كيف يكتسب الطفل لغته الأم ويمسك بناصيتها؟
موقع المنال
منذ 10 سنواتلابد لنا ونحن نبحث عن مسألة اكتساب الطفل للغته الأصلية من أن نجدد الرمزين الأساسيين وهما
الطفل أولاً وبيئته ثانياً لأننا بدون هذا التخصيص لا يمكن لنا أن نوضح أو نستوضح شيئاً من المسألة حيث يتميز الطفل المولود حديثاً بعدم النضج والقدرة على التكيف حتى يصير فيما بعد كائناً اجتماعياً عبر تقليده للآخرين واظهار حاجاته للعب والإثارة والدافعية ولا سيما في تطوير أصواته ولغته وحيث تلعب الأسرة والبيئة المحيطة دوراً مركزياً في استحسان أصوات الطفل وتحفيزها حتي تخطو أصواته عبر مراحل تطور اللغة إلى درجة الإرسال والاستقبال والتواصل مع الآخرين.
وبالتأكيد فإن الطفل إن لم يتواصل مع الآخرين أو يكون هناك فقر في بيئته الثقافية والاجتماعية، فإن لغته وثقافته ستكون ضعيفة ويتعرض لاضطرابات سلوكية متعددة.
ونحن إذ نؤكد على دور الأسرة الكبير في التربية اللغوية، لا يعني أننا نريد من الطفل أن يكتسب نفس لغة الكبار والبالغين لأن لغة الأطفال لها خصوصيتها وقوانينها النفسية والتربوية الخاصة، وهي تتشكل من تركيبات تدريجية لوسائل الاتصالات المادية والحاجات الأساسية التي تهم الأطفال وتتفق مع ميولهم ودوافعهم.
وهذا ما يفسر القواعد والقوانين الخلاقة التي يكتسب الطفل بواسطتها اللغة وسرعة هذا الاكتساب عبر هذه القدرة الفطرية التي يتمتع بها حيث أننا نسمع من الطفل كثيراً من الألفاظ والمنطوقات التي لم يسبق أن تعلمها أو سمعها فهو يملك القدرة على الحذف والتركيب واحداث الصياغات اللغوية الجديدة، وكذلك الحال فإن هذه القواعد التي تسير عليها لغة الأطفال تختلف عن قواعد النحو والصرف التي تسير عبرها لغة البالغين وهي تعتبر لغة مشروعة لكل مرحلة من مراحل النمو التي يمر بها الطفل وإن لم تعد مقبولة مثلاً في مرحلة لاحقة، فالطفل في عامه الأول ومقتبل الثاني قد يقول إذا كان ظمآناً «مبومبو»، وإذا كان يريد النوم «او او» ولكن هذا غير مقبول من ابن الثالثة والرابعة وإذا استمر ابن الرابعة في حديثه يمثل هذه الألفاظ الطفلية فإن هذا يعتبر اضطراباً وفقراً وتأخراً في نموه اللغوي وهكذا نرى أن اللغة تنمو وتتطور مع تطور الطفل الزمني والجسمي والمعرفي، ويتحول بواسطتها إلى كائن اجتماعي، أي أنها تصبح واسطة أساسية لاندماجه الاجتماعي وانصهاره في بوتقة المجتمع. ويتعرف بواسطتها إلى مفهوم المكان وكل ما هو موجود أو غير موجود في الحقل البصري، وإلى مفهوم الزمان أي إلى ما كان وما سيكون مستقبلاً وتلعب دوراً حاسماً في تطوير قدرته على التجريد ونحن إذا أردنا أن نفهم منطوقات الأطفال فلابد من العودة إلى الأوضاع الحسية الملموسة التي تتشكل بها هذه المنطوقات أي من خلال الوضع والحدث الذي تشترك فيه حواسه السمعية والبصرية والحسية في امتلاك الألفاظ والمفردات الدالة على الحدث العيني الملموس حيث ينتقل بعدها الطفل وعبر التجريد والتعميم إلى إحداث أخرى أبعد من الزمان والمكان ولكن وحدات اللغة التي تحمل معاني بذاتها تتجسد في لغة الطفل عبر منطوقات لها علاقة وثيقة بالمعطيات الوضعية، فالمفردات بالبداية خاصة لا تحمل معنى معيناً إلا عبر ارتباطها بالمعطيات الوضعية وعبر وضع محدد وملموس ويجب أن نقر أن هذا التطور هو من خلال مجمل العلاقات التي يقيمها الطفل مع عالمه.
وإذا كان للتقليد دور مهم في اكتساب اللغة لكنه ليس العامل الوحيد، لأن الطفل لا يقلد إلا ما يتناسب معه ويلبي حاجاته. ونجد أن التعميم التشابهي هو أداة أكثر فعالية للتعامل مع اللغة وخاصة من ناحية تركيب مفردات جديدة وبنى تركيبية جديدة فعندما يتعلم كلمة (أكبر) فإنه يعمم هذا ليتعلم بنفسه كلمة (أجمل) و(أحسن) و(أصغر) وهذا الدافع الفطري والقدرة الفطرية هي التي تمكن الطفل من إحداث تركيبة جديدة وجمل جديدة بحسب رأي عالم اللغة بتشومسكي.
وهذا ما يبين لنا أن المراحل التي يمر بها تطور اللغة لا تسير بصورة آلية وميكانيكية بل عبر علاقات جدلية مع الواقع العيني والمعرفي وحسب سرعات متفاوتة، وحسب الفروق الفردية بين الأطفال وهكذا حتى يصل الطفل إلى مرحلة الصياغة النحوية والصرفية لجمله وكلامه. ولا يكون هذا إلا في مرحلة متأخرة وإن تكن السيطرة على النظام الصرفي والصوتي لا تتم إلا في مراحل متقدمة إلا أن هذا لا يمنع من قيام شبكة من الاتصالات اللغوية مع الطفل وخاصة عبر النطق والكلام باعتباره اللغة الأكثر تجريداً وأهمية ولابد أولاً وأخيراً من وضع الطفل ومن خلال الأسرة والمدرسة فيما يشبه (الحمام اللغوي) إن صح التعبير، ومن خلال الأوضاع المعاشة والعلاقات العاطفية بغية إثراء لغة الطفل وتحقيق تقدمه وتطوره اللغوي ومساعدته على إيجاد البنى اللغوية المتطورة التي تؤهله للامساك بناصية اللغة وخاصة لغته القومية الأم التي تؤهله ليكون كائناً اجتماعياً فاعلاً ومشاركاً في تطوير نفسه ومجتمعه.
التعلیقات