الأطفال ودائع الله هدايةً ورعاية (٢)
موقع سبطين
منذ 10 سنوات
يقول الإمام علي (ع) لولده الحسن (ع) : " ولا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً " بهذه الجملة القصيرة
يزرع الأب العظيم أعظم ثروة للشخصية في نفس ولده ، ويعوده على الحرية الفكرية .
وبالنسبة إلى تعلم الأطفال قال (ع) : " من لم يتعلم في الصغر لم يتقدم في الكبر "
إن المربي القدير هو الذي يستفيد من غريزة حب الكمال والتعالي عند الطفل ويقيم قسماً كبيراً من أساليبه التربوية على هذا الأساس .
إن للأسرة التي ينشأ فيها الطفل دوراً هاماً في تربيته ، حيث يعتبر محيط الأسرة مدرسة تستطيع أن تنمي المواهب الكامنة في نفس الطفل وتعلمه دروساً في القيم الإنسانية العليا .
وقد كان الإمام علي (ع) إنساناً كاملاً وشخصية مثالية في العالم كله ، فلقد ظهرت جميع الصفات الإنسانية والأخلاق الفاضلة على أكمل وجه في هذا الرجل الرائع .
وصاحب هذه الشخصية الكبيرة ، نجده يفخر بكل صراحة بالتربية التي تلقاها في أيام طفولته ويتحدث لنا عن الثروة المعنوية الضخمة التي حصل عليها في تلك المرحلة من حياته الشريفة ، ويتباهى بمربيه العظيم نبي الإسلام (ص) فيقول : " وقد علمتم موضعي من رسول الله (ص) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وأنا وليد يضمني إلى صدره ويكنفني في فراشه ، ويمسني جسده ويشمني عرفه .. " .
ويتابع (ع) فيقول : " يرفع لي في كل يوم علماً من أخلاقه ويأمرني بالإقتداء به "
لقد تشبعت جميع الميول العقلية والعاطفية للإمام علي (ع) في فترة الطفولة في حجر النبي الحنون (ص) ، فلقد أروى عواطفه بالمقدار الكافي من ينبوع محبته وعطفه من جهة ، ولقد أعطاه دروساً في الأخلاق وأمره باتباعها من جهة أخرى .
إن الأساليب التربوية العميقة الحكيمة التي اتخذها الرسول الأعظم (ص) مع علي (ع) قد أحيت جميع مواهبه الكامنة وأوصلته في مدة قصيرة إلى أعلى مدارج الكمال ، فلقد تقبل الإسلام في العاشرة من عمره عن وعي وإدراك ، وعمل على نشر تعاليمه متبعاً في ذلك سيرة النبي ، ولم ينحرف عن الصراط المستقيم قدر شعره إلى آخر حياته .
إن الميزة التي تضفي أهمية كبرى على قيمة الأسرة هي إحياء الخصائص الفردية لدى الطفل ، فالأفراد ليسوا متفاوتين فيما بينهم من ناحية المنظر والبناء الخارجي فقط ، بل يختلفون من حيث معنوياتهم ونفسياتهم أيضاً ، وهذا الإختلاف نفسه أحد مظاهر القدرة الإلهية { ما لكم لا ترجون لله وقاراً * وقد خلقكم أطواراً } [ المنافقون /8]
عن رسول الله (ص) : " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " ، لذا نجد أن بعض الأطفال يولدون مع صفات وخصائص معينة لا توجد عند الأطفال الإعتياديين ، فربما يوجد العقل والإدراك والذكاء والفطنة والحافظة وسرعة الإنتقال والشهامة والسيطرة على النفس وغير ذلك في بعض الأفراد بصورة أكثر من المعتاد ..
إن تربية الطفل يجب أن تستند إلى الإدراكات الطبيعية والميول الفطرية للإنسان ، فأساليب التربية التي تبنى على هذا الأساس تكون هي الصحيحة ، و هي الطريق الواقعي لسعادة الإنسان ..
لذا فما هو الأساس الأهم للتربية ؟ ..
إن الأساس الأول الذي يجب تعليمه للطفل في سبيل التربية الصحيحة إشعاره بوجود الله ، والإيمان به بلسان بسيط ميسر الفهم ..
فالحاجة للإيمان بالله موجودة في باطن كل إنسان بفطرته الطبيعية ، وعندما يبدأ جهاز الإدراك عند الطفل بالنشاط والعمل ، ويستيقظ حسن التتبع فيه ، ويأخذ في السؤال عن علل الأشياء ، فإن نفسه الطاهرة وغير المشوبة تكون مستعدة تماماً لتلقي الإيمان بخالق العالم ، وهذه الحالة هي أشد الحالات طبيعية في بناء الطفل .
وعلى القائم بالتربية أن يستفيد من هذه الثروة الفطرية ، ويفهمه أن الذي خلقنا والذي يرزقنا والذي خلق جميع النباتات والحيوانات والجمادات والذي خلق العالم ، وأوجد الليل والنهار ، هو الله تعالى إنه يراقب أعمالنا في جميع اللحظات فيثيبنا على الحسنات ويعاقبنا على السيئات .
إن هذا الحديث سهل جداً ، وقابل للإذعان بالنسبة للطفل ونفسه ، فنراه يؤمن بوجود الله في مدة قصيرة ، ويعتقد به. بهذا الأسلوب نستطيع أن نخلق في نفس الطفل حب النظام والإلتزام ونحثه على الإستقامة في السلوك وتعلم الأخلاق الحسنة .
ثم إن الإيمان بالله هو أعظم ملجأ للإنسان ، وأكبر عامل للهدوء النفسي واطمئنان الخاطر ، وهو أيضاً أهم أسس السعادة البشرية وأولى المواضيع التي أهتم بها الأنبياء في دعوتهم ..
ويجب أن نعرف أن المربي الكفء والقدير هو الذي يلفت نظر الطفل منذ الصغر نحو الله تعالى ويلقنه درس الإيمان به بلسان واضح بسيط .. إن على المربي القدير أن يتحدث إلى الطفل عن رحمة الله الواسعة أتباعاً لمنهج القرآن الكريم ، ويبذر في نفسه بذور الأمل ، ويفهمه أن اليأس من روح الله ذنب عظيم ..
يجب أن يعرف الطفل منذ الصغر أن لا ييأس أمام حوادث الزمان ، فالله قادر على حل مشاكله ( أي مشاكل الطفل ) وتيسير أموره ، فإن رفعنا يد الحاجة نحوه ساعدنا على مهمتنا ..
إن على المربي أن يفهم الطفل أن أعظم الواجبات الإنسانية هو جلب رضى الله ، وإن رضى الله يكمن في إطاعة أوامره التي بعثها إلينا عن طريق نبيه العظيم .. وإن الصدق والأمانة يسببان رضى الله ، أما الخيانة فتسبب غضبه
يجب على الأب والأم .. والمربي أن يوقظ الإحساس بالمسؤولية أمام الله في الطفل منذ الطفولة ، ويحثه على الشعور بواجبه ، وإشعاره بأسلوب بسيط : أن الله يراقبك في كل حال ، ويطلع على أفعالك ، الصالحة والسيئة ، ولا يخفى شيء على الله تعالى ..
إنه يجازيك على حسناتك ويعاقبك على سيئاتك " .
إن الآباء والأمهات الذين يحيون الفطرة الإيمانية عند الطفل ويربونه مؤمناً منذ الصغر ، فإنهم بذلك يصبون ركائز سعادته من جهة ، ويكونون قد قاموا بأول واجباتهم في التربية من جهة أخرى ..
التعلیقات