دور البيئة في حفظ الحياء: دليل للمسلمين في المجتمعات غير الإسلامية
تربية طفلك
منذ 4 ساعاتفي زمنٍ تتسارع فيه المغريات، وتزداد فيه الضغوط الاجتماعية والإعلامية التي تستهدف هوية المرأة المسلمة وقيمها، تصبح العفّة و حفظ الطهارة ليسا خياراً عادياً، بل ضرورة لحماية النفس والأسرة والمجتمع.
إنّ المرأة المسلمة اليوم، خصوصاً تلك التي تعيش في بلاد غير إسلامية، تواجه تحدّيات أكبر من السابق؛ فمظاهر الانحلال متاحة، والاختلاط غير المنضبط شائع، والرسائل التي تُبثّ عبر الإعلام ومنصّات التواصل لا تكفّ عن تشجيع التبرّج وتطبيع الفاحشة وتشويه صورة العفاف.
ولهذا السبب، تأتي هذه المقالة لتكون تنبيهاً صادقاً لكلّ امرأة وفتاة مسلمة كي تعيد النظر في محيطها، وتختار لنفسها طريق الطهارة والعزّة، وتبتعد عن كلّ ما يهدّد سلامة إيمانها وشخصيّتها. فالعفّة ليست قيوداً، بل هي حماية وقوّة، وهي ما يحفظ للمرأة كرامتها ويجعلها ثابتة أمام طوفان الانحراف.
كما أنّ الرسالة موجّهة بقوّة إلى الآباء والأمّهات:
أبناؤكم أمانة في أعناقكم، والبيئة التي يعيشون فيها قد تبنيهم وقد تدمّرهم. إنّ التربية الصحيحة، وتعليم الحياء منذ الطفولة، ومراقبة الصحبة، وتهيئة بيئة نظيفة داخل الأسرة، ليست أموراً ثانوية، بل هي أساس النجاة في هذا العصر.
فإلى كلّ أمٍّ تخاف على ابنتها…
وإلى كلّ أبٍ يريد لابنه طريقاً نظيفاً ومستقبلاً مشرقاً…
نقول: اقرأوا هذا المقال بتمعّن؛ فهو ليس كلاماً وعظياً فقط، بل خارطة طريق تُعينكم على حماية أنفسكم وأبنائكم من فتن هذا الزمان، وبناء أسرة مسلمة ثابتة على قيم الطهارة والعفاف مهما تغيّرت البيئات وتبدّلت الثقافات.
المجتمع وآثاره في تشكّل العفّة
من جملة العوامل المهمّة في حفظ العفاف والطهارة أو حتّى الميل إلى عدم العفّة والانحرافات الأخلاقية والجنسية، هي البيئة.
البيئة هي كلّ ما يُحيط بالإنسان، فكلّما نما الإنسان واتّسعت حياته، اتّسعت دائرة بيئته أيضاً. والبيئة الحياتية تؤثّر دائماً في تكوين شخصية الإنسان وأخلاقه.
نقاء البيئة أو فسادها يُعدّ عاملاً حاسماً في سلامة الشخص، وإنْ لم يكن هذا التأثير جبريّاً.
ولأنّ الإنسان يؤثّر في البيئة ويتأثّر بها في الوقت نفسه، فلا شكّ أنّ دخوله في البيئات الفاسدة والملوّثة قد يُضيّع قلبه وإيمانه ويُفسده بالشهوة والانحرافات الأخلاقية. ولهذا يؤكّد الإسلام أنّه من أجل تربية الأفراد على العفّة والطهارة، لا بدّ من إيجاد بيئة سليمة وصالحة.
إنّ دائرة البيئة لكلّ إنسان واسعة، لكنّنا نشير هنا إلى أبرزها.
١. الأسرة
الأسرة هي أوّل وأهمّ بيئة تتكوّن فيها البنية الجسدية والعاطفية والأخلاقية والعقلية للفرد. فجذور كثير من الكمالات الإنسانية، وكذلك جذور كثير من الاضطرابات السلوكية والفكرية والأخلاقية، تتشكّل في بيئة الأسرة.
