كريمة أهل البيت السيدة المعصومة (س)
الشيخ محمد الياس
منذ 8 سنوات
فداها أبوها قال رسول الله (ص) لفاطمة الزهراء (س)، وهو الكلام نفسه قاله الإمام موسى بن جعفر (ع) لابنته ، الفقيهة ، الراوية ، الصابرة ، فاطمة المعصومة (س) ما يكشف رفيع مكانتها وعلو شأنها خصوصاً وقائل هذا المقال هو إمام معصوم من الشجرة النبوية المحمدية والدوحة المباركة العلوية، والروايات ا لواردة على هذا الصعيد يؤكد ذلك:
(1)« الْكَمَالُ كُلُّ الْكَمَالِ : التَّفَقُّهُ فِي الدِّينِ ، وَالصَّبْرُ عَلَى النَّائِبَةِ ، وَتَقْدِيرُ الْمَعِيشَةِ »
(2)« الرَّاوِيَةُ لِحَدِيثِنَا يَشُدُّ بِهِ قُلُوبَ شِيعَتِنَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ »
فيروي السيد المستنبط (ره) ما يتعلق بهذه المكانة السامية للسيدة المعصومة، وذلك نقلاً عن أحد مؤلفات ابن العرندس الحلي يقول: إن جمعاً من الشيعة قصدوا بيت الإمام موسى بن جعفر عليه السلام للتشرف بلقائه، وكان لديهم جملة من المسائل، فأخبروا أن الإمام عليه السلام كان في سفر. فكتبوا المسائل وأعطوها للسيدة فاطمة المعصومة عليها السلام، ثم انصرفوا.
وفي اليوم الثانية عزموا على الرحيل نحو وطنهم، فمروا ببيت الإمام عليه السلام، ورأوا أن الإمام ما زال في سفره، ومن جهة أخرى الوقت لا يسعهم فلابد من العودة إلى بلادهم ومغادرة المدينة، فطلبوا المسائل من بيت الإمام عليه السلام، وترك الإجابة لها في وقت لاحق ورحلة أخرى، وإذا بالسيدة فاطمة المعصوم عليها السلام تسلمهم المسائل، ولكن قد أجابت عليها، فتوجهوا قاصدين ديارهم فرحين مسرورين غير خائبين، وفي أثنا الطريق التقوا بالإمام الكاظم عليه السلام وكان عليه السلام في عودته إلى المدينة فحكوا ما جرى لهم فطلب منهم جواب المسائل، فما أن نظر إليها قال ثلاثاً مؤيداً لما أجابته السيدة فاطمة المصومة عليها السلام لتلك المسائل: فداها أبوها ،فداها ابوها ، فداها ابوها.
وهي كذلك، کانت السيده فاطمه بنت الإمام الکاظم عليهما السلام عالمة محدّثة راوية للحديث، فروت عن آبائها الطاهرين عليهم السلام، و رووا عنها جماعة من أرباب العلم والحديث روايات وأحاديث مهمة في العقائد وإثبات الإمامة، كحديث الغدير و حديث المنزلة وغيرها، فمن تلك الأحاديث ما رواه الصدوق في الأمالي عن فاطمه بنت موسى، عن عمر بن علي بن الحسين، عن فاطمه بنت الحسين عليه السلام، عن أسماء بنت أبي بکر، عن صفيه بنت عبد المطلب، قالت: لمّا سقط الحسين عليه السلام من بطن أمّه وکنت وليتها قال النبي: “يا عمّه هلمّي إلي ابني”، فقلت: يا رسول الله، إنّما لم ننظِّفه بعد، فقال: “يا عمّه أنت تنظّفيه؟! إنّ الله تبارک وتعالى قد نظّفه وطهَّره” (3) و كانت تتصف بالصبر ، وهذا ما ورثته من عمتها زينب بنت اميرالمؤمنين عليه السلام وخاصة إذا أمعنا النظر ودققنا في صفحات التاريخ فنشاهد هناك مشتركات بينها وبين زينب عليها السلام، فقد فتحت هذه السيدة عينيها على الدنيا في أيام محنة أبيها، وقد أحاطت به الخطوب، فارتسمت حياتها بالحزن والأسى، وإذا كان عمرها (عليها السلام) ست سنوات يوم قبض على أبيها فهي في سنّ تدرك فيه غياب الأب عن البنت، و بعدها فراق أمامها وأخوها و حبيبها الإمام الرضا سلام الله عليه في سنة 200هجري عندما جلبه المأمون.
ففي سنة 201خرجت سيدة المعصومة من المدينة المنورة قاصدة أخيها في خراسان ولكن في أثناء الطريق عندما وصلت قريب مدينة قم في قرية اسمها ساوة مرضت السيدة (و فيه اقوال ) (4)، فسألت عن قم وكم بينها وبينهم، فتوجهت بقافلتها إلى تلك المدينة، فلما لاحت القافلة إلى أهل قم، جاء أحد القميين إلى "موسى بن خزرج" - والذي كان حينها يمثل أهل قم – مبشراً إليها وصول قافلة بنت الإمام الكاظم عليه السلام وأن البركة حلت في بلدتكم، فجاء موسى بن خزرج مسرعاً مرحباً بقدومها فأخذ زمام ناقة السيدة المعصومة عليها السلام مفتخرا، وقادها إلى المدينة التي كانت تنتظر قدوم أخت الإمام الرضا عليه السلام. وكان موسى بن خزرج انذاك ذا يسر وبيت، فأنزل السيدة في داره وتكفل بضيافة السيدة المعصومة عليها السلام ومن معها. وقلبه مليئ بالبهجة والسرور حيث أصبح خادماً ومستضيفاً لأخت الإمام الرضا عليه السلام، فأعد لهم ما يحتاجونه، وكان ذلك بقبول من السيدة المعصومة حتى اتخذت معبداً لها في منزل موسى بن خزرج لكي تبتهل إلى الله وتعبده وتناجيه وتشكو إليه آلامها وتستعينه على ما ألم بها.
وقد أرخ هذا اليوم - وهو وسام الفخر لأهالي قم - وكان 23 من شهر ربيع الأول سنة 201 هـ حيث وصلت قافلة السيدة المعصومة إلى مدينة قم، فاستقبلها الناس بحفاوة بالغة، وكانوا مسرورين بهذا التبرك، فمضى على هذا المنعطف التاريخي سنين طوال ولكنها لم يغب عن أذهان أهالي هذه البلدة الطيبة وهم ما زالوا يلمسون تلك البركة شاهدين على أنفسهم، فيقيمن حفلات، وهناك تشابيه تمثل قاقلة السيدة الجليلة فاطمة المعصومة إحياءاً لذكرى ذلك الحدث العظيم، فيوزعون الحلويات والشكلات، فيلتزمون أهالي هذه المدينة بزيارتها في مثل هذا اليوم أي يوم قدومها في مدينتهم، ويستقبلون التشابيه و بأيديهم الورود والأزهار مرحبين لها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. اصول كافي، ج1، ص32
2. اصول كافي، ج1، ص33
3. الأمالي، الصدوق، ص 199
4. تاريخ قم، ص 565
التعلیقات