مقوّمات الحياة الزوجية
موقع فاطمة
منذ 8 سنوات
مقوّمات الحياة الزوجية
إنّ الخلافات التي تحصل في الحياة الزوجيَّة غالباً ما يكون سببها: إمّا عدم معرفة الأسس التي يقوم عليها الزواج؛ بحسب نظر الشريعة الإسلامية،
وإمّا بسبب النقص في التربية الدينية أو قيام أحد الزّوجين أو كليهما بأمورٍ تُسبِّب الأذى للشريك الآخر. لذا، ينبغي على الزوجين التعرُّف على أهمّ المقوِّمات الصحيحة التي تقوم عليها الحياة الزوجيَّة.
وانطلاقاً ممّا ورد في القرآن الكريم والأحاديث الشريفة، فإنّ مقوّمات الحياة الزوجيَّة يمكن أن نلخّصها على الشكل التالي:
المودّة والمحبّة
ينبغي أن تسود الحياةَ الزوجيَّة روح المودّة والمحبَّة والصَّفاء، لأنَّ الحياةَ الخالية من الحبّ لا معنى لها. والمودَّة من وجهة نظر القرآن؛ هي الحبّ الفعّال، لا ذلك الحبّ الذي يطفو على السطح كالزَبَد. فالحبّ المنشود هو الحب الذي يضرب بجذوره في الأعماق، والذي يظهر من القلب إلى الحياة بواسطة الأعمال. إنّ الإسلام يُوجب أن نبرز عواطفنا تجاه من نُحبّهم، وهو أمر تتجلّى ضرورته في الحياة الزوجيَّة؛ فالمرأة، ـ كما يؤكِّد الحديث الشريف ـ لا تنسى كلمة الحبّ التي ينطقها زوجها أبداً، فعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "قول الرجل لزوجته إنّي أحبّك لا يذهب من قلبها أبداً"1.
وقد يبدو للبعض ـ جهلاً ـ أنّ إظهار العاطفة بين الزوجين أمر يدعو إلى السخرية؛ انطلاقاً من كون المسألة واضحة لا تحتاج إلى دليل، ولكن حقيقة الأمر على العكس
من ذلك تماماً؛ فعلى الرغم من وجود العاطفة والحبّ بين الزوجين، إلا أن التعبير عنه أمر في غاية الضرورة، حيث يعزّز من قوّة العلاقات الزوجيَّة ويزيدها متانة ورسوخاً.
يقول السيد الطباطبائي{ في تفسيره الميزان في تفسير قوله تعالى: ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَة﴾، "المودّة؛ كأنّها الحبّ الظاهر أثره في مقام العمل، فنسبة المودّة إلى الحبّ؛ كنسبة الخضوع الظاهر أثره في مقام العمل إلى الخشوع الذي هو نوع تأثُّرٍ نفسانيٍّ عن العظمة والكبرياء.. ومن أَجَلِّ موارد المودّة والرحمة: المجتمع المنزلي؛ فإنّ الزوجين يتلازمان بالمودّة والمحبّة