صلة الرحم
فالصلة توجب الذكر الجميل في العاجلة ورفيع الدرجات في الاجلة.
ولا ريب أنها من الفروض العينية ، حتى قيل ان تركها من الكبائر الموبقة.
والذي يظهر لي أن السر في ذلك ان الاجتماع مطلوب للشارع في بقاء نظام النوع الذي انما يتحصل
ببقاء أشخاصه ، والقرابة موجبة للمودة والالفة ، ولذلك لم يشرع الانكاح الاجانب تحصيلا للالفة المطلوبة للشارع ... صلة الرحم سببان يوجبانها ، فكان تركها من الذنب العظيم ، وقد ... الشارع على الترغيب فيها والوعيد على تركها.
وفي عدة مواضع قد حض الله سبحانه في كتابه العزيز عليها ، مثل قوله تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا )
( وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ )
( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ )
( قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ )
( إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ )
( وَآتَى المَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ )
( وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ )
( وَأُولُو الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ )
ومن ذلك الامر بالشكر للوالدين في قوله جل ثناؤه ( أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ )
وقد أمر عزوجل نبيه صلىاللهعليهوآله بقوله ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ )
( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ )
وفي أمره بأمرهم بذلك على الخصوص نظراً الى أن الاهل أحق بالشفقة ايماء الى المطلوب.
والسر في البدأة في بعض هذه الايات بذكر الوالدين : أن حق ذوي القربى كالتابع لحقهما ، لتفرع اتصالهم عليهما. ضرورة ان الانسان انما يتصل به اقرباؤه بواسطة اتصالهما.
وكذا السر في تقديم ذكرهم : انهم أولى بالشفقة ، فان القرابة مظنة الاتحاد والالفة والرعاية والنصرة ، فلو لم يحصل شيء من ذلك لكان أشق على القلب وأبلغ في الايلام. والضرر كلما كان أقوى كان دفعه أوجب ، فلهذا وجبت رعاية حقوق أولي الارحام.
وأما الاخبار الناطقة بذلك :
فمنها ما رواه الثقة الجليل محمد بن يعقوب الكليني في الكافي باسناده عن جميل بن دراج قال : سألت ابا عبدالله عليهالسلام عن قول الله عزوجل ( وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّbاللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ) قال : فقال هي ارحام الناس ، ان الله عزوجل أمر بصلتها وعظمها ، ألا ترى انه جعلها منه.
قلت : اراد عليهالسلام بالامر بصلتها الامر على سبيل الوجوب ، ويلزم منه أن يكون المعنى اتقوا الارحام أن تقطعوها ، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد والضحاك ، وهو المروي عن ابي جعفر عليهالسلام. فعلى هذا يكون « الأرحام » منصوباً عطفاً على اسم الله.
وآخر الاية يجري مجرى الوعد والوعيد والترهيب والترغيب فان الرقيب هو المراقب الذي يحفظ جميع الافعال ، ومن هذه صفته يجب أن يخاف ويرجى.
وروى أيضاً الثقة المذكور باسناده عن ابن أبي عمير عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : ( الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) نزلت في رحم آل محمّد عليه و عليهمالسلام ، وقد تكون في قرابتك. ثم قال : ولا تكونن ممن يقول للشيء انه في شيء واحد.
قلت : لعله عليهالسلام يشير بذلك الى أنه لا عبرة بخصوص سبب النزول ، وانما العبرة بعموم اللفظ ، وحينئذ لا يبعد الاستدلال بذلك على الترغيب في صلة مطلق القرابة حتى النائية بسبب الايمان.
وروى أيضاً باسناده عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليهالسلام مثله.
وباسناده عن محمّد بن فضيل الصيرفي عن الرضا عليهالسلام مثله أيضاً.
