكمِّل والُمكمّل له.
قد نستنتجُ أنّ الأشخاص الذين يَتَخَلّون عن هذه السنّة الإلهية يعيشون حالةً من النقص، لأنّ مرحلةَ كمالهم توقّفت. حين ينتقلُ الإنسانُ من مرحلة العُزوبة إلى الحياة الأسرية، يظهر في نفسهُ شخصيةٌ جديدة وتزدادْ لديه حساسيةُ المسئولية، وهذا ما نسمّيه شعورَ الراحةِ والأمنِ الروحي في ظل الزواج والحياة الأسرية.
٢. الأمن الاجتماعي
من المسائل المهمة لجميع الناس، وخاصة النساء، هي الراحةُ والأمنُ في المجتمع. وبعد أن يأمر الله نساءَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونساءَ المؤمنين بأن يُدينَ جلابيبهن قربَ وجوههن وصدرهن حتى يتغطينَ تمامًا، يذكر سبحانه سببَ هذا الحكم بقوله: ﴿ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ﴾ (2).
يشرحُ اللهُ تعالى فلسفةَ هذا الحكم بأنه إذا كانَ السترُ الكاملُ قد تمّ، تُعرَف المرأةُ بعفافها، فلا يجرؤ الفسقَةُ وذوو الأخلاق الرديئة على مضايقتها بالمزاحِ أو الكلامِ الفاحش، ولا يُنقَضُ حرمتُها أو كرامتُها.
العفّةُ من أهم الأمور التي تحتضن المجتمعَ وتُوصِلُه إلى الأمن الاجتماعي، والمُدهِش أنّ النساءَ أنفسهنّ يمكنهنَّ بناء هذا الحصن الحصين والعملَ على حفظه.
٣. تماسكُ نظامِ الأسرة
تشكيلُ الأسرة أقدسُ الروابط، وفي الإسلام يُعدّ الزواج أمراً مقدّسًا بل وعبادةً في نظرِ الشريعة. وللحفاظ على ثباتِ هذا الأساس، تُعدّ العفّةُ والحياءُ بين الزوجين أهم العوامل. العفّةُ والحياء داخل الأسرة تجعل الملذات الجنسية مختصا في البيتِ، وهذا يُؤدّي إلى تقويةِ الروابطِ بين الزوجين. ونتيجةً لذلك يتحقّقُ تماسكٌ أكبرُ لِحاضنةِ الأسرة وأساسِها.
أمّا إذا غابت العفّةُ، وامتدّت إشباعاتُ الزوجين الجنسية إلى خارج البيت، فإنّ ذلك يُفضي إلى تَفَكُّكِ العلاقاتِ العائلية وانهيارِها. هذا الأمر، بالإضافة إلى إضعافِ بنيانِ الأسرة وارتفاعِ نسبِ الطلاق، يترك أثرًا مدمرًا على تربيةِ الأولاد؛ لأنّ الأطفال عادةً ما يقلّدون سلوكَ الكبارِ ووالديهم في أقوالِهم وأفعالِهم.
الآثار والبركات الأخروية
العفّةُ من الأمور التي آثارُها دائمةٌ وباقية، فهي توصِلُ الإنسانَ إلى السعادةِ والنجاةِ ومكافأةِ الآخرة. وذكر الله تعالى في آياتٍ كثيرة ثمراتِ هذه الصفةِ الأخلاقيةِ الباقية. فجنةُ النعيمِ هي نتيجةُ عملِ العفيفين.
في سورةِ المؤمنون يعددُ اللهُ صفاتِ المؤمنين، ومن صفاتهم البارزة العفّةُ وحفظُ الفَرج، ثم قال تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ (3).
يقولُ اللهُ تعالى إنَّ هؤلاء هم الورثةُ— أي الذين انتُهِيَتْ إليهم هذه الصفاتُ والقيمُ — فيرثونَ الفردوس ويخلدون فيه. وهو أطيب موضع في الجنة وأوسطها وأفضلها وأرفعها، وإقامتهم فيه ليست مؤقتةً بل أبدية.
وفي سورةِ النور، بعد بيان الأحكامِ التي تهدفُ إلى حفظِ العفّةِ والطّهارة، يقولُ الله: ﴿ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ﴾ ((4).
أي إنّ التزامَ العفّةِ وما يَؤدّي إليها من أعمالٍ هو تَزكِيةٌ وطهارةٌ لكم. كلمةُ «زكو» في اللغة تدلُّ على النماءِ والنموّ، وتُؤخذُ في معاني الدنيا والآخرة. في هذه الآيةِ يعتبرُ اللهُ أنَّ الالتزامَ بهذه الأمور يَؤدّي إلى نموٍّ ورَقيٍّ في الدنيا والآخرة.
