أطفالنا.. هل يحبون القراءة؟
قذلة القحطاني
منذ 15 سنةتكوين عادة حب القراءة في نفوس أطفالنا أمر ليس باليسير، وهو في ذاته في غاية الأهمية، إذ أن القراءة طريق بإذن الله لطلب العلم، وهي منهج لعلماء وأئمة الدين في حياتهم، الواحد منهم يقرأ بالساعات الطوال، ولن يتحقق ذلك خصوصاً إذا كان الوالدان لا يحبان القراءة، وللأسف فإن هناك مقولة غدت تطلق علينا بأننا شعب لا نقرأ.
فما مدى صحة هذه العبارة ؟ وإذا كانت صحيحة إلى حد ما.. فكيف لنا أن نجنب أطفالنا عواقبها وآثارها؟إذا نظرت إلى الواقع من حولك تشاهد بيوتاً خالية من الكتب، كتب مصفوفة للديكور والزينة، كتب تراكم عليها الغبار، لا يعرف ما بداخلها، ولعله من الأفضل أن يتم البحث عن أحد المحسنين والمتطوعين لحملها ووضعها في مكان يتم الاستفادة منها، لأنها أصبحت في المنزل لا مكان لها، وخصوصاً بعد امتلأت كثيراً من هذه البيوت والفلل الراقية بالتحف والصور وربما التماثيل المحرمة.
فضائيات، فيديو، إنترنت، ألعاب كمبيوتر.. كل ذلك لم يترك مجالاً الكتب والقراءة حتى عند الكبار، فكيف بهؤلاء الأطفال الذين بهرتهم تلك الأشياء واستولت على عقولهم وأوقاتهم وشغلتهم حتى عن طعامهم ونومهم؟
ما هو الحل لنحبب لأطفالنا القراءة، ونجعلهم يتلذذون بها، بل تصبح جزء لا يتجزأ من حياتهم؟ وإني لأعرف بعض الأشخاص قد أصبحت. القراءة حاجة أساسية كحاجته للطعام والشراب، بل إنه يجد عند تركها ألماً كألم الجوع والعطش!!
إن الأمر يحتاج إلى تعاون وتضافر للجهود ودور يقوم به الأفراد والمؤسسات، وأول مسؤول في هذا هما الوالدان والمعلمون والمعلمات، خصوصاً معلمي اللغة العربية ـ وهم من طال تذمرهم من ضعف. الثقافة المعرفية والحس اللغوي عند الطلاب...
وهذا الدور يتمثل في:
ـ الحث على القراءة وبيان فوائدها وآثارها واختيار مثل هذه المواضيع التي تغذي عند القارئ القدرة على التعبير والإملاء.
ـ تقديم المكافآت لرواد المكتبات المدرسية، والثناء عليهم أمام جميع الطلاب.
ـ تكوين مكتبة منزلية للطفل في غرفته، ولتكن عامرة بالجديد والجذاب وتمكين الطفل من ترتيبها، وتنظيمها.
ـ كذلك تهيئة مكان جيد ومريح للقراءة في ساحة المنزل.
ـ القراءة مع الأطفال، وذلك لأخذ القدوة من الوالدين والتعود على القراءة.
ـ عمل اشتراك للطفل في مجلة هادفة أو برنامج قراءة وليكن باسمه ويصل إلى مدرسته إن أمكن.
ـ لا نطلب المثالية في أطفالنا فنرضى باليسير، فسيأتي اليوم الذي يقرؤون بشغف إن هم أحبوا القراءة.
ـ الصبر على عبثهم مع التوجيه الدائم باحترام الكتب والمحافظة عليها وإخضاعه لعقوبات تتمثل في حرمانه من نزهة يحبها إن عبث بالكتب.
ـ كثرة زيارة المكتبات العامة واصطحاب الأطفال إليها للقراءة، إن وجدت.