ونظراً لأهمّية دور الأسرة في تكوين شخصية الفرد وسلامته، يأمر الله بأن يبدأ أمر التربية الأخلاقية للفرد من أصغر وأهمّ بيئة، وهي الأسرة؛ لأنّها تؤثّر تأثيراً كبيراً في التربية الأخلاقية والعفّة.
وقد أكّد علماء النفس المختصّون بالتربية الجنسية كثيراً على أهمّية الحياء وتعزيزه منذ الطفولة، وذكروا أثره في حماية الأطفال من الانحرافات الجنسية.
ومن هؤلاء كوتشكوف، أحد خبراء علم النفس والتربية الجنسية، حيث يقول: إنّ التربية الجنسية في الأسرة تبدأ بإيجاد الخجل (الحياء) في الأطفال من الذكور والإناث. فالخجل خاصّية مهمّة من ملامح الأخلاق الإنسانية، وهو العفّة والطهارة. ويظهر الخجل في الكلام والفعل وطريقة اللباس والسلوك والحركات. ويجب البدء مبكّراً جدّاً في تنمية هذه الخاصّية، ولأجل ذلك يجب توفير ظروف مناسبة داخل الأسرة.
وقد قدّم القرآن والسنّة برامج وإرشادات للوالدين ولأفراد الأسرة، ليصبح البيت بيئة سليمة لتربية الأبناء.
ويرى الخبراء الدينيون أنّ دراسة حالات انحراف الأطفال والناشئة تُظهر أنّ منشأ كثير منها هو إهمال الوالدين. فإلى جانب اهتمامهما والتزامهما بالحياء في العلاقات الخاصة، ينبغي تربية الأطفال على الحياء بحيث يُراعون ستر أجسادهم ويشعرون بالخجل من كشفها.
وإذا لم يوفّر الوالدان بيئة مناسبة للترفيه السليم لأبنائهم، فإنّهم سيدخلون البيئات الفاسدة، ممّا يؤدّي إلى فسادهم ودمار حياتهم في الدنيا والآخرة.
ولهذا يأمر الله تعالى بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) (1).
وكلمة «قوا» من الوقاية، وهي حفظ الشيء من كلّ خطر يضرّه.
وعلى الوالدين أن يهيّئوا بيئة طاهرة خالية من كلّ تلوّث داخل البيت؛ لأنّ مسؤولية الإنسان تجاه زوجته وأولاده لا تنتهي بتأمين النفقات والمسكن والطعام، بل الأهمّ منها هو تغذية روحهم.
وإيجاد بيئة سليمة لبناء روح وشخصية أفراد الأسرة من أهمّ واجبات الوالدين.
٢. الصديق
ثبت علماً وتجربةً أنّ الإنسان يتأثّر كثيراً بصديقه ومجالسته.
فالصديق السيّئ سبب لدمار شخصية الإنسان وكرامته، كما جرى لابن النبي نوح عليه السلام الذي انجرف نحو المعصية وافترق عن أهل النبوّة.
أمّا الصديق الصالح فله دور كبير في بناء شخصية الإنسان وإصلاحه.
ويذكر الله في القرآن حال بعض أهل جهنّم الذين يندمون على صداقاتهم السيّئة فيقولون: (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) (2).
قد يقضي الإنسان جزءاً من عمره في طاعة الله والعفّة، لكن بسبب صحبة صديق فاسد ينتهي به المطاف إلى سوء العاقبة.
ومجالسة الأصدقاء المنحرفين تجرّ الإنسان إلى المعصية، وتفتح له أبواباً كثيرة للوقوع فيها. ويمكن القول إنّ أكثر أسباب الانحرافات تأتي غالباً من خلال الأصدقاء والصحبة السيّئة.
والمهمّ هنا أنّ انتقال الصفات من الصديق إلى صديقه يحصل غالباً بشكل خفيّ وغير واعٍ؛ فيظنّ الإنسان أنّه يمكنه النجاة من أخلاق أصدقائه الفاسدين في حين أنّه يتأثّر بهم دون أن يشعر.
قال الإمام علي عليه السلام : «قُرْبَةُ الأشرارِ مَضَرَّةٌ» (3).
وبالاستفادة من القرآن وكلام المعصومين عليهم السلام، يجب الالتفات إلى أنّ تربية الإنسان العفيف والطاهر تبدأ من اختيار الأصدقاء الأتقياء.
