دور الزوج في إسعاد الزوجة
محسن محمد
منذ 16 سنةدور الزوج في إسعاد زوجته لا يقلّ أهمية عن دور الزوجة في إسعاد زوجها، إذا صحّ أن نفصل بين الدورين _ذلك لن للرجل دوراً أساسياً في إسعاد الأسرة كلّها، بمقتضى كونه القيّم على شؤونها والمدبّر لأمورها. فلا غرو أن تقع عليه مسؤولية إيصالها إلى أهدافها التي رسمها الإسلام الحنيف، حيث ترمي هذه الأهداف إلى استقامة المسيرة واستقرار العلاقة.. والتي يجمعها نيل الطمأنينة والسعادة في ظل قيادة الرجل الحكيمة، كما يُفترض.
وفي هذا الإطار لابد أن يلحق الزوجة من هذه السعادة النصيب الأوفر لأنها الركن الثاني والشريك المهمّ الذي إن انسجم مع شريكه كان دعامة كبيرة له في النهوض بمسؤوليته. والحقيقة أن نجاح الزوج في أداء حقوق زوجته وإسعادها دليل على سلامة شخصيته وفاضل خُلُقه وانسجامه مع دوره وقدرته على استكمال هذا الدور مع باقي أفراد أسرته ما دام النبي (ص) يقول: "خيركم خيركم لأهله"، حيث لا فصل في مواقف المرء بين ظرف وآخر ما دامت الأفعال تصدر عن النفس الكريمة المعدن، الحسنة الخلق.
الواقع المؤسف:
وخلافاً لتوجه الإسلام الحنيف.. وعبر مختلف الزمنة.. ولدى عامة المجتمعات الإسلامية.. لم تلقَ الزوجة الحفاوة اللازمة والتكريم الواجب والتقدير المهم، ليس فقط كزوجة.. بل كأمّ وأخت وبنت وعاملة، وإن كان العدوان عليها كزوجة أشدّ وأكبر من العدوان عليها في بقية مواقع الحياة، نظراً إلى أن المعتدي عيها إن كان اباً أو أخاً فسوف تأخذه الشفقة عليها بسبب القرابة فيتوقف أو يخفّف من عدوانه، بينما هي في بيت زوجها تعيش في كنف رجل غريب قد يشتد في ظلمها بمساعدة التقاليد والأعراف الاجتماعية، من دون أمل بأن يتحسّن وضعها ويخف الظلم الواقع عليها.
ويبدو أن الذي ساعد على نشوء هذه الظاهرة واستمرارها عوامل عدة:
منها: الكثير من النصوص والأحكام الشرعية التي أسيء فهمها.. أو استخدامها، وهي التي تحثّ على طاعة الزوج، والتي تستنقص _حسب ظاهرها _ من قيمة المرأة وتجعلها في مرتبة دون مرتبة الرجل، والقوامة التي اعطاها الشرع للزوج على زوجته.. ونحوها. علماً أن هذه النصوص ليست كما فُهِمت إطلاقاً.. مُضافاً إلى أن الذين أساؤوا فهمها قد غضوا النظر عن كل النصوص والأحكام التي تضع المرأة.. والزوجة تخصيصاً.. في الموضع الكريم اللائق..
وللإضافة في هذا الموضوع مجال آخر قد نوفق إليه.. مع انه لابد أن يجرّنا الكلام إلى شيء منه.
ومنها: جملة التقاليد والأعراف الشعبية المتأثرة بمفاهيم الجاهلية والمجتمعات البدائية المتخلّفة، وهي التي لا تزال موجودة في المجتمعات القبلية بكل حدّتها وقوّتها.. والتي ترى المرأة وجوداً هامشياً جداً لا يُذكر إلا في سياق شهوات الرجل وحاجاته.
وأكثر ما توجد مخلّفات هذه المفاهيم في الأرياف ولدى الرجال ذوي الثقافة المحدودة.
ومنها: نزعة التسلّط والاستقواء التي يبديها القوي تجاه الضعيف، وهي إن لم تكن خاصة بالعلاقة الزوجية، غير أنها أكثر إيلاماً فيها منها في غيرها، نظراً لاستفراد الزوج بزوجته وتصفيق المجتمع له.. وخذلانها.