قد يُعدّ أحدُ أمثلةِ هذه الآيةِ تنميةَ مواهبِ الإنسان؛ لأنَّه أغلب مواهبِ الإنسان يحتاجُ إلى بيئةٍ مناسبةٍ للنموّ والارتقاء. فإذا حكمت في حياةِ الناس الشهوةُ والتبرّج بحيث تُوجَّه جهودُهم لعرض النفسِ وإثارةِ الشهواتِ، فلن يبقى مكانٌ لتفتحِ المواهبِ؛ ولن تنمو روحُ التعليم والتعلّمِ. أمّا إذا استُخدِمَتْ النِعَمُ الإلهيةُ بالشكلِ الصحيحِ، فإنّ الإنسان سيجدُ أمامَه مواهبَ كثيرةً قابلةً للانطلاقِ والاكتشافِ، فيحرّكها دافِعٌ سليمٌ فينميها ويُثمرها. لذلك، إنّ مراعاةَ ما يُحفظُ به العفّةُ وسلامةُ الفردِ والمجتمع تُؤدّي إلى نموٍّ وتفتحٍ للبشر.
ونجدُ أن اللهَ ذكرَ (المغفرة) كأحد ثمراتِ العفّةِ الأخروية، و(الرزق الكريم) كثمرةٍ أخرى إذ يقول تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (5).
الخاتمة
بعد كلّ ما تقدّم… يتبيّن لنا أنّ العفّة ليست مجرد قيمة دينية أو سلوك اجتماعي؛ بل هي أسلوب حياة يحفظ للمرأة صفاءها، وكرامتها، وراحتها الداخلية.
العفّة تمنحكِ أمانًا لا يقدر عليه أيّ سند خارجي، وتمنع عنكِ متاعب كثيرة قبل أن تقع، وتفتح لكِ أبواب احترامٍ وثقةٍ لا تُشترى.
وليس عجيبًا أن تكون المرأة العفيفة في نظر الإسلام ذات نورٍ يوم القيامة، وذات هيبةٍ اليوم في الدنيا؛ لأنّ من حافظت على أثمن ما لديها… استحقت أن يكرمها الله في الدارين.
لكن الأهمّ من كل ذلك:
أنّ العفّة قرارٌ يتجدّد كل يوم.
قرارٌ تختارينه عندما ترفعين من قدرك، وتحفظين قلبك، وترفضين ما لا يشبه قيمكِ ولا يليق بروحك. العفّة ليست شيئًا نُحافظ عليه لأجل الآخرين، بل لأجل أنفسنا.
أسئلة وأجوبة
1. ما معنى العفّة في المفهوم الإسلامي؟
العفّة هي ضبط النفس وحفظ الجوارح من كلّ ما لا يرضي الله، وهي ليست مجرد سلوك ظاهري بل موقف قلبي وروحي يعكس الطهارة والكرامة.
2. لماذا تُعَدّ العفّة قيمةً أساسية للمرأة؟
لأنها تحمي كرامتها، وتجعلها مطمئنة في قراراتها وعلاقاتها، وتمنحها احترامًا ثابتًا في المجتمع.
3. ما الذي تكسبه المرأة من العفّة في حياتها اليومية؟
تكسب صفاء النفس، الثقة بالذات، راحة الضمير، وابتعاد القلق الناتج عن العلاقات غير المستقرة أو التصرفات غير المنضبطة.
4. كيف ترتبط العفّة بالسعادة الزوجية؟
العفّة قبل الزواج تبني الاختيار السليم، والعفّة داخل الزواج تزيد المودّة والاحترام بين الزوجين، وتُبعد المشكلات الناتجة عن الشكّ أو الخيانة.
5. هل العفّة تقي المرأة من الاستغلال؟
نعم، فالعفّة تجعل المرأة واضحة الحدود، محترمة لنفسها، مما يصعّب استغلالها ويُبعد عنها أصحاب النوايا السيئة.
6. كيف يمكن للمرأة اليوم أن تحفظ عفّتها وسط الفتن؟
بالوقاية الرقمية، اختيار الصحبة الصالحة، تنظيم الوقت، الدعاء الدائم، والالتزام بقيمها دون مجاراة ضغط الآخرين.
1. سورة الروم، الآية: 21.
2. سورة الأحزاب، الآية: 59.
3. سورة المؤمنون، الآيتان: 10 و 11.
4. سورة البقره، الآية: 232.
5. سورة النور، الآية: 26.








التعلیقات