لبس السواد في العزاء
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 6 سنواتإن السواد أغمض الألوان، والنظر اليه يولد في النفس كآبة وانقباضاً، فهو بطبيعته رمز الحزن؛ فلذلك اعتاد المفجعون لمصيبة مهما كان شكلها أن يلبسوا السواد، إشعاراً بأنهم محزونون، وهذه عادة كانت في الإسلام، وبقيت بعده، ولم تختص بالمسلمين، بل
جرت في غيرهم كالفرس والروم والروس والألمان يسودون رؤس أعلامهم، إذا نكبوا بكارثه زلزال أو غرق سفينة، أو خسارة معركة، والناس يحملون الأشرطة السوداء في موت قريب أو صديق.
وقد ورثت الشيعة عن أسلافهم ظاهرة لبس السواد، وتوشيح الجدران، ورفع الأعلام تعبيراً عن تفجعهم بفاجعة الطف، وأصبح شعاراً لهم يعرفون به.
وقد روي عنهم عليهم السلام: (رحم الله من أحيا أمرنا)،(1) فإذا ارتدى عامّة الناس من الرجال والشباب والأطفال الثياب السود، كان ذلك ظاهرة اجتماعية تلفت نظر الغريب، فيسأل: ماذا حدث؟ بالأمس كان الأمر طبيعياً، وكانت ألوان ثياب الناس مختلفة، وأمّا اليوم فقد لبسوا كلّهم السواد؟!
فعندما يوضّح له بأنّ اليوم يوم حزن ومصيبة على ريحانة الرسول صلّى الله عليه وآله الإمام الحسين عليه السلام، كان هذا الأمر في حدّ نفسه إحياء لأمره عليه السلام، ولهذا اشتهر أنّ بقاء الإسلام بشهري محرّم وصفر؛ وذلك لأنّ حقيقة الإسلام والإيمان قد أُحييتا بواقعة كربلاء، وهذا دليل لا بدّ من المحافظة عليه، لتراه الأجيال القادمة أمام عيونها، فيحصل لهم اليقين به، فإنّ الإمام الحسين عليه السلام نفسه قد أثبت أحقّية التشيّع، وأبطل ما عداه.
عن عمرو بن علي بن الحسين قال: (لما قتل الحسين بن عليّ عليه السلام لبس نساء بني هاشم السواد والمسوح وكن لا يشتكين من حرّ ولا برد، وكان علي بن الحسين عليه السلام يعمل لهنّ الطعام للمأتم).(2) وهذه الرواية إضافة إلى دلالتها على مشروعية لبس السواد، بل استحبابه في عاشوراء، تدلّ على أُمور أُخرى، منها: استحباب إقامة المأتم، والإطعام، والقيام بخدمة مقيمي مأتم عزاء الإمام الحسين عليه السلام، حيث كان الإمام السجّاد عليه السلام نفسه يقوم بهذه الخدمة، وكفى بذلك مقاماً لمقيمي المآتم.
وفي الفتاوى نرى إنّ من الثابت استحباب مواساة أهل البيت عليهم السلام مطلقاً، بحزنهم وفرحهم؛ لعموم ما دلّ على ذلك، ولاستحباب التأسّي بهم، فقد جاء في الروايات ما دلّ بالخصوص على ذلك في شهر محرّم..
فقد ورد أنّ أيام محرم كانت أيام حزن لبعض الأئمّة عليهم السلام، فيقيمون العزاء والمصاب على الحسين (ع)، ويدعون الشعراء أن ينشدوا الأشعار والمراثي فيه (ع)، وعلينا أيضا أن نقتدي بهم ونتأسى بسيرتهم.
ــــ
1ـ بحار الأنوار: ج44، ص 282.
2ـ وسائل الشيعة: ج3، ص 238.
التعلیقات