أدب الله
السيد عادل العلوي
منذ 9 سنواتمن أدب الله قوله سبحانه وتعالى :
(وَجَعَلـْناهُمْ أئِمَّةً يَهْدونَ بِأمْرِنا وَأوْحَيْنا إلَيْهِمْ فِعْلَ الخَيْراتِ وَإقامَ الصَّلاةِ وَإيْتاءَ الزَّكاةِ وَكانوا لَنا عابِدينَ) (1ب).
وما أكثر الآيات الكريمة والروايات الشريفة التي تحثّ الإنسان على أن يراعي الآداب. يكفيك شاهداً نماذج ممّـا يقوله أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في ذلك
:
قال (عليه السلام) :
« الأدب كمال الرجل ».
« يا مؤمن ، إنّ هذا العلم والأدب ثمن نفسك ، فاجتهد في تعلّمهما ، فما يزيد من علمك وأدبك يزيد في ثمنك وقدرك ».
« من لم يكن أفضل خلاله أدبه ، كان أهون أحواله عطبه ».
« الأدب أحسن سجيّة ».
« أفضل الشرف الأدب ».
« خير ما ورّث الآباء الأبناء : الأدب ».
« حسن الأدب خير مؤازر وأفضل قرين ».
« طالب الأدب أحزم من طالب الذهب ».
« إنّ الناس إلى صالح الأدب أحوج منهم إلى الفضّة والذهب ».
« أشرف حسب حسن أدب ».
« حسن الأدب أفضل نسب وأشرف سبب ».
« عليك بالأدب فإنّه زين الحسب ».
« حسن الأدب يستر قبح النسب ».
« فسد حسب من ليس له أدب ».
« الأدب حلل جدد ».
« زينتكم الأدب ».
« لا زينة كالأدب ».
« من قلّ أدبه كثرت مساويه ».
« النفس مجبولة على سوء الأدب ، والعبد مأمور بملازمة حسن الأدب ، والنفس تجري في ميدان المخالفة ، والعبد يجهد بردّها عن سوء المطالبة ، فمتى أطلق عنانها فهو شريك في فسادها ، ومن أعان نفسه في هوى نفسه ، فقد أشرك نفسه في قتل نفسه ».
« نِعم قرين العقل الأدب ».
« كلّ شيء يحتاج إلى العقل ، والعقل يحتاج إلى الأدب ».
« الآداب تلقيح الأفهام ونتائج الأذهان ».
« تولّوا من أنفسكم تأديبها ، واعدلوا بها عن ضراوة عاداتها ».
« ذَكِّ قلبك بالأدب كما يُذكّى النار بالحطب ، ولا تكن كحاطب الليل وغثاء السيل ».
« ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم ».
« سبب تزكية الأخلاق حسن الأدب ».
« ليس شيء أحمد عاقبةً ولا ألذّ مغبّةً ولا أدفع لسوء أدب ولا أعون على درك مطلب من الصبر ».
« كفاك أدباً لنفسك اجتناب ما تكرهه من غيرك ».
« قال الشعبيّ : تكلّم أمير المؤمنين (عليه السلام) بتسع كلمات ارتجلهنّ ارتجالا ، فقأنَ عيون البلاغة وأيتمن جواهر الحكمة ، وقطعن جميع الأنام عن اللحاق بواحدة منهنّ ، ثلاث منها في المناجاة ، وثلاث منها في الحكمة ، وثلاث منها في الأدب. فأمّا اللاتي في المناجاة ، فقال : إلهي كفى بي عزّاً أن أكون لك عبداً ، وكفى بي فخراً أن تكون لي ربّاً ، أنت كما اُحبّ فاجعلني كما تحبّ. وأمّا اللاتي في الحكمة ، فقال : قيمة كلّ امرئ ما يحسنه ، وما هلك امرؤ عرف قدره ، والمرء مخبوّ تحت لسانه. واللاتي في الأدب ، فقال : امنن على من شئت تكن أميره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره ، واستغنِ عمّن شئت تكن نظيره ».
« أفضل الأدب أن يقف الإنسان عند حدّه ولا يتعدّى قدره ».
« أحسن الآداب ما كفّك عن المحارم ».
« تحرّي الصدق وتجنّب الكذب أجمل شيمة وأفضل أدب ».
« ضبط النفس عند الرغب والرهب من أفضل الأدب ».
« جالس العلماء يزدد علمك ويحسن أدبك ».
« بالأدب تُشحذ الفِطَن ».
« إذا زاد علم الرجل زاد أدبه ، وتضاعفت خشيته لربّه ».
« قيل لعيسى بن مريم (عليه السلام) : مَن أدّبك؟ قال : ما أدّبني أحد ، رأيت الجهل فجانبته ».
« قال لقمان (عليه السلام) : من عنى بالأدب اهتمّ به ، ومن اهتمّ به تكلّف علمه ، ومن تكلّف علمه اشتدّ له طلبه ، ومن اشتدّ طلبه أدرك منفعته ، فاتّخذه عادة ، فإنّك تخلف في نفسك وتنفع به من خلفك » (2).
