لماذا لا تتزوج؟
السيد حيدر الجلالي
منذ 6 سنواتليس لدي راتباً أُعيِّش بها نَفَرين، وليس لدي بيتاً ولا سيارةً ...
لَم أجد مورداً مناسباً لكي أتزوّج معها ...
إنّ الوقتَ ليس مناسباً لكي أتزوّج وأنا أفضل بكثير منها ...
لدي كثير من الفُرَص ولا أُريد أن اُحدد نفسي بهذا المورد ...
...
هذا كلام بعض الشباب الذين وصلت أعمارهم إلى الزواج ولديهم فُرصاً ومالاً وهناك موارد لزواجهم، لكن لم يرغبوا إلى الزواج، ويختلقون حُجَجَاً للهروب من هذه القضية. إنّ هؤلاء الشباب في الغالب كَبُرت أعمارهم، وارتفعت توقعاتهم من الحياة، لكنّهم لا ينتبهون إليها، ويسيرون في تخيّلاتهم التي رسموها من الحياة فحسب، وأنّهم أخذوا هذه التخيّلات من حياة الآخرين والقصص التي يسمعونها، ويرونها في القنوات الاجتماعية والتلفزيون.
لكن لماذا تقع هكذا أمور في المجتمع؟ كيف يصل هؤلاء الشباب إلى هذه المرحلة؟ كيف ترتفع توقّعاتهم من الحياة؟ لماذا ينظروا إلى حياة الآخرين، ويريدون أن يصلوا إلى تلك الحياة قبل الزواج، ولا يبادروا إلى الزواج بما لديهم من الإمكانيات، ومِن ثَمّ يسعوا في الوصول إلى تلك الأهداف بمساعدة شخص آخر، يُعينهم ويشاركهم في الصعوبات لكي لا يتحمّلوا أعباء تلك الصعوبات لوحدهم؟
يمكن أن نجد جذور هكذا مشاكل في عدّة أمور، منها:
1) العائلة: إنّ لكلّ عائلة ثقافة ومبادئ، وغالباً ما تكون هذه الثقافة وسيلة لوصول الأولاد إلى غاية حياة، وهي بلوغ مرحلة "الإنسانية"، حيث يمكن لهم أن يتعاملوا جيّداً مع الآخرين، فالعائلة التي لم يتعلم الأولاد فيها التفكير الصحيح، وكيفية التعامل الإنساني مع الآخرين، لا يمكن أن نتوقع منهم بأن يُواجهوا الصعوبات والمشاكل بتمعّن وصبر، بل نتوقع منهم القرارات السريعة والعاجلة غير المنطقية التي لا حاصل لها إلّا الندم، فلابد للإنسان أن يتمعن وأن يفكر ما يريد فعله، فيقول المولى أمير المؤمنين (عليه السلام): «أیّها النّاس!... ولَا خَیْرَ فِي دُنیَا لَا تَدبِیرَ فِیهَا».(1)
2) المجتمع: المجتمع هو المؤثر الثاني بعد العائلة على الفرد، فالمجتمع السليم الصالح ينتج الفرد الصالح، والعكس صادق، وبما أنّ المجتمع يتكون من العوائل، فعلى الأفراد أن يجدوا قرائنهم بأفضل شكل ممكن، ويختاروا الأفضل بالمعايير الإنسانية، فعندما يقول الإمام الرضا (عليه السلام): » النِّکاحُ رِقٌّ، فاذا أنْکَحَ أحَدُکُمْ ولِیدةً فَقَدْ أرقّها، فلْینْظُرْ أحَدَکُمْ لِمَنْ یَرُقُّ کرِیمَتَه «،(2) فهو ناظرٌ إلى هذه المسألة أنّه لو كان أساس المجتمع مبنيٌ على السلامة وباستحكام، سينتج هذا المجتمع أفراداً مثقفين ومفكرين ليس لديهم قرارات تُنتج الندم.
3) الابتعاد عن القيَم الأخلاقية: يقول الإمام الرضا (عليه السلام): «أحْسِنُوا جَوَارَ النِّعَمِ فَإنّهَا وَحشیّة مَا نَأتِ عَن قَومٍ فَعَادَتْ إلَیهِم»،(3) فالفُرص تمرّ مرّ السحاب، والشاب الذي ليس مقتنعاً بما لديه، ويتمنّى الأكثر والأفضل دون أن يتوجّه إلى غيره من الفُرص، فلا مصير له إلّا الخُسران في باقي جوانب حياته، وإن تَوَفّق، ونجح في ذلك الجانب الذي أصرّ على الوصول إليه.
فالإصرار على الحصول على الشخص الأفضل الذي يراه في الأفلام أو القصص ليس عملاً صحيحاً؛ لأنّ بهذه الطريقة قد يُضيّع الشخص الفُرص التي تأتيه، والشيء الذي لابد ومن الواجب أن نأخذه بعين الإعتبار هو أنّه "لا تُقيس أبداً بين ظاهر حياة الآخرين وباطن حياتك"؛ لأنّك لا تعلم ماذا يحدث في حياة الآخرين.
نعم... لو اهتمّ الشخص بما لديه من القدرات واستثمرها بأحسن شكل سيصل إلى مراده ومطلوبه في المستقبل بموازات الحصول على أشياء أُخرى، فعندما يستثمر الشخص سلامة بدنه سيكون قد حصل على أفضل نوع من الحياة، فقيول الإمام الرضا (عليه السلام) » مَن أصْبَحَ مُعافَی فِي بَدَنِه، مُخَلَّا فِي سربِه، عِندَهُ قُوُت یِومِه، فَکَأنّما حیّزتْ له الدُّنیَا« (4) تأييد على هذا المطلب.
) بحار الأنوار، ج67، ص307، ح24.
2) الأمالي للطوسي، ص519، ح46.
3) بحار الأنوار، ج75، ص341، ح41.
4) من لا يحضره الفقيه، ج4، ص419، ح5916.
التعلیقات