وباسناده عن حنان بن سدير عن أبيه عن ابي جعفر عليهالسلام قال : قال ابوذر رحمه الله : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : حافتا الصراط يوم القيامة الرحم والامانة ، فاذا مر الوصول للرحم المؤدي للامانة نفذ الى الجنة ، واذا مر الخائن للامانة القطوع للرحم لم ينفعه معهما عمل ويكبونه في النار وباسناده عن يونس بن عمار قال : قال ابوعبد الله عليهالسلام : أول ناطق من الجوارح يوم القيامة الرحم ، تقول : يا رب من وصلني في الدنيا فصل اليوم ما بينك وبينه ، ومن قطعني في الدنيا فاقطع اليوم ما بينك وبينه.
وروى ابو علي الفضل بن الحسن الطبرسي في مجمع البيان باسناده عن النبي صلىاللهعليهوآله قال : قال الله تعالى : أنا الرحمن ، خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي ، فمن وصلها وصلته ومن قطعها بتته.
قال : وفي أمثال هذا الخبر كثرة.
قلت : أراد بذلك أنه بمنزلة التواتر معنى.
وباسناده عن الاصبغ بن نباتة عن امير المؤمنين عليهالسلام قال : ان احدكم ليغضب فما يرضى حتى يدخل به النار ، فأيما رجل غضب على رحمه فليمسنه ، فان الرحم اذا مستها الرحم استقرت ، وانها معلقة بالعرش تنادي : اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني.
قلت : لا ينافي ذلك مارواه الصدوق في عيون اخبار الرضا عن ابيه موسى عليهماالسلام قال : أخبرني أبي عن آبائه عن جدي عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : الرحم اذا مستها الرحم تحركت واضطربت.
وذلك لان استقرارها من الغضب وزوال سورته عنها انما هو تحرك الدم واضطراب العروق الناشئين من المس المثمرين للرقة.
وروى الشيخ ابو جعفر محمد بن الحسن الطوسي في التهذيب عن السكوني ، ورواه ايضاً الصدوق في من لا يحضره الفقيه باسناده قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الصدقة بعشرة ، والقرض بثمانية عشر ، وصلة الاخوان بعشرين ، وصلة الرحم بأربعة وعشرين.
وباسناده عن عبدالله بن عجلان قال : قال لابي جعفر عليهالسلام : اني ربما قسمت الشيء بين أصحابي أصلهم به فكيف أعطيهم ؟ قال : اعطهم على الهجر في الدين والفقه والعلم.
ولا خلاف وفي جواز الوصية للرحم ، لما فيه من الجمع بين الصدقة والصلة ، بل قد ورد النص بجواز الوصية له وان كان كافراً وهو الذي نقله الطبرسي في مجمع البيان عن كثير من العلماء.
ونقل عن اصحابنا أنها جائزة للوالدين والولد ، وحجتهم في جوازها للوالدين ما تقدم من الايات الدال بعضها على ذلك بالنص الصريح ، ولهذا يجب أن يخص بها مجموع ما سيأتي من الادلة الدالة على المنع من صلة كل عدو لله سبحانه بسبب استثناء هذا الفرد منه.
وقد أجمعوا على استحباب اختصاص الرحم بالصدقة الواجبة مع وجود الصفات المقتضية للاستحقاق ، لقوله عليهالسلام : لا صدقة وذو رحم محتاج.
ولان الاعتناء به في نظر الشارع أتم من غيره ، ولهذا ورثه وكتب له الوصية عند حضور الموت بتوفير نصيبه في قوله ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ) ، لما فيها من زيادة الصلة.
وامر الولد الاكبر بوجوب التحمل عن أبيه ما فاته من صلاة وصيام تمكن منه ومات قبل أدائه ، واستحباب الحج عنه مع المكنة.
ونهى عن الرجوع فيما وهبه لقريبه ولو بدون التصرف والتعويض ، فكان الدفع اليه أولى ، وهو المروي عن الكاظم عليهالسلام.
وكذا صدقة التطوع مستحب له ، لقوله تعالى ( يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ )
وقال عليهالسلام : الصدقة على المسكين صدقة ، وهي على ذي الرحم صدقة وصلة.
التعلیقات