الجود والإنفاق في مدرسة أهل البيت
عباس ذهیبات
منذ 9 سنواتأراد الإسلام أن يتحسس المسلم مشاكل الناس ، وخاصة أولئك الذين تضيق في
وجوههم سُبل العيش المشروع ، لذلك مجّد الجود وشجع على البذل والإنفاق كأسلوب تكافلي لابد منه. وكان أهل البيت : يتسلّقون ذُرىٰ المجد في الجود ، يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : « إنّي لأرفع نفسي أن تكون حاجةٌ لا يسعُها جودي » (1).
فالجود ـ إذن ـ يقود إلى البذل بالموجود ، وأفضله في مقاييس مدرسة أهل البيت : ما كان عن عسرةٍ ، لكي يُخرج المسلم من شرنقة الشح والبخل إلى فضاء العطاء والبذل ، وفي هذا الصَّدد يقول أمير المؤمنين عليهالسلام : « أفضل الجود بذل الموجود » (2) وعنه عليهالسلام : « أفضل الجود ما كان عن عسرة » (3).
إضافة لما تقدّم ينبغي أن يكون البذل للمستحق وإلاّ كان عبثا لا طائل منه ، أو كان لأجل السمعة الفارغة ومن أجل التباهي والرياء ليس إلاّ ، وفي هذه الحالة يفقد غايته الأساسية كأسلوب تكافلي.
على أن الأكثر إثارة في هذا الصدد أن مدرسة أهل البيت : تضع شرطاً ثالثاً لتحقق مفهوم الجود ، وهو أن للآخذ من الشكر أكثر مما للباذل ، لكونه قَبِل العطاء ، وهي تريد بذلك صون ماء وجه الأول ، وطرد شبح المنّ أو الغرور من نفس الثاني أو المعطي. وهذا الشرط فيه دلالة عميقة تعكس عمق توجهات هذه المدرسة المقدسة ، وسموّ مفاهيمها وسعة أفقها ، وفي هذا الجانب قال الإمام الصادق عليهالسلام : « لا يكون الجواد جواداً إلاّ بثلاثة : يكون سخيّاً بماله على حال اليسر والعسر ، وأن يبذله للمستحقّ ، ويرى أنّ الذي أخذه من شكر الذي أسدى إليه أكثر مما أعطاه » (4).
****************************
(1) عيون الحكم والمواعظ : ١٦٩.
(2) عيون الحكم والمواعظ : ١١٩.
(3) عيون الحكم والمواعظ : ١١١.
(4) تحف العقول / ابن شعبة الحراني : ٣١٨ ، مؤسسة النشر الإسلامي ، ط ٢ / ١٤٠٤ ه
التعلیقات