ـ شراء الكتب والقصص التي يحبونها بشرط ألا تحوي أفكاراً منحرفة، وترك الفرصة لهم أحياناً ليختاروا ما يعجبهم من المكتبة مع الإشراف والتوجيه.
ـ وليت الأسرة اليوم توفر شيئاً ولو قليلاً من المبالغ التي تصرف في مدائن الألعاب، وأماكن الترفيه، واللعب، والمطاعم، لشراء كتب وقصص نافعة يقرؤوها الأولاد.
ـ القراءة بصوت عال أحياناً من قبل الوالدين ليسمع أطفالهم ما يقرؤونه، وهذا يحتاج إلى فن في الإلقاء والتشويق ليقبل عليه الأطفال ويجذب انتباههم.
ـ يطلب من الطفل أن يقرأ للوالدين قصة أو مقالاً مع تشجيعه والإنصات له.
ـ إعطاء الطفل فسحة من الوقت ليقرأ.
ـ ليكن هدف المربين الأول هو ترغيب الطفل في القراءة، والسعي لتحقيق هذا الهدف بكل الوسائل، وليحرص المعلمون والمعلمات في الصفوف المبكرة على تخصيص وقت للقراءة الحرة داخل الفصل، واستغلال أوقات الفراغ في زيارة المكتبة المدرسية، وعرض مجموعة من القصص التي تناسب سنهم وطلب القراءة منهم مع إجراء بعض الوسائل المرغبة في القراءة.
كطرح سؤال مثلاً: استخراج اسم ولد ورد في القصة أو اسم جديد أو كلمة تبدأ بحرف كذا..
ـ إثارة الحماس بينهم ويمكن تقسيمهم إلى مجموعات.
ـ ومن الوسائل أيضاً ترك الفرصة لمعلمي الصفوف المبكرة لابتكار أنواع من الأنشطة في هذا الشأن، وعدم حصرهم في إتمام المنهج الدراسي فدورهم أعظم، وليشجعوا من قبل المشرفين وأولياء الأمور.
ـ إقامة معرض كتب داخل المدارس بين آونة وأخرى، وعرض الجديد والمفيد، وإقامة معارض على مستوى الأحياء ومكاتب الإشراف التربوي.
هذا فيما يخص الأفراد، وأما المؤسسات فلتسع جاهدة لإقامة مكتبات للطفل في كل حي وشارع يمارس فيها الطفل هواية القراءة بكل حرية ودون قيد ولا شرط، ويمكّن فيها من الاستعارة بإشراف والديه.
ونستطيع القول إن مكتبات الطفل لم تحقق إلا نسبة ضئيلة من الواقع المأمول، فهي لا توجد إلا في بعض مناطق المملكة.. والطفل فيها يخصص له يوم أو يومان فقط.. ويفرض عليه المشاركة في أنشطة ربما لا يرغبها، وباقي الأيام يمكّن فيها من الحضور، فمتى يتعلم أطفالنا القراءة إذن؟
لذلك من الدور المأمول من المؤسسات تكوين لجان لدراسة "ماذا يقرأ أطفالنا" لشحذ الهمم واستقطاب المواهب والطاقات لتأليف قصص إسلامية وإخراج عمل متكامل مدروس بضوابط الشرع، بدلاً من قصص السحر والشعوذة والخرافة التي تمتلئ بها المكتبات، وبدلاً من قصص تهدف إلى ربح مادي على حساب عقول أبنائنا وبناتنا.
فمتى تنهض الهمم ولا سيما قد رأينا ولله الحمد بصيصاً من الأمل يشع هنا وهناك؟
أخيراً نعود فنقول:
القراءة.. القراءة.. فهي طريق الإبداع والتفوق بإذن الله.. وهي في الوقت نفسه تحتاج إلى صبر ومجاهدة، لتعود بعد ذلك لذة وأنساً، فإن العلم لما كان أشرف الأشياء، لم يحصل إلا بالتعب والسهر والتكرار وهجر اللذات والراحة.
التعلیقات