الآثار المترتبة على المنهج الإسلامي والوضعي (جـ ـ الآثار الأخلاقية )
عبّاس الذهبي
منذ 9 سنواتيتّصف المجتمع الإسلامي ـ عموماً ـ بالتماسك الاُسري بالمقارنة مع مثيله الغربي
نتيجة للمناعة الذاتية التي يحصل عليها أفراده من خلال تمسّكهم بالاخلاق الحميدة التي تدفع الوالدين إلى الاحترام المتبادل وتحثّ الآباء على إحاطة أولادهم بسياج من الحماية والرعاية ، وبالمقابل تلزم الأولاد على البرِّ والاحسان إلى الوالدين ، فتصبح الاُسرة ـ والحال هذه ـ متلاحمة كسبيكة صلبة يصعب تفكيكها.
ومن نماذج الاُسرة الكريمة المتمسكة بمكارم الأخلاق الإسلامية ، أسرة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، الذي عاش مع زوجته خديجة خمسة وعشرين عاما ، في تمام الانسجام والصفاء والحبّ المتبادل ، وبعد وفاتها لم ينفكّ يردّد ذكراها الطيبة على لسانه بين نسائه ، فالحبّ الذي يكنّه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لخديجة كان مبعثه نبلها ، وسموّ خلقها ، ووفاؤها ، إلى الإسلام.
وعاش الإمام علي عليه السلام مع زوجته فاطمة عليها السلام في وئام وانسجام ، ونتيجة لما عرف عنهما من نبل وسموّ أخلاقي لم ينقل لنا التاريخ أنّ خلافاً نشب بينهما على الرغم من شظف العيش ومعاناة الفقر المدقع الذي يكتنف حياتهما.
كان واضحاً من هذين النموذجين المشرقين أن السياج الاخلاقي الذي أحاط الاُسرة في النظام الإسلامي كان ومازال يدفعها نحو التماسك في أشد الظروف وأقساها.
أما المنهج المادي الذي يدير ظهره للأخلاق ، فيعرض لنا نماذج بشعة من التردّي والانحطاط على الرغم من الرفاهية وبحبوحة العيش في الغرب.
ولقد أصبحت الاُسرة لا معنى لها في الظروف الاجتماعية الحديثة في الغرب ، بعد أن ضعفت عاطفة الاُمومة ، وانحلّت الرابطة الزوجية ، حتى يمكن القول بأنّ الاُسرة يكاد يختفي رسمها وإن بقي أسمها في سجلاّت القانون.
ففي ظلِّ علاقات اجتماعية متحررة جداً ، فقدت الرابطة الزوجية قدسيتها من جراء موجة « تبادل الزوجات » التي انتشرت في أمريكا واُوربا انتشار النار في الهشيم ، من خلال نوادٍ مخصصة لذلك ، ها الرجل زوجة غيره ، ويعطيه زوجته! بدون وازع من دين أو خلق أو ضمير (1).
وهذا التردّي الأخلاقي لا تقتصر آثاره الضارة على الفرد ، بل تطال المجتمع أيضاً.
كتب ( جيمس رستون ) في صحيفة « نيويورك تايمز » محذّراً مجتمعات الغرب من اطلاق طاقة الجنس ، معتبرا أنّ خطرها قد يكون في نهاية الأمر أكبر من خطر الطاقة الذرية!
فالقوة الجنسية الهائلة لم يعد يحدّها الخوف من الجحيم ، ولا الأمراض السارية وخشية الحمل وما إلى ذلك ، وفي رأيه أن أطناناً من القنابل الجنسية تنفجر كلّ يوم ، وتترتّب عليها آثار تدعو إلى القلق ، قد تجعل الأطفال في الغرب وحوشاً ، بل قد تشوّه مجتمعات بأسرها (2).
وقد دقّ جرس الخطر أكثر من شخصية غربية ، وليس أدلّ على ذلك من تصريح زعيم أقوى دولة في العالم ( جون كندي ) في سنة 1962م : ( بأنّ مستقبل أمريكا في خطر ؛ لأنّ شبابها مائع منحلّ غارق في الشهوات ، لا يقدّر المسؤولية الملقاة على عاتقه ، وإنه من بين كلِّ سبعة شباب يتقدّمون للتجنيد يوجد ستة غير صالحين ؛ لأنّ الشهوات التي غرقوا فيها أفسدت لياقتهم الطبية والنفسية ) (3).
هذه الصيحات كانت قبل ظهور مرض الأيدز الذي أخذ يفترس الناس هناك وينخر الكيان الحضاري ، ولم يكن الطب بعد من إيقافه عند حدّه.
هذه هي نتائج المنهج المادي الذي تنكّر للدين والأخلاق ، الفطرة بتهميشه لدور الاُسرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) اُنظر : المرأة في التصور الإسلامي : 34.
2) الإسلام والجنس / فتحي يكن : 9 ـ 10.
3) الزنا : أحكامه ، أسبابه : 130.
التعلیقات