الحسد
مجلة الزهراء عليها السلام
منذ 8 سنواتتعجبت عندما طلبت مني وفاء، في الهاتف ان نلتقي في البيت على انفراد، كانت تصرّ على مقابلتي لوحدي، خاصة في غياب صديقتنا المشتركة آمال. كنت أنا وآمال ووفاء، زميلات في الثانوية، نجلس على رحلة واحدة.
وعندما تخرّجنا من الثانوية تزوجت وفاء مباشرة. اما أنا وآمال فلم نوفّق في دخول الجامعة. لهذا بدأنا ندرس لامتحانات القبول.
كان أبي موظفاً وأمي ايضاً، وكانت اختي تذهب إلى المدرسة صباحاً.
لهذا كان منزلنا مناسباً للدراسة، وكانت آمال تأتي في الصباح وتذهب عند الظهر ثم تعود في العصر وتذهب إلى منزلها في الغروب.
كنت قد فرغت لتوي من الطبخ، عندما رنّ جرس الباب، عرفت انها وفاء، فقد اخبرتني بالحضور في مثل هذا الوقت.
كانت قد مضت مدّة طويلة على لقائنا آخر مرة، لهذا فقد فرحت بها كثيراً ورحبت بها بشوق بالغ.
ورحت استعيد معها ذكريات الدراسة معاً في الثانوية وكانت ذكريات حلوة.
تناولنا الغذاء وتحدثنا معاً عن كل شيء، بعد ذلك طلبت مني ان اصغي بدقة لما تقول لانها كانت تودّ العودة الى منزلها بسرعة.
وخلاصة القول انها خطبتني لأخيها سعيد.
لم أكن اعرف سعيداً ولم أره أبداً، كل ما أعرفه مجرّد اطراف من الاحاديث على لسان اخته.. وانه يدرس الهندسة.
كانت وفاء صديقتي الحميمة، ولكني شعرت بالخجل عندما طرقت موضوع الخطوبة... لذت بالسكوت ولكنها كانت تشدّد عليّ في ان اوافق فقلت:
ـ ينبغي مفاتحة أبي وأمي بالموضوع اولاً.
قالت وهي تضحك:
ـ نعم هذا صحيح ولكن اودّ ان اعرف رأيك اولاً.
ـ ولكني لم اره حتى هذه اللحظة!
اخرجت من حقيبتها صورة صغيرة.. كان وسيماً الى حدّ ما، ووجدت نفسي اقول مترددة:
ـ حسناً اذا وافق والديّ فلا مانع لدي.
وقفزت وفاء سعيدة وودعتني على عجل وتركتني اسرح مع افكاري وهواجسي.
لم تمض سوى دقائق حتى علا صوت الجرس مرة اخرى وكانت آمال خلف الباب كعادتها.
كان علينا ان نستعيد درس الصباح، ولكنها اكتشفت في وجهي الساهم، شرودي، وراحت تحاصرني بسيل من الاسئلة، ولم اكتمها فاخبرتها بكل شيء.
ولم افاجىء باستئذانها بالانصراف لأنني كنت غير مستعدة للمطالعة او ان اقرأ سطراً واحداً.
لهذا لجأت الى غرفتي ورحت أفكر، لقد كان من المقرر أن تتصل اسرة وفاء بنا قبل المساء.
في اليوم التالي وعندما غادر أبي وامي البيت، جاءت آمال على عجل، وقالت أنها تريد ان تحدّثني بموضوع هام، وكان الموضوع هو أنها تخطبني لخالها الذي عاد من الخارج حديثاً بعد ان حصل على شهادة الماجستير.. وقالت آمال انها تعرفني جيداً، من أجل هذا حبّبت لخالها خطوبتيّ
قلت بلهجة يشوبها المزاح:
ـ يبدو ان هناك مسابقة للفوز بي!!