وهذه النزعة حالة نفسية بهيمية لابدّ من تهذيبها في عموم علاقات الفرد مع المجتمع، كونها المسؤولة عن معظم حالات العدوان والظلم، وبالأخص في عالم العلاقة الزوجية، كي يستشعر المسلم المودة اللازمة لشعور الزوجة بالكرامة والسعادة.
ومن المؤسف أنّ هذه النزعة موجودة حتى لدى المؤمنين، ربما لأن الذي يحطمها ويقوّمها.. ليس الالتزام بالحكم الفقهي وحده.. بل الروحية الودودة والنزعة الأخلاقية التي تساهم في بلورة الإيمان وجعله حيوياً سامياً.
هذا هو الواقع المؤسف الذي تعيشه الزوجة المسلمة في معظم المجتمعات الإسلامية، وهو الذي يزيدنا حماسة لإيلاء هذا الموضوع أهمية مميزة كي نخرج الأسرة المؤمنة من دائرة الهيمنة الاعتباطية إلى مستوى القوامة العادلة المسؤولة والأخلاقية.
أصول السعادة وأركانها:
إن الزوج المؤمن بمقدار ما يحرص على سعادة زوجته فإنه _في الحقيقة_ يتجنّب الكثير من المشكلات الزوجية التي تقع نتيجة عزوف الرجل عن إسعادها أو عجزه عن تحقيق ذلك.
وفي هذا الإطار سوف نذكر ما بدا لنا أنه ضروري لتوفير السعادة للزوجة.
الأول: الحقوق الواجبة:
وهي جميع الحقوق الإلزامية التي ضمّنتها الشريعة للزوجة في إطار العلاقة الزوجية وهي التالية:
أ _ أداء المهر وجميع الالتزامات المالية المنصوص عليها في عقد الزواج حيث يُلاحظ عدم إيلاء هذا الأمر العناية المطلوبة، بتصوّر أن الوفاق ما دام قائماً فإن المرأة سوف تغض النظر عن ذلك، فيهمل الزوج هذا الأمر.. أو يتصرف بأموال الزوجة دون أن يلتفت إلى ضرورة براءة ذمّته من عهدة هذا المال الذي هو حق للزوجة لا يجوز المساس به إلاّ بإذنها وموافقتها.
وأسوأ ما يحصل في موضوع المال.. أن الزوج عندما يملّ عشرة زوجته ويريد طلاقها يتفنّن في إيذائها لتترك له مهرها كي تتخلّص منه ويطلّقها، وهو مضافاً إلى كونه في بعض جوانبه محرماً إذا سبّب تجاوزاً لحقوقها الواجبة، فإنه في معظمه أمر غير أخلاقي، وقد ورد النهي عن ذلك صراحة في قوله تعالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) وفي قوله تعالى: (فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهنّ بمعروف)، ذلك لأن جو الخلاف والنفرة لا يبيح العدوان وتجاوز الحقوق اللازمة.
إن مراعاة الحقوق المالية للزوجة جزء مهمّ في حسن العلاقة معها وإدامة ثقتها بزوجها، وموجباً لاطمئنانها إلى مصيرها ومعيشتها في بحبوحة فيما لو كان لابدّ من الفراق أخيراً.
ب _ الإنفاق عليها:
وهو يتضمن تأمين المستوى اللائق من المعيشة، من المسكن والملبس والمطعم، مشروطاً بأن يكون مناسباً لوضعها الاجتماعي الذي يرفع المهانة عنها ويوفّر لها الحياة الكريمة.
ويظهر من تعابير بعض الفقهاء أن نوعية الحياة المعيشية الواجبة على الزوج لزوجته يتم تحديدها على حسب حال الزوجة ووضعها الشخصي لا على حسب وضع الزوج ومستواه المادي، وبعبارة (تحرير الوسيلة):.. فأما الطعام فكميته بمقدار ما يكفيها لشبعها، وفي جنسه يرجع إلى ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها والموالم لمزاجها وما تعودت به، بحيث تتضرر بتركه.
