المشورة مع الأهل
الشيخ محمّد جواد المروّجي الطبسي
منذ 11 سنةإنّ من أحسن الصفات الإنسانيّة وأعلى مراتب الكمالات الأخلاقية في الإنسان هو الإهتمام بأمر الشور والإستشارة وضمّ آراء الآخرين إلى رأيه والعمل بأحسنه وأفضله ، كما بيّنا ذلك في فضل الإستشارة قبل الزّواج ، وما ورد من إهتمام النبي صلىاللهعليهوآله والعترة عليهمالسلام بهذا الأمر.
وأما المشورة بالنّسبة إلى الزّوجين فيما بعد الزّواج وفي نطاق الحياة الزوجيّة فأيضاً أمر مشروع وممدوح وقد مدح الله المؤمنين في كتابه العزيز ، بتمشية أمورهم عن طريق الشورى بينهم ، فقال في كتابه : وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ
.قال الفيض الكاشاني في ذيل هذه الآية الشريفة : ولا ينفردون برأي حتى يتشاوروا ويجتمعوا عليه وذلك من فرط تيقّظهم في الأمور.
ثم إنّه جل وعلا طلب من نبيّه بالشور مع أصحابه بقوله : وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ. فقال الطّبرسي في ذيل هذه الآية : وفي هذه الآية ترغيب للمؤمنين في العفو عن المسىء وحثّهم على الإستغفار لمن يذنب منهم وعلى مشاورة بعضهم بعضاً فيما يعرض لهم من الأمور.
معالجة الروايات الناهية
فما جاء في بعض الروايات عن الصادق عليهالسلام من انّه قال : إياكم ومشاورة النساء ، ٤ أو فشاوروهن وخالفوهن ، ٥ فبعد الفراغ عن صحة إسناد هذه الروايات ، يحتمل أن يقال : إنّه نهى النبي صلىاللهعليهوآله أن يشاورْن في مهامّ الأمور كالحرب مع الأعداء والدفاع عن الدين والكرامة الإنسانية فلا شك بما أنهنّ إمرأة والذى يغلب على المرأة هو الإحساس والعاطفة ، ربما منعت الزوج من الإقدام على أمر الجهاد والدفاع خوفاً عليه من القتل والأسر وغير ذلك.
فيمكن حمل هذه الروايات على هذا النوع من المشاورة معهنّ ، كما نقل عن النبي صلىاللهعليهوآله من أنه إذا أراد الحرب دعا نساءه فاستشارهن ثم خالفهن.
وثانياً : انه كما ورد ، ان النبي صلىاللهعليهوآله إستشار نساءه في أمر الحرب ، فخالفهن لا مطلق المشاورة. فيحكم بعدم الأخذ بقولهن في أمر الجهاد فقط إن وقع الشّور معهنّ.
وثالثاً : إنه شاور نساءه لا مطلق النساء ، فمن المحتمل إن شاور غير نساءه وأبدين نظرهنّ وكان مطابقاً لمصلحة الإسلام لم يخالفهن.
ورابعاً : من المحتمل وقع خلط والتباس بين روايات المشورة والإطاعة ، فشّدد بعض الأمر على عدم المشورة معهنّ في حين أنه وقع التأكيد من النبي والعترة على عدم طاعة الرجل من المرأة لأن في طاعتهن ندامة كما ورد الحديث بذلك عن النبي صلىاللهعليهوآله : طاعة المرأة ندامة.
والسبب في ذلك لأنه يؤدّي في النهاية إلى تلبية الطّلبات المحرّمة إن سلب الإختيار عنه.
كما قال النبي لعلي : يا علي من أطاع إمرأته أكبّه الله على وجهه في النار.
وقال : يا علي من أطاع إمرأته في أربعة أشياء أكبه الله على منخرية في النار.
قيل : وما هي.
قال : في الثياب الرقاق ، والحمامات والعرائس والنائحات.
إذاً فالمنهي عنه هو الإطاعة لا المشورة بقصد الإطلاع على آراء الاخرين والعمل بأحسنه. فإنه لا مانع فيه.
١. الأمر بالمشورة لفصال الولد
ويدّل على ما نقول ، أمر الله تبارك وتعالى الأزواج بالمشورة فيما بينهم إذا أرادا فصال الولد عن الرضاعة حفظاً على سلامة الولد.
فقال في سورة البقرة : فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا. فقال المفسرون ومنهم الطبرسي في ذيل هذه الاية : عن تراض منهما ، أي من الأب والام وتشاور يعني اتفاق ومشاورة وإنما بشرط تراضيهما وتشاورهما مصلحة للولد ، لأن الوالدة تعلم من تربية الصبي ما لا يعلمه الوالد ، فلو لم يتفكروا ويتشاورا في ذلك أدي الى ضرر الصبي.
٢. المشورة مع الأم في زواج البنت
والمورد الثاني الذي ورد في الروايات والأحاديث الإسلامية على حث الشور والإستشارة بين الزّوج والزّوجة ، هو ما ورد في زواج البنت. فقال النبي صلىاللهعليهوآله : إئتمروا النساء في بناتهنّ
فلو كانت مطلق المشاورة معهن أمر منهي فلماذا أمر النبي صلىاللهعليهوآله بالشّور معهنّ.
وهنا موارد أخر تبيّن شرعية الشّور مع النساء كقول صلىاللهعليهوآله : إذا أراد أحدكم أن يزوّج ابنته فليستأمرها.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يستشير الزهراء فاطمة عليهاالسلام في أمر زواجها. وغير ذلك.
فتلخّص من جميع ذلك أن الله جلّ وعلا رغّب المؤمنين وحثّهم على المشورة فيما بينهم ولا شك أن من جملة من يشملهم هذا الحثّ والترغيب الزّوج والزّوجة ، فعليهما أن يشاورا في الأمور ولاحرج في ذلك.
خصوصاً اذا كانت المرأة ممّن جرّبت بكمال العقل كما أرشدنا الإمام بذلك قائلاً : إيّاك ومشاورة النساء إلاّ من جرّبت بكمال عقل.
نعم ! لا يجوز للزّوج أن يطيع زوجته عملاً بمفاد روايات كثير تدلّ على ذلك.
التعلیقات