أسباب تزايد العنف الأسري
موقع ممهدات
منذ 10 سنواتيوضح الدكتور حمدي الحناوي -أستاذ الاقتصاد الاجتماعي- أنّ التكاليف الاجتماعية للعنف
ضد المرأة المصرية حتى عام 2010 تصل إلى 642,3 مليون جنيه كتكلفة مباشرة، أما التكلفة غير المباشرة فتبلغ 143,667 مليار جنيه، ورغم الدور البارز الذي لعبته المرأة في الثورة المصرية إلا أنّ التقرير الحقوقي الصادر عن مركز الأرض، أظهر ارتفاعاً ملحوظاً للعنف ضد المرأة، حيث شكل العنف الأسري النسبة الأكبر، فهناك 94 حادثة عنف منها 51 عملية قتل، وفي الوجه البحري يزيد العنف لنسبة تصل إلى 64% من إجمالي الحوادث مقابل 36% بالوجه القبلي الذي يعتبر فيه العنف طقساً عادياً، حتى إن ضرب الأزواج للزوجات أصبح سلوكاً لا غرابة فيه، بل إنّ الزوجات اللاتي يتجاسرن على الشكوى يصبحن مارقات على العرف والتقاليد.
جلسة سخرية:
في أحد مراكز العلاج النفسي انزوت امرأة مسنة بمفردها تتأمل ولا تتحدث كثيراً، سألتها عن أسباب مجيئها فقالت: أبلغ من العمر ستين عاماً تزوجت وأنا صغيرة من عامل يحصل على رزقه يوماً بيوم، أنجبت عشرة من الأبناء، منذ اليوم الأول لزواجي وأنا أتعرض للضرب المبرح من زوجي أمام أولادي أو بمفردي، ويكيل لي السباب والشتائم أمام الضيوف أو الجيران لأقل كلمة أنطق بها حتى أصبحت التسلية الوحيدة لأي جلسة سخرية أو استهزاء، وليس لي الحق في الدفاع عن نفسي أو رفض هذا السلوك، فكنت أظل صامتة لا أتحدث خوفاً من الضرب أو السخرية، وتحملت سنوات من العذاب من أجل أولادي الذين كبروا الآن وأصبحت أشعر بالقوة في وجودهم فاستطعت أن أقف في وجهه حتى كدت أخنقه بيدي وساعتها عرفت أنه ضعيف ولا يستطيع الدفاع عن نفسه، فحددت إقامته في حجرته لأنني لا أطيق رؤيته ولا أتحمل وجوده في المنزل وأسأل نفسي كثيراً: لماذا لم أطلب الطلاق وأتخلص منه نهائياً؟ هذه كانت غلطتي الوحيدة.
وتستكمل: لقد جئت طلباً للعلاج النفسي أريد أن أتحدث وأحكي مع إنسان يساعدني في أن أتخلص من الشعور بالمرارة والخوف الذي زرعه زوجي بداخلي طوال سنوات القهر والعذاب.
بخيل في مشاعره:
وتقول فتحية: كان زوجي شديد العنف، كان يعمل تاجراً، وحين يعود للمنزل ولا يجد الماء على مائدة الغداء يقلبها في وجهي وينصرف، كان أولادي ينظرون له في رعب شديد لأنه لا يتوانى عن ضربي أمامهم، لقد أنجبت ستة من الأبناء تزوجوا جميعاً لكنه ما زال يمارس ضربي بالعكاز من حين لآخر، لذلك طلبت من ابنتي أن تأخذه في بيتها ليعيش معها، فأنا لا أستطيع الحياة معه ولا أريد خدمته، فهو بخيل في مشاعره وبخيل أيضاً في الإنفاق علّ يبخل على بيته وأبنائه وينفق على نفسه كما يشاء.
وتضيف: أحياناً يحاول التحدث إليّ ويقيم علاقة هادئة لكننا تبادلنا الأدوار، أنا التي لا أهتم به وأرفض التعامل معهم وأجلس مع أبنائي حين يأتون لزيارتنا داخل غرفتي دون أن أسمح له بالجلوس معنا، هذا حصاد يده، فما زرعه بالأمس يحصده الآن في كبره، وحين احتاج إلى زوجته وأسرته لم يجدهما.