وقد حذّر الله الناس من مجالسة من يرتبطون بأصدقاء فاسدين، بل ذكر القرآن صراحةً أنّ من شروط اختيار الزوجة أن لا تكون لها صداقات محرّمة: (وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ) (4).
وقد وردت توصيات كثيرة في النصوص الدينية بشأن اختيار الصديق وشروطه.
٣. المجتمع
بما أنّ الإنسان كائن اجتماعي، فهو كما يمكنه التأثير في المجتمع، كذلك يتأثّر به بشدّة.
وقد أشار علماء النفس إلى أنّ الإنسان يتأثّر تأثّراً كبيراً بالبيئة الاجتماعية.
ويعرض القرآن مثالاً واضحاً على تأثير البيئة الفاسدة، وهو حال بني إسرائيل بعد أن أنقذهم موسى عليه السلام من طغيان فرعون وعبر بهم البحر، فمرّوا على قومٍ يعبدون الأصنام بخشوع.
فانبهر بنو إسرائيل بتلك المشاهدة وقالوا لموسى عليه السلام: (يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ) (5).
مع أنّهم كانوا يستفيدون من هداية نبيّهم موسى عليه السلام، فإنّهم تأثّروا بالبيئة الفاسدة إلى هذا الحدّ.
ونظراً لقوّة تأثير البيئة، أمر الله بالهجرة من البيئة الفاسدة إلى بيئة صالحة.
فإذا وجد الإنسان نفسه في مكانٍ عمّ فيه الفساد، ولم يستطع تغييره، وكان دينه وعفّته في خطر، وجب عليه أن يهاجر إلى مكان تتوفّر فيه شروط النموّ الديني والعفّة.
قال تعالى: (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا) (6).
وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : «مَن فَرَّ بدينه من أرضٍ إلى أرضٍ، وإن كان شِبراً من الأرض، استوجب الجنة، وكان رفيق إبراهيم ومحمّد عليهما السلام» (7).
ومع ذلك، فإنّ البيئة الصالحة تحتاج أيضاً إلى المحافظة على نقائها، والابتعاد عن كلّ ما يُسبّب تلوّثها.
خاتمة
إنّ ما تقدّم يبيّن بوضوح أنّ الأسرة المسلمة في البلدان غير الإسلامية بحاجة إلى وعي أكبر تجاه البيئة المحيطة بأبنائها. فالمجتمع المفتوح، والاختلاط الواسع، وضعف القيم الأخلاقية السائدة قد يترك تأثيراً خطيراً إذا لم يجد الأبناء في البيت حصناً يحميهم.
إنّ مسؤولية الوالدين اليوم تتجاوز توفير المال والدراسة؛ فالمطلوب قبل كلّ شيء هو غرس الإيمان والحياء والعفّة في نفوس الأبناء، وتعليمهم ضوابط العلاقة مع الآخرين، ومراقبة صداقاتهم ومحيطهم بحكمة ومحبة.
كما ينبغي خلق بيئة منزلية هادئة ونقيّة، والاقتراب من الأبناء بالحوار، وتقديم القدوة الحسنة في السلوك والالتزام؛ فالأطفال يتأثرون بما يرونه أكثر من تأثرهم بما يسمعونه.
والخطر الحقيقي ليس في العيش بين غير المسلمين، بل في فقدان الهوية الدينية والانجراف نحو ثقافة لا تشبه قيم الإسلام. وما يحفظ الأسرة من ذلك هو التربية الواعية، والمتابعة المستمرة، وبناء علاقة إيجابية مع الأبناء.
نسأل الله أن يحفظ أسر المسلمين في كلّ مكان، وأن يرزق أبناءهم الثبات والعفّة، وأن يجعل بيوتهم منارات للهداية والصلاح.
1. سورة التحريم، آية 6.
2. سورة الفرقان، آية 28.
3. نظم نثر اللئالي / أبو علي أشرف المراغي / ج1 / ص313.
4. سورة النساء، آية 25.
5. سورة الأعراف، آية 138.
6. سورة النساء، آية 97.
7. بحار الأنوار / العلامة المجلسي / ج19 / ص31 / دار إحياء التراث.







التعلیقات