دور الأسرة في بناء المجتمع الفاضل
موقع نور فاطمة (ع)
منذ 8 سنواتالقسم الأول : أصناف الأُسرة عند علماء الاجتماع .
قال الله تبارك وتعالى: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ) صدق الله العليُّ العظيم.
إنّ البحث الذي سنتعرض له -
إن شاء الله- في ضمن حلقات متعددة يرتبط بالأُسرة, التي هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع, ولذا صلاح الأُسرة يُعد الخطوة الأولى والركيزة لصلاح وتقدم المجتمع, ومن خلال هذا المنظور سنستعرض بعض البحوث في الأُسرة, نظراً لأهميتها القصوى في الواقع الاجتماعي.
تحديد الأُسرة عند علماء الاجتماع.
الأُسرة في اللغة هي الأرحام, أي ما يشمل الزوج والزوجة والأبناء والأقارب, إلا أنّ معناها في علم الاجتماع الحديث يختلف عن تحديدها في اللغة، كما أنه يختلف -أيضًا- عن تحديد الشارع المقدس لها, ولذا، حدد علماء الاجتماع الأسرة، بأنها جماعة تُحددها علاقة جنسية مُحكمة وعلى درجة من تحمل المسؤولية تُمَكِنُ هذه الأسرة من إنجاب الأطفال وتربيتهم، إلا أنّ الأُسرة بهذا التحديد تكاد ألا تشمل إلا الزوج والزوجة, بينما نجد أنّ أحدث النظريات في علم الاجتماع تُؤكد أنّ الأُسرة تتألف من الزوج والزوجة والأولاد, وهذا الرأي هو الذي استقر عليه العلماء مؤخراً. ونحن أيضًا نريد باصطلاح الأسرة ما يشمل الزوج والزوجة والأولاد فقط. والذي يُؤيد هذا الاصطلاح هو بعض المعاني اللغوي للأُسرة التي تأتي بمعنى الدرع أو الدرع الحصينة, ومن الواضح أنّ هذا المعنى اللغوي أُسبغ وأُعطي للأُسرة المكونة من زوج وزوجة وأولاد, وحتى أيضًا الأقارب, لما لهذا التكوين من وقاية ودَرء ٍللمخاطر التي يتعرض لها الفرد, فالأسرة تُشكل وقاية ودرعًا من المخاطر التي تواجه هذه اللُحمة المتفق عليها بين أفراد هذه الأسرة.
أقسام الأُسرة :
والأسرة في البحوث الحديثة تقسم إلى أقسام سنستعرض بعضها باقتضاب يسير:
القسم الأول : الأسرة النابذة.
ومعنى الأسرة النابذة هي الأسرة التي لا ترتاح إلى الأطفال بل تَمُجهم, وهذا على خلاف الطبيعة والتكوين النفسي, لأنّ الإنسان بطبعه يميل ويحب الأطفال, إلا أنّ بعض الأُسر الشاذة تنبذ الأطفال, ولا تُغدق عليهم بالحنان والمحبة والمودة, كما أنه أحياناً لا يتعامل مع هؤلاء الأطفال على أساس التقدير والاحترام لشخصياتهم, وفي الغالب فإنّ المجرمين وأصحاب العلاقات السيئة إنما ينحدرون من أُسرٍ نابذة, لأنّ النبذ بأي درجة من الدرجات له مردود سلبي على شخصية وسلوك الأطفال.
القسم الثاني : الأسرة القابلة.
وهي على العكس من الأُسرة النابذة, أي في مقابل القسم الأول, فهي التي تتعامل بالأسلوب الراقي والبنَّاء الذي يُشكل أحد الركائز الأساسية في تكوين شخصية الطفل. ولذا نجد أنّ هذه الأسرة هي التي تُنجب الأفراد الصالحين ورجال العلم , والزوجات الصالحات والقادرات على بناء مجتمع صالح.
القسم الثالث: الأسرة المستبدة.
ونقصد بالأسرة المستبدة هي الأسرة التي تتعامل بالطريقة التي تُضعف شخصية الأولاد, وتحاول أن تجعلهم يُطبقون جميع ما يصدر من أوامر الأبوين, وهذه الأسرة المستبدة تجعل السلوك الذي يسلكه الأطفال سلوكًا مرآتياً, أي يعكس سلوك الأبوين في الغالب، وأيضاً تترتب عليه بعض الآثار الخطيرة, التي من أهمها أن يفقد هؤلاء الأطفال روح المسؤولية, ويشعرون بالنقص والارتباك وسهولة الانقياد للأوامر المتلقاة من الآخرين, حتى وإن كانت هذه الأوامر ستعود عليهم بالضرر الكبير، لأنهم يُطبقون نظاماً عسكرياً قائماً على الاستبداد, وليس نظاماً يقوم على المودة والاحترام, وتبادل المسؤولية.
