في حسن الخلق
الشيخ علي المشكيني
منذ 10 سنوات
الخلق بالضم وبضمتين : الطبع والسجية ، وهو صورة نفس الإنسان وباطنه في مقابل الخلق
بالفتح الذي هو صورة جسمه وظاهره ، وهي تتصف بالحسن والقبح كاتصاف الجسم بهما ، إلا أن ذاك الاتصاف يكون تحت اختيار الإنسان وإرادته ، لجل اختيارية اسبابها بخلاف صورته الجسمية الظاهرية ، وذلك لأن صورة النفس والروح البرزخية سواء قلنا بكون الروح في ذلك العالم موجوداً مستقلاً قائماً بنفسه ، أو حالاً في القالب المثالي تتبع صفاته النفسية الدنيوية وتتشكل على وفق تلك الحالات والملكات ، بل وكذا الجسم الدنيوي للمؤمن المنشور من الأرض والمبعوث عنها بعد القيامة ، فهو وإن كان على صورته الدنيوية عند البعث والحشر إلا أنه يتشكل عند اقتراب الوفود على الله والورود في الجنة على طبق الصفات والسجايا التي اكتسبها وحصّلها ورباها وحسّنها ، ففي النشأتين بعد الموت ، أعني : البرزخ والقيامة تبلى السرائر الخلقية ، وتتجلى السجايا الروحية بالصورة البرزخية والأخروية ، حيث أن إصلاح صورة النفس في الدنيا وتحصيل الفضائل لها وإزالة الرذائل عنها بيد الإنسان ، وللعقائد الباطنة من الكفر والإيمان وللأعمال الظاهرة من الطاعة والعصيان دخلاً وافراً في تلك الصفات والملكات فلا جرم تكون الصور البرزخية والأخروية في تشكل هيئتها وحسن منظرها وبياضها وقبح مظهرها وسوادها بيد الإنسان ، فله أن يشكلها بأي شكل أراد ويصورها بأية صورة شاء ، غير أنه يبقى في الشخص شيء من وصفه الكمي أو الكيفي السابق ، ليتعارف به في تلك النشأة في أبناء نوعه كما في « الكاريكاتور » ، قال تعالى : ( يتعارفون بينهم ) (1).
ثم إنه قد يطلق حسن الخلق ويراد به حسن العشرة مع الناس من الأقارب والأباعد بطلاقة الوجه وحسن اللقاء وطيب الكلام ، وجميل المخالطة والمصاحبة ورعاية الحقوق وإعمال الرأفة والإشفاق ونحو ذلك.
وقد يطلق ويراد به : حسن جميع الأوصاف النفسية الدخيلة في حسن الهيئة البرزخية أو الأخروية ، وهو الذي يصعب تحصيله ، ولا يتحقق إلا لأولياء الله تعالى والأوحدي من الناس ، ولذا قيل في تعريف هذه الصفة بأنها : حالة نفسانية يتوقف حصولها على اشتباك الأخلاق النفسانية بعضها ببعض ، فهي حسن الصورة الباطنة التي هي صورة الناطقة ، كما أن حسن الخلق هو الصورة الظاهرة وتناسب الأجزاء ، إلا أن حسن الصورة الباطنة قد يكون مكتسباً ، ولذا تكررت الأحاديث في الحث به وبتحصيله (2).
هذا ، وأدلّة الباب وأخبارها توضح المراد من حسن الخلق بالتأمل فيها.
فقد ورد في الكتاب الكريم خطاباً للنبي الأقدس 6 : ( إنك لعلى خلق
عظيم ). (3) وقال تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظّاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك ) (4).
وورد في النصوص : أن حدّ حسن الخلق أن تلين جانبك وتطيب كلامك وتلقى أخاك ببشر حسن (5).
وأن المؤمن هين لين سمح ، له خلق حسن (6).
وأن خيار المؤمنين أحاسنهم أخلاقاً ، الموطّئون أكنافاً ، الذين يألفون ويؤلفون وتوطأ رحالهم. (7) ( رجل موطئ الأكناف أي : سهل الأخلاق كريم مضياف )
وأن من لم يكن له خلق يداري به الناس ، لم يقم له عمل (8).
وأن اكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً (9).
وأنه : ما يوضع في ميزان امرئ مؤمن يوم القيامة أفضل من حسن الخلق (10).
وأنه : أول ما يوضع في ميزانه (11).
وأنه : أفضل ما أعطي المرء المسلم (12).
وأن حسن الخلق من الخصال التي تكمل بها الإيمان (13).
وأنه : ما يقدم المؤمن على الله بعمل بعد الفرائض أحب إلى الله من أن يسع الناس بخلقه (14).
وأن صاحب الخلق الحسن يعطيه الله من الثواب كما يعطي المجاهد في سبيل الله يغدوا عليه ويروح (15).
وأن العبد يكون له بعض التقصير من العبادة ويكون له حسن خلق فيبلغه الله به درجة الصائم القائم (16) ( والثواب إما لنفس الصفة الباطنة تفضلاً ، أو لما يظهر من صاحبها من العشرة المندوبة فيترتب عليها ثواب الواجبات ).
