ثقافتك وأثرها في تربية أولادك
تربية طفلك
منذ 16 سنةإن الثقافة قوة أخلاقية، لا علمية وحسب، وإنا لننتفع بها كقوة أخلاقية كلما بدأنا بها مبكرين، أي إذا ملأنا وعي لاطفل بروح الثقافة وروح المعرفة، وذلك يقتضي أن نتوخى مناهج للتربية تعتمد السبل الآتية:
ـ أن يدرك الطفل أننا لا نعلّمه، وإنما نقدم إليه خبرتنا.
ـ وأننا لا نتحكم فيه بل نشير عليه.ـ أن يدرك الطفل أننا لا نعلّمه، وإنما نقدم إليه خبرتنا.
ـ وأنه إذا كانت لنا عليه حقوق، فهي ليست على حريته، بل على علاقاتنا المشتركة لا غير.
ـ وأننا نعاونه لكي يصير ((إنساناً)) لا مجرد فرد، لكي تتجلى الشخصية الإنسانية فيه، بكل نبوغها واستقامتها وتفوقها تجلياً كاملاً.
ـ وعلينا أن ننمي حاسة الجمال في نفسه، فبقدر ما تكون حاسة الجمال نامية ونابضة، يكون ميله للعظمة، وعزوفه عن الإسفاف. وعندئذ لا نرى الكذب دبلوماسية، ولا الكبر اعتداداً، ولا السرقة ربحاً، ولا اللؤم براعة، ولا الأنانية تسامياً، ولا نرى الحب مجرد نزوة، ولا المرأة خليلة.
ـ وينبغي أن نجنبه الحظر والنهي ما استطعنا. إن كلمة ((لا تفعل)) تهبُ الطفل نشاطاً سلبياً، ولكن ((إفعل)) تروضه على النشاط الإيجابي الفعال .. فبدلاً من أن نقول له: لا تكذب، لنقل له: قل الصدق. أجل، لنجعل أساس ثقافتنا الأخلاقية ((إفعل)) بدلاً من ((لا تفعل)) ولنحذر أن نقولها جافة غليظة .. بل لتكن: ((من الخير أن تفعل)) ..
وهكذا نهب أطفالنا أسمى الفضائل وأعظم الأخلاق.
زار الإسكندر، ذات يوم، الفيلسوف ((ديوجينز)) وسأله في تواضع وأدب: أليس لسيدي الفيلسوف ما يأمر به، فيكون لي شرف تنفيذه. فأجابه الفيلسوف الزاهد الكبير:ـ نعم، لي حاجة واحد، أن تتنحى بعيداً، حتى لا تحجب عني ضوء الشمس.لم تكن شخصية ((المفكر)) تختفي، لتأخذ مكانها شخصية ((الوصولي)) بل كان جلال الموهبة يملأ نفوس المفكرين فلا يسعون للملوك والسلاطين، بل هم الذين كانوا يسعون إليهم..
فالثقافة إذن، لكي تؤدي وظيفتها، يجب أن تتحرر من كل تبعية للتقاليد، وهي بتحررها لن تطغى على التقاليد القائمة .. فبين الثقافة والتقاليد روابط تاريخية، تجعل كلاً منهما يعطي الآخر ويأخذ منه. وإنا لنعلم أن شر ألوان الاسبتداد هو ((استبداد الكلمة)).إن الثقافة من عمل الإنسان .. ولابد لها من مجاوزة التقليد إلى الابتكار،
والمحلية إلى الشمول، فذلك من صميم طبيعتها، وحيث يوجد ((إنسان)) فَثمّ وطنها، فليس لها وطن خاص ولا جنسية خاصة.
إن الجهل بعالمية الثقافة يحمل على التعصب الذميم والخوف الأهوج. والتعصب لثقافة ما، والخوف من ثقافة أخرى.
فالثقافة ليست معرفة فحسب، بل هي كذلك نفوذ، ونفوذنا يتسع بقدر ما يكون معنا من ثقافة. والثقافة تحرير لا استعباد.وواجبنا نحن بني الإنسان في كل زمان ومكان، أن نتعلم من جميع المعلمين دون أن نفقد في غمار عظمتهم استقلالنا الفكري، ودون أن نتحول إلى إمعات تائهة. أو على حد تعبير ((إمَرسون)): ((اشكروا الله على هؤلاء الرجال الأخيار، ولكن، ليقل كل منكم: أنا كذلك إنسان)).
ومَن ذا الذي أوتي الحكمة كلها غير الأنبياء والمرسلين؟ لا أحد .. والذي يظن أنه وعى الحقيقة كلها فهو جاهل كبير. ولقد عبر عن هذا المعنى تعبيراً سديداً، العالم الرياضي الكبير لا جرانج، حين جعل شعاره: ((لا أعرف)).
وأيضاً عبر عنه العالم الرياضي ((ليبنتز)) حين قال: ((لدي الكثير من الآراء التي ربما تكون ذات فائدة يوماً ما، عندما يقيض الله لها آخرين ممن هم أذكى مني، فيفحصونها فحصاً عميقاً، ويصلون جمال عقولهم بمجهودات عقلي)). كذلك عبر عنه ((نيوتن)) في قوله المأثور: ((إذا كنت قد رأيت أبعد قليلاً مما رآه الآخرون) فما لهذا من سبب إلا أنني كنت أقف على أكتافهم)). إضافة إلى قوله الحكيم الذي تتجلى فيه عظمة التواضع وروح المعرفة: ((لا أدري كيف ينظر إلي العالم، ولكني أتراءى لنفسي كما لو كنت غلاماً يلهو على شاطئ البحر، وأسلي نفسي بين الحين والحين بالعثور على حصاة أكثر ملاسة، أو صدفة أكثر جمالاً، بينما محيط الحقيقة العظيم يمتد أمامي، دون أن أعرف عنه شيئاً)).
التعلیقات