ـ كنت اظنّك لا تفكرين بالزواج من اجل هذا اسرعت اليك ولا اكتمك يا عزيزتي ان سعيداً هذا قد خطبني قبلك ولكن اسرتي تحققت في الامر، فلم نقف له على شيء، لا احد يعرف اين سعيد واين يدرس، الامر غامض.. عليك ان تكوني على حذر ولا تخدعك وفاء بكلماتها المعسولة.
ـ ماذا افعل؟ سوف يأتون للخطوبة.
قالت آمال:
ـ قولي لها انني عدلت عن الزواج.
فكرت للحظة، ان آمال صادقة.. لماذا كانت وفاء تصر على ان تحدّثني في غياب آمال؟!
ثم ان سعيداً هذا قد ظهر فجأة.. وهكذا تحوّل كل شيء الى شك، وغادرت آمال، ثم اتصلت امها فيما بعد وتعيّن موعد الخطوبة في آخر الاسبوع، وكان أبي عصبياً ازائي.
في يوم الجمعة، جاءت الاسرة وجاء شهاب خال آمال، كان في الثلاثين من عمره، يبدو خجولاً، امضى وقت اللقاء مطرقاً برأسه ينظر إلى السجادة! لم ينبس ببنت شفة ولكن اسرته تحدّثت بما فيه الكفاية ولم تغادر منزلنا الا بعد أن انتزعت منّا الموافقة على الزواج.
وتحدّد موعد لشراء خاتم الخطوبة.
اتصلت وفاء عدة مرات، وكنت اجيبها سلباً ببرود، وكنت اشكر الله في نفسي، انني لم اخدع بكلمات وفاء ودفع في طريقي آمال لتنقذني من تلك الورطة!
ومرّت الايام بسرعة، ورأى أبي اصراري على الزواج من شهاب وتحدّد موعد شراء خاتم الخطوبة بشكل نهائي.
وكان شهاب ما يزال مستمراً في خجله وسكوته وكان يرفض الدخول في محلاّت الصاغة والمجوهرات!
واستنكرت امي مسلكه قائلة:
ـ لا ادري معنى لوقوف شهاب خارج المحل.. وقالت أم آمال: لا بأس في ذلك انه خجول جداً!
وتصورت أن زوجي سيكون اطوع في بناني من خاتم الزواج! وهو ما تتمناه بعض الفتيات، سيكون شهاب ألين من الشمع.
وعندما دخلنا احد محلاّت الصاغة، اختفى شهاب فجأة.
ورأيت الشك يبرق في عيني امي، ولم نر شهاب بعدها.
جاءت أم آمال الى بيتنا وحيدة لتأخذنا الى السوق كي نشترى خاتم الزواج!
وغضبت امي لهذا المسلك، ان شيئاً ما يدور في الخفاء وبدا شهاب لغزاً يحتاج الى حلّ.
بعد اسبوع واحد، ظهرت الحقائق سافرة، لم يكن شهاب، ذلك الخجول، سوى لص خطر!!! لصّ مسلح سطا على كثير من محلاّت الصاغة، من اجل هذا اختفى فجأة في سوق الصاغة، ولقد قضى سنوات عديدة في السجن، وكانت عودته من الخارج مجرّد خرافة واساطير!
واصبت بما يشبه الصدمة، لقد كنت على شفا هاوية ما لها من قرار، لو قدّر لي الارتباط بهذا المخلوق التافه.
لقد خدعتني آمال.. آمال صديقتي الحميمة!
وعندما فتشت في تلافيف فمي عن تفسير لذلك لم اجد غير شيء واحد فقط (الحسد) لقد اردت حرماني من ذلك الشاب الطيب سعيد الذي اصبح مهندساً.
واتصلت بصديقتي وفاء واعتذرت، لقد مرّت ثلاثة شهور على تلك الحادثة وقد تعيّن موعد الخطوبة وسوف يأتي سعيد مع اسرته.
التعلیقات