من هذه الروايات الشريفة ومن أمثالها بالمئات والاُلوف نكتشف أنّ الواجب علينا لدرك سعادة الدارين وبلوغ الكمال والوصول إلى الله سبحانه أن نؤدّب أنفسنا بالتوحيد بأحسن الآداب ، ونقمعها عن الأهواء والزيغ والارتياب ، فإنّ النفس تفتقر دوماً إلى تأديب وتهذيب وترهيب وترغيب :
(إنَّ النَّفْسَ لأمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاّ ما رَحِمَ رَبِّي) (3).
(قَدْ أفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (4).
ويكفينا واعظاً وزاجراً قوله تعالى :
(وَفي أنْفُسِكُمْ أفَلا تُبْصِرونَ) (5).
فالواجب على كلّ عاقل أن يؤدّب نفسه بمكارم الأخلاق ومحاسن الصفات ، فكما أنّ تمام الشجرة بالثمرة ، فتمام السعادة بمكارم الأخلاق ومحاسنها.
ومعلوم أنّ تهذيب الأخلاق ورعاية الآداب علم شريف ، بل يعدّ من أشرف العلوم لا سيّما لأهل العلم ، فإنّ العلماء قادة وسادة ، والناس على دين ملوكهم ، فإذا كان القائد صالحاً ، فإنّ الرعيّة يلزمها الصلاح والفلاح والنجاح ، وإذا فسد العالِم فسد العالَم ، فأولى الناس بالآداب والأخلاق طلاّب العلوم ، لا سيّما طلبة العلوم الدينية.
قال بعض البلغاء في الاهتمام بما هو الأهمّ من إصلاح أمر النفس على تقديم البدن وتقديم طبّها وعلاجها عليه : بأنّ الإنسان إذا كان قد علم أنّه مركّب من شيئين : أحدهما أشرف وهو النفس ، والآخر أدنى وهو الجسم ، فاتّخذ للدنيء منها أطبّاء يعالجونه من أمراضه التي تعروه ، ويواظبون عليه بأقواته التي تغذوه ، ويتعاهدونه بأدويته التي تنقّيه ، وترك أن يفعل بالشيء الشريف مثل ذلك ، فقد أساء الاختيار عن بيّنة ، وأتى بالغلط عن بصيرة ، وأطبّاء هذه النفس هم الأفاضل العلماء ، وأقواتها الغاذية هي الآداب المأخوذة عنهم ، وأدويتهم المنقّية هي النواهي والمواعظ المسموعة منهم.
ومن الواضح أنّ من يدّعي علم الأشياء ومعرفتها ، وهو لا يعرف نفسه ولم يهذّبها ، فمثله مثل من يطعم الناس وهو جائع ، ويداويهم وهو عليل ، ويهديهم طريقاً وهو لا يدري طريقه ، فلا بدّ أن يبدأ الإنسان بنفسه يكون إماماً لها ثمّ ينصب نفسه إماماً لغيره.
الله الله في كسب الآداب ، فما أروع ما يقوله أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) في الديوان المنسوب إليه :
كن ابن من شئت واكتسب أدباً
يغنِكَ محموده عن النسب
فليس يغني الحسيب نسبته
ليس الفتى من يقول : كان أبي (6)
قيل : أوّل ما يؤدّب به المبتدي : التبرّي من الحركات المذمومة ، ثمّ التنقّل إلى الحركات المحمودة ، ثمّ التفرّد لأمر الله ، ثمّ التوقّف ، ثمّ الرشاد ، ثمّ الثبات ، ثمّ القرب ، ثمّ المناجاة ، ثمّ المصافاة ، ثمّ الموالاة ، ولا يستقرّ هذا بقلبه حتّى يرجع إلى إيمانه ، فيكون العلم والقدرة زاده ، فيكون مقامه عند الله مقام المبشّرين من الحول والقوّة ، وهذا مقام حملة العرش وليس بعده مقام.
وقيل : الأدب مع الله : القيام بأوامره على الإخلاص وصحّة المعاملة معه على الظاهر والباطن مع الخوف ، والصحبة مع الخلق بالرفق والحلم والسخاء والشفقة ، والأخذ بالفضل وصلة القاطع ، والإحسان إلى المسيء ، وتعظيم الجميع وأن ينأ عنه القلب ، وازدرته العين ، فإنّ كلّ أحد من المسلمين كائناً من كان لا يخلو من فضل الله ولعلّه ممّن يطيع الله.
وقال : كن لربّك عبداً ، ولإخوانك خادماً ، واعلم أنّه لا أحد من المسلمين إلاّ وله مع الله سرّاً ، فاحفظ حرمة ذلك السرّ.
وقيل : من أساء الأدب على البساط ردّ إلى الباب ، ومن أساء الأدب على الباب ردّ إلى سياسة الدوابّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الأنبياء : ٣٧.
2 ـ الروايات من ميزان الحكمة ١ : ٥٢ ، طبعة مؤسسة دار الحديث.
3 ـ يوسف : ٥٢.
4 ـ الشمس : ٩ ـ ١٠.
5 ـ الذاريات : ٢١.
6 ـ آداب النفس : ١٥٢ ، في الهامش.
التعلیقات