مدينة قم المقدسة تستقبل سيدتها
زهراء الكواظمة
منذ 3 سنوات- هجرة تكسر كل معادلات الماضي والأفكار الجاهلية
- ولادة السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام
- بنات الإمام الجواد عليه السلام في قم المقدسة
قال الإمام الصادق عليه السلام ذلك، ولم تحمل والدة الإمام الكاظم عليه السلام به.
لقد بشّر الإمام الصادق عليه السلام بالخير والبركة لشيعته بقدوم فاطمة المعصومة عليها السلام قبل ولادة والدها، وهذا يدل على عظمتها وعظيم مقامها، حيث يخبر الإمام عنها.
ولدت السيّدة المعصومة في عهد هارون الرشيد العبّاسيّ، ففتحت عينيها منذ صغرها على وضع سلطوي إرهابيّ، فلقد قامت أركان الدولة العبّاسيّة على أنقاض الدولة الأمويّة، وتستّر العبّاسيّون وراء شعار رفعوه في بداية أمرهم هو «الرضا من آل محمّد»؛ ليوهموا طائفة من المسلمين الموالين لأهل البيت عليهم السّلام، لكنّهم ما إن تسنّموا سدة الحكم، واستتبّت لهم الأمور حتّى قلبوا لأهل البيت ظهر المجنّ، وامتدّت أيديهم بالقتل والبطش والقمع لكلّ من يمتّ لهذه الدوحة العلويّة الشريفة بصلة، فلاحقوا أئمّة أهل البيت عليهم السّلام، وقتلوهم، وسجنوهم.
اغتيال الإمام الكاظم عليه السّلام
لمّا دخل هارون المدينة زار النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال: السّلام عليك يا رسول الله، السّلام عليك يا ابن عمّ ـ مفتخراً بذلك على غيره ـ فتقدّم أبو الحسن (الكاظم) عليه السّلام، وقال: السّلام يا رسول الله، السّلام عليك يا أبه! فتغيّر وجه الرشيد، وتبيّن فيه الغضب.
ونقل المؤرّخون أنّ الرشيد سجن الإمام الكاظم عليه السلام، وقيّده، ثمّ استدعى قُبّتَين، فجعله في إحداهما، وأرسل إحدى القُبّتَين على طريق الكوفة، والأخرى ـ وفيها الإمام ـ على طريق البصرة؛ ليعمّي على الناس خَبَره، فسّلمه إلى عيسى بن جعفر بن المنصور، وكتب إليه في اغتياله، فاستعفى عيسى منه، فوجّه الرشيد مَن تسلّمه منه بعد سنة، وصيّره إلى بغداد، فسلّمه إلى الفضل بن الربيع. ثمّ أراد الرشيدُ الفضلَ على شيء من أمر الكاظم عليه السّلام فأبى، فأمر بتسليمه إلى الفضل بن يحيى، ثمّ إلى السِّنديّ بن شاهك، حتّى سمّه في طعام قدّمه إليه.
عهد المأمون العبّاسيّ
ثمّ عاصرت السيّدة المعصومة بعضاً من عهد المأمون العبّاسيّ الذي عُرف بالدهاء؛ وكان قد خطّط لإخماد ثورات الطالبيين بالحيلة والمكر، فتوسّل من جديد بشعار (الرضا من آل محمّد عليهم السّلام)، إلاّ أنّه قدّمه في صيغة جديدة هي إسناده ولاية العهد إلى الإمام الرضا عليه السّلام، وهو الذي أقرّ له المخالف والمؤالف بالفضل والعلم والتقدّم، فاستدعاه من المدينة المرّة تلو الاُخرى، حتّى وجّه إليه مَن حمله وجماعة من آل أبي طالب من المدينة إلى خراسان، ثمّ بعث إليه الفضلَ بنَ سهل وأخاه الحسن؛ ليعرضا عليه تقلّد ولاية العهد فأبى، فلم يزالا به وهو يأبى، إلى أن قال له أحدهما: والله، أمرَني (المأمون) بضرب عُنقك إذا خالفتَ ما يريد.
وروى بإسناده عن الحسن بن علي الوشاء قال: «قال لي الرضا عليه السلام: إني حيث أرادوا الخروج بي من المدينة جمعت عيالي، فأمرتهم أن يبكوا عليّ حتى أسمع، ثم فرقت فيهم اثني عشر ألف دينار، ثم قلت: أما إني لا أرجع إلى عيالي أبداً».(2)
خروج السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام من المدينة
فكانت السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام تعلم بعدم رجوع أخيها وإمامها إلى المدينة مرة أخرى، فاشتاقت إليه، فخرجت بموكب من بني هاشم شوقا وطلبا لرؤية إمامهم عليه السلام.
كيف وصل ركب فاطمة المعصومة عليها السلام إلى مدينة قم؟
إن هذه الهجرة كانت لفتاة البالغة برفقة رجال ونساء عائلتها، والتي تتم بإدارتها، تعطي مكانة من الثقة بالنفس والاستقلالية للمرأة.
عندما وصلوا إلى مدينة ساوة الإيرانية تعرضت القافلة لهجوم، فقتل على أثره إخوتها وأبناء إخوتها، فمرضت السيدة فاطمة عليها السلام بعد مشاهدتها لهذه المناظر المأساوية والجثث المضرجة بدمائها، فأمرت خادمها بالتوجه بها إلى أرض قم.(3)
وفي اليوم 23 من شهر ربيع الأول سنة 201 للهجرة وصلت السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام إلى مدينة قم، وبحلولها في مدينة قم بوركت هذه المدينة، ونزلت دار موسى بن خزرج بن سعد الأشعري -رحمه الله- بدعوة منه وهو من أعيان قم، وزارتها في داره نساء قم عامة والعلويات خاصة، وانتفعن منها حتى وفاتها بعد 17 يوماً، وعُرف مكان عبادتها بـ (الستّية) في ميدان مير المعروف بقم.(4)
فضل مدينة قم المقدسة
وفي فضل مدينة قم وردت أخبار كثيرة كلها تشير بأن هذه البقعة تصبح مباركة؛ وذلك ببركة فاطمة المعصومة عليها السلام، وما تمضي الليالي والأيام حتى تكون مقرّاً وملاذاً للشيعة وللحوزات العلمية،
فهناك مرقد مهوى الأفئدة، ومأوى للمؤمنين يقع في مدينة قم المقدسة، وفي كل يوم من قبل طلوع الفجر وإلى ما بعد منتصف الليل الناس في حركة دائبة مستمرة، يغدون، ويروحون بين متعبّد، وزائر، ومصلٍّ، وقارئ للقرآن، وطالب علم. ويضمّ الحرم عدداً كبيراً من قبور العلماء والأولياء والصّالحين، دفن أصحابها بجوار السيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، كما دفن في داخل الحرم عدد من العلويات وغيرهن، وكانت قبورهنّ متميزة تحت قبّتين، وأمّا اليوم فيضمهنّ ضريح واحد تحت قبّة واحدة، ولا يتميز من تلك القبور إلاّ مرقد السيدة فاطمة المعصومة عليه السلام، وقد وضع عليه صندوق خشبي ويكون عليه ضريح قد صُنع من الفضة والذهب.
1ـ بحار الأنوار: ج 48، 317.
2ـ عيون أخبار الرضا: ج2 ص217.
3ـ ناصر الشريعة: تاريخ قم، ص 163.
4ـ بحار الأنوار: ج 48، ص 290.
التعلیقات