وأما الإدام (ما يضاف إلى الطعام لطبخه به.. مثل اللحم والخضار والزيت ونحوه) فقدراً وجنساً كالطعام، يُراعى فيه ما هو المتعارف لأمثالها في بلدها وما يوالم مزاجها وما هو معتاد لها، .. حتى لو كانت عادة أمثالها أو الموالم لمزاجها دوام اللحم مثلاً وجب، بل الظاهر مراعاة ما تعارف اعتياده لأمثالها من غير الطعام والإدام، كالشاي والتنباك والقهوة ونحوها، وأولى بذلك المقدار اللازم من الفواكه الصيفية التي تناولها كاللازم في الأهوية الحار..).
فالواضح من هذا النص أن نوعية الإنفاق لا يرجع تحديده إلى الرجل بل يتحدد على طبق (مزاج) المرأة وحاجتها (التي تتضرر بتركها)، إلاّ أن يكون الزوج قد اشترط عليها الصبر على تقلبات الدهر والرضى والقناعة بما تيسّر، فإن الواجب _حينئذ _ على الزوجة الوفاء والصبر.
وما كانت الشريعة لتهتم بذلك لولا دخالته في سعادة المرأة واستقرارها النفسي.. وانتظام حياتها بالنحو الذي كانت عليه عند أهلها أو قريباً منه، سيما مع ملاحظة ما ورد في الحديث من استحباب التوسعة على العيال في المسكن والمطعم ونحوها من سُبل المعاش، فعن الرضا (ع): (صاحب النعمة يجب عليه التوسعة على عياله).
ج _ الحق الجنسي:
حيث إن من الواجب على الرجل مراعاة حق المرأة الجنسي بالنحو الذي يسدّ حاجتها ويصون عفّتها مثلما هو مقدّر في الشريعة، وقد حدد في الشرع مرة في الأربعة أشهر، صيانة لحق الرجل في السفر والتغيّب عن بيته لدواعٍ كثيرة، وتفرض وضع الحد الأقصى الذي يمكن الرجوع إليه عند التنازع، ومن هنا فإن هذا الحق سوف يسير بشكل طبيعي ما دام الرجل حاضراً غير مسافر، وما دامت قدرته الجنسية سويّة غير متأثّرة بالعوارض الصحية أو النفسية.
والذي يؤكّد عناية الإسلام العظيمة بهذا الأمر الأحاديث التي وردت في آداب النكاح والتي فيها الكثير مما يحثّ الزوج على العناية برغبة المرأة الجنسية وعلى إيلائها الاهتمام المناسب، بالنحو الذي يظهر رغبة الرجل بإسعاد زوجته من هذه الناحية، وإضفاء الحيوية المناسبة على العلاقة العاطفية التي ينبغي أن تقوم بينهما.
ولعلّه من نافِلة القول التأكيد على أن معظم الخلافات الزوجية ناتجة عن أنانية الرجل الجنسية واهتمامه بنفسه وإهمال الحالة العاطفية لزوجته، حيث ينبغي للزوج أن يحرص:
1 _ على التهيؤ لزوجته بالتزيّن ونحوه.
2 _ على مراعاة رغبة زوجته والحرص على إشباعها.
3 _ على توسعة ثقافته الجنسية، كي يكون دقيقاً في التعاطي مع هذه المسألة الحيوية التي يتسبّب الجهل فيها بكثير من المخاطر والمآسي.
د_ مراعاة الأحكام الشرعية:
ونقصد بها وقوف الزوج في علاقته مع زوجته عند الحدود التي وضعها الشرع لتنظيم علاقة المؤمنين ببعضهم رجالاً ونساءً، فيجب عليه ترك إيذائها بالقول او الفعل، من قبيل الشتم والضرب والغيبة، ونحوها من المحرّمات والواجبات، حيث أن للمرأة على زوجها جميع ما حكم به الشرع لها كإنسانة مسلمة بغضّ النظر عن العلاقة الزوجية، علماً أن كونها زوجة يؤكّد ضرورة التزام هذه الحقوق بنحو أوثق وأكبر، بسبب رباط المودّة والرحمة الذي يجمع بينهما.
ومن المؤسف أن يكون الواقع على خلاف ذلك لما ذكر آنفاً من الأسباب التي خلقت واقعاً يستهل تجاوز الحدود الشرعية مع الأهل عامة ومع الزوجة والأولاد خاصة، وجدير بالمؤمن أن يراعي هذه الأمور بكل قوة، كما أن من الجدير بغير المؤمن أن يتقي الله ويلتفت إلى ذنبه ويتوب إلى ربّه تعالى.
التعلیقات
١