القسم الرابع : الأسرة المسرفة.
وهي المُبالغة في الحفاظ على الطفل , فهناك بعض الأسر لا تتعامل بالتعامل الطبيعي, بل تُحاول أن تُسبغ على الطفل مزيداً من الحنان الذي يفوق الحد الطبيعي, وهذه الأسرة سميت بالأسرة المسرفة لأنها تُغالي في إسباغ الحنان والمحبة على الطفل وتنفيذ كل رغباته بدون حدود، وهذا بدوره سيؤدي إلى تحجيم طاقات الطفل وبالتالي لن يأخذ دوره في الحياة بشكل طبيعي ومعتدل, كذلك، إنّ أغلب الذين يصابون بالعقد النفسية والمشاكل المتعددة هم نتاج طبيعي لنوع من الإسراف في التعامل من لدُن الأب أو الأم, أي التعامل الذي لا يقوم على الوسطية والاعتدال في إغداق المحبة والحنان, وإنما يقوم على المبالغة وإضفاء أكثر مما يحتاجه الطفل من العواطف التي تبني شخصيته. وهو ما نطلق عليه في عرفنا الحالي بالتدليل, فنقول: إنّ هذا الولد مُدلل فوق الحد اللازم. فالتدليل في الغالب يُنتج شخصية تتهرب من مسؤولياتها, فهي لا تواجه مصاعب الحياة وعقباتها حتى تجتازها، بل تنتظر من الأبوين تحمل هذه المسؤولية وتخليصها من هذه المصاعب، بل نجد البعض قد يصل إلى مرحلة الشباب وهو مازال يتكل ويعتمد على الأبوين ويلجأ لهما مع أنه قد يكون مستقلاً عنهما من ناحية السكن والمورد المادي ولكن لا يمتلك الشخصية القادرة على مواجهة المصاعب والمشاكل ولا يستطيع الاعتماد على نفسه.
القسم الخامس : الأسرة الديمقراطية.
وهي في قِبال النمط الرابع, فهي تشبه العملية الديمقراطية في الواقع السياسي, إلا أنها هنا على نطاق ضيق وفي إطار مجتمع الأُسرة الصغير. ونجد أنّ من أولويات هذه الأسرة هي تهيئة الطفل حتى يستطيع التكيف مع الواقع الاجتماعي بإيجابياته وسلبياته، كي يُسهم في تنمية الجانب الإيجابي من مجتمعه, ويُقلل من الجانب السلبي فيه، باعتباره تربى على المشاركة في إبداء آرائه بحرية تامة واحترام الرأي الآخر. وهذه الأسرة في الغالب هي التي تُخرّج العظماء من الناس والمُبدعين الذين يستطيعون أن يرتقوا بمجتمعاتهم إلى الأمام. ولكننا بالرغم من وجود هذه الأُسر نريد لمجتمعنا أن يأخذ كل الإيجابيات في الأسرة القابلة والأسرة الديمقراطية حتى يتكون من مزيج هاتين الأُسرتين أفراد قادرون على بناء مجتمع صالح, وهذا المكون الاجتماعي الحاصل من الجمع بين الأسرة القابلة والأسرة الديمقراطية يرتكز أساساً على تحمل المسؤولية من قِبل الأبوين، وهذا الشعور بالمسؤولية ينبثق من فهم روح التشريع الإسلامي, الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله بقوله: ((خَيرُكُم، خيَركُم لأهلهِِِ, وأنا خَيركُم لأَهلِهِ)), وهو بهذا الحديث الشريف يشرح مُبيناً قوله تعالى: ( هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ). فاللباس هو الذي يُضفي الستر والجمال والزينة, كما أنه يُضفي البهجة والسرور والاستقرار النفسي, ولذلك نجد الناس في أعيادهم يلبسون أنواعاً من الثياب أو الألبسة الجميلة التي تُضفي هذه البهجة على نفوسهم. وهذا بالضبط هو الذي يحصل بين الزوج والزوجة، فإذا كان كل منهما يُمثل المصداق لكلمة لباس التي وردت في الذكر الحكيم, فإنه سيكون مصداقًا أيضاً لقوله صلى الله عليه وآله: ((خَيرُكُم، خَيرُكُم لأَهَلِهِ, وأنا خَيرُكُم لأَهَلِهِ)), أي إنّ الإنسان كلما استطاع أن يُعطي بلا حدود لزوجته , وكلما استطاعت الزوجة أن تُعطي بلا حدود لزوجها, كلما أضفى جوّاً من البهجة على البيت الأسري الذي بدوره سوف ينعكس على الأطفال ويُؤثر إيجاباً في بناء شخصيتهم, وبالتالي يُسهم في تكوين مجتمع صالح . وللكلام تتمة إن شاء الله, ستأتي في حلقات لاحقة.
التعلیقات