وأن من أكثر ما تلج به الأمة الجنة ، حسن الخلق (17).
وأن الخلق الحسن يميث الخطيئة كما تميث الشمس الجليد ، (18) ( الميث : الاذابة والجليد : الماء الجامد ).
وأن ما في الكفار من حسن الخلق أعاره الله إياهم ليعيش أولياؤه معهم في دولاتهم (19).
وأن المؤمن مألوف ، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف (20).
وأن أحسن الحسن الخلق الحسن (21).
وأن قوله تعالى : ( ربنا آتنا في الدنيا حسنة ) (22) منها حسن الخلق (23).
وأنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم باخلاقكم ، (24) أي : بطلاقه الوجه وحسن اللقاء.
وأنه حسن خلقك يخفف الله حسابك (25).
وأن حسن الخلق ذهب بخير الدنيا والآخرة (26).
وأن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أطلق أسيراً من بين الأسراء وأعلنه أن الله أخبر بحسن خلقه ، فأسلم الأسير لذلك (27).
وأنه قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : أحبكم إلي وأقربكم مني يوم القيامة مجلساً أحسنكم خلقاً (28).
وأن الخلق الحسن نصف الدين (29) ( ولعل نصفه الآخر التقوى الذي هو حسن المعاملة مع الله ، وقد ورد عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم : أكثر ما تلج به أمتي الجنة ، تقوى الله وحسن الخلق ) (30).
وأن حسن الخلق في الجنة لا محالة ؛ وسوء الخلق في النار لا محالة (31).
وأن حسن الخلق خير قرين (32).
وأن النبي 6 قال : أنا زعيم ببيت في ربض الجنة وبيت في وسطها وبيت في أعلاها لمن حسن خلقه (33).
وأنه : لا حسب كحسن الخلق (34).
وأن الكمال هو تقوى الله وحسن الخلق (35).
وأنه : أحسنوا صحبة الدين بحسن الخلق (36).
وأنه يزين الرجل كما تزين الواسطة القلادة (37).
وأن العجب ممن يشتري العبيد بماله كيف لا يشتري الأحرار بحسن خلقه (38).
وأنه : جمال في الدنيا ونزهة في الآخرة (39).
وأنه شجرة في الجنة وصاحبه متعلق بغصنها (40).
وأنه يعمر الديار ويزيد في الأعمار (41).
وأنه : يزيد في الرزق (42).
وأنه : أكرم الحسب (43).
وأنه : خير فيق (44).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ يونس : ٤٥.
2 ـ راجع البحار : ج٧١ ، ص٣٧٢.
3 ـ القلم : ٤.
4 ـ آل عمران : ١٥٩.
5 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٩.
6 ـ الأمالي : ج١ ، ص٣٧٦ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥١١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩١.
7 ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٢ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٠.
8 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٢.
9 ـ الكافي : ج٢ ، ص٩٩ ـ الأمالي : ج١ ، ص١٣٩ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥٠٣ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٣ وج٧٧ ، ص١٥١.
10 ـ الكافي : ج٢ ، ص٩٩ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥٠٥ ـ بحار الأنوار : ج٧ ، ص٢٤٩ وج٧١ ص٣٧٤.
11 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص ٣٨٥.
12 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٦.
13 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٧.
14 ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٥.
15 ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٧.
16 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٥.
17 ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٥.
18 ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٥ ـ روضة المتقين : ج١٢ ، ص١١٠.
19 ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٨.
20 ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٢ ـ شرح أصول الكافي : ص٨٢ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥١٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص١٧.
21 ـ الخصال : ص٢٩ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥٠٧ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٦.
22 ـ البقرة : ٢٠١.
23 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٣.
24 ـ الأمالي : ج١ ، ص٢٠ ـ من لا يحضره الفقيه : ج٤ ، ص٣٩٤ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥١٣ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٣ وج٧٧ ، ص١٦٦.
25 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٣.
26 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٤.
27 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٥.
28 ـ وسائل الشيعة : ج١١ ، ص٣٠١ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٥ وج٧٣ ، ص٢٣١.
29 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٥.
30 ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٠ ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥٠٤ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٧٥.
31 ـ وسائل الشيعة : ج٨ ، ص٥٠٦ وج١١ ، ص٣٢٤ ـ بحار الأنوار : ج١٠ ، ص٣٦٩ وج٧١ ، ص٣٨٣
32 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٧.
33 ـ الخصال : ص١٤٤ ـ بحار الأنوار : ج٢ ، ص١٢٨ وج٧١ ، ص٣٨٨ وج٧٢ ، ص٢٦١.
34 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٨٩ ـ مستدرك الوسائل : ج٨ ، ص٤٤٥.
35 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٠.
36 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩١.
37 ـ نفس المصدر السابق.
38 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٢.
39 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٣ ـ مستدرك الوسائل : ج٨ ، ص٤٤٩.
40 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٣.
41 ـ الكافي : ج٢ ، ص١٠٠ ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٥.
42 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٦ وج٧٨ ، ص٢٥٧.
43 ـ بحار الأنوار : ج٧١ ، ص٣٩٦.
44 ـ نفس المصدر السابق.
التعلیقات