أما أفكار فقد تزوجت من سائق قبل أن يفوتها قطار الزواج، واكتشفت بعد إنجاب الابن الأول أنه متزوج من أخرى وليده أولاد، لم تطلب الطلاق وأصرت أن يكبر الأبناء بينهما، لكنها تعرضت للضرب والإهانة كلما طالبته بالإنفاق على أبنائهما، فاضطرت للجوء إلى أمها وإخوتها الذين كانوا ينفقون عليهم وتركهم الزوج نهائياً فاراً إلى الزوجة الأولى دون القيام بأي متطلبات لأسرته الكبيرة بعد أن أنجبت خمسة من الأولاد، ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل كان يأتي من حين لآخر ليستولي على ما لديها من نقود ويأكل ما يجده في المنزل ويضربها حتى يتورم وجهها ويتساقط شعرها الذي ينزعه بيديه بقسوة شديدة.
تقول أفكار: رفضت نصائح إخوتي بالطلاق حتى أحافظ على مشاعر أبنائي بين الأهل والجيران، لقد كبروا الآن وأصبح الابن الأكبر أستاذاً بالجامعة، فهو هديتي من الله عز وجل على صبري طوال هذه السنوات، وهو الذي يحمل الآن هموم الأسرة عني، ورغم ما فعله أبوه إلا أنه بار به ويبادر إلى مساعدته باستمرار.
افتقاد العدالة:
وإذا كانت الدراسات تشير إلى تزايد العنف ضد المرأة في الآونة الأخيرة رغم حصولها على قدر كبير من حريتها في التعليم ولعمل واختيار الزوج مقارنة بجيل الآباء والأجداد الذي كان يتسم بالهدوء والسلام النفسي.. فما الأسباب التي دعت إلى انتشار هذه الظاهرة في المجتمع المصري؟
الدكتورة مرفت العماري -الاستشاري النفسي- ترى أنّ جميع الأمراض وراءها عنف جنسي أو جسدي أو اجتماعي أو مؤسسي. كما يحدث الآن في مصر، هذه الظاهرة نشأت من الإحساس بافتقاد العدالة الاجتماعية، هذه الفكرة التي كانت أكثر وجوداً في جيل الآباء والأجداد، وهي التي تؤدي للهدوء والسلام بين الأفراد، فضلاً عن تطبيق القانون الذي يقلل من الجريمة واختفاء العنف، كذلك فإن مكانة العلم والتعليم اختلفت تماماً، ففي الجيل الماضي كان المتميز يأخذ حقه في المكانة التي يستحقها، أما الآن فليس هناك اهتمام بالعمل، وبالتالي فقد التأثير الذي ينبغي أن يكون، وفقد المواطن المصري سماته الخاصة، كما هو الحال بالنسبة للمواطن الإنجليزي أو الفرنسي الذي تحددت سماته من خلال التعليم ونظرة المجتمع له.
وتضيف العماري: نحن نبلغ أرفع المناصب العلمية ولا نجد فرصاً مناسبة للتعيين بالجامعة، هذا الإحساس يولد الشعود بالقهر والظلم، ويأتي التنفيس عنه ممثلاً في المزيد من العنف لأنه لم يجد مسارات لتخريج هذه الطاقة الإيجابية، كما نجد أستاذ الجامعة الذي يختلف مع زوجته فيضربها لأنه عاجز عن تخريج طالب مبدع فضلاً عن غياب القدوة والمثل الأعلى في شريحة المتعلمين التي باتت نادرة جداً، ومن ثم لا يستطيع هذا الأستاذ إضافة تجارب حياتية لطلابه، نظراً لإهدار قيمة العلم، والغريب أننا نحقق بطولات في الألعاب الفردية، أما الجماعية فالمحصلة صفر، كل هذه الأمور تأتي من رافد واحد هو البيئة التي لم تعد صالحة، فظهر العنف بجميع أشكاله ولكن يبقى العنف النفسي الذي رأيته في جلسات العلاج أقصى درجات الإيلام، لأنه لا يعني إلغاء الشخص تماماً من الحياة رغم وجوده، وإذا ما وجد في أسرة ما فإنه يصبح غاية في التدمير، وهذا ما نلاحظه بشكل أوسع في المجتمع الآن.
وعن مدى جدوى العلاج النفسي لحالات العنف تؤكد . مرفت أنّ هذا يتوقف على الشخص المتلقي للعلاج ومدى استجابته، وكلما كان المريض يتمتع بالذكاء واتساع الأفق كانت حساسيته ودرجة وعيه كبيرة، وهو يحتاج إلى أسلوب خاص في التعامل لأن مشكلاته النفسية تكون أكثر تعقيداً لكن جلسات العلاج التي لا تزيد على ثلاثة أشهر تؤدي إلى نتائج جيدة، وقد تمتد إذا ما تعرض المريض إلى عنف متزايد.
التعلیقات