لا تَكُن أنانياً
السيد حيدر الجلالي
منذ 6 سنواتكنت جالساً على كراسي المحكمة العائلية ببغداد، وكنت أنتظر القاضي رائد حمدان؛ لكي أدخل معه إلى قاعة المحكمة. كانت جلسة المحكمة في تمام الساعة 10:30 صباحاً، وكانت القضية بين زوجين تطلب الزوجة الطلاق.
حضر القاضي في الموعد المقرر ودخلت معه بصفتي طالب في كلية القضاء؛ لكي أقضي الدورة التعليمية.
جاء الزوجان وحالة الغضب على وجناتهما. بدأت الجلسة، قال القاضي: ماذا تُريدان؟
بدأت ريم التي طلبت الطلاق: لا أستطيع أن أعيش مع حسام؛ لأنّه لا يُلبّي طلباتي، ولا أستطيع أن أصرف كما يصرفن صديقاتي في الأسواق و...!
قال حسام: إنّ راتبي محدود، ولا يمكن لي ذلك...
قطع القاضي كلامهما وقال: سيّدة ريم، هل أنتِ مُسلِمة؟ أما سمعتي قول الرسول (صلى الله عليه وآله): (لا يَحِلُّ لِلمَرأةِ أنْ تَتَكَلَّفَ زَوجُهَا فَوقَ طَاقَتِه)؟!(1)
قالت: نعم، ولكن.. لم تتم كلامها إلّا وقطع القاضي كلامها، وأجّل الجلسة إلى الأسبوع التالي!! استغرب الجميع كثيراً !! لكن ليس لأحدٍ أن يعترض؛ لأنّ القاضي قد أصدر قراره.
بعد إسبوعين شُكّلت الجلسة مرّة أخرى، وفعل القاضي كما فعل في الجلسة الأولى!!
بعد ثلاثة أسابيع عندما جاء ريم وحسام قال القاضي: الكل يخرج من قاعة المحكمة إلّا ريم وحسام!! ثمّ توجه نحو ريم، وقال: أما سمِعتي قول الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ قَالَتْ لِزَوْجِهَا مَا رَأَيْتُ قَطُّ مِنْ وَجْهِكَ خَيْراً فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهَا)؟(2) أليس لحسام أيّ عملٍ جيدٍ في الحياة؟! ثمّ توجّه نحو حسام، وقال له نفس الكلام، ثمّ قال لهما: الآن أنتما تُفكّران بمواقفكما السلبية تجاه الآخر، بالله عليكما: أنتِ يا ريم! هل أتى يوم من الأيام وجاء بكِ حسام بوردة أو قُبلة؟ أنتَ يا حسام! هل حدث أنّ ريم قدّمت لك العصير عندما كنت ترجع من العمل منهكاً؟ أما كان لديكما مواقف إيجابية في الحياة؟ أما كان بينكم مودّة ومحبّة عندما تزوّجتما؟ أما كنتما تعشقان الآخر عند الزواج؟ أما كنتما تهتمّان بالآخر في المواقف الصعبة -ما عدى الأمور المادية-؟ أطلب منكم الآن أن تجلسا معاً، وتتذكّران تلك المواقف الإجابية، وخرج من قاعة المحكمة.
بعد نصف ساعة عندما دخلنا عليهما رأيناهما يتهامسان والابتسامة تموج في وجوههما. قال القاضي رائد لهما: هل لديكما مشكلة؟ أتريدان الطلاق؟ إن تريدان الطلاق، فنبدأ الجلسة مرة أخرى؟
سارعت ريم في الجواب، وقالت: لا.. لا.. ليس لدينا مشكلة!! فقط أريد أن أخرج مع حسام!! لاحقاً نأتي، ونكمل الإجراءات القضائية!! في أمان الله...
نعم، بفعل القاضي رائد تغيّر مسار حياة ريم وحسام من العداوة والطلاق إلى المحبّة والعشق، فهذه هي ما تؤكّد عليها الشريعة الإسلامية في مسألة الزوجين، المحبّة والعشق والعيشة الهنيئة؛ ولهذا جعل الإسلام حقوقاً متقابلاً لكلٍّ من الرجل والمرأة تجاه الآخر، حيث عيّن مسؤوليتهما؛ لكي يقتربان أكثر وأكثر، وفي نفس الوقت يبعد عنهما العدواة وضيق الخُلق.
يقول الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) للرجل في حقّ المرأة: (إنَّ الرَجُلَ لَيؤجَرَ فِي رَفْعِ اللُقْمَةِ إلى في إمرَأَتِه)،(3) وقال الإمام الصادق (عليه السلام) متّجهاً للمرأة في حق الرجل: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ رَفَعَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا شَيْئاً مِنْ مَوْضِعٍ إِلَى مَوْضِعٍ تُرِيدُ بِهِ صَلَاحاً، نَظَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهَا وَمَنْ نَظَرَ اللَّهُ إِلَيْهِ لَمْ يُعَذِّبْهُ).(4)
فنرى مدى اهتمام الإسلام والحثّ على التكاتف والتقارب والصلاح بين الزوجين بدلاً عن ابتعادهما عن الآخر بحُججٍ مختلفةٍ كالحجج المادّية مثلاً.
ومن خلال الأحاديث المذكورة، تكون العهدة على القارئ، والعاقل تكفيه الإشارة..
- مستدرک الوسائل، ج14، ص242.
- وسائل الشيعة، ج14، ص115.
- المحجّة البيضاء، ج3، ص70.
- وسائل الشيعة، ج14، ص17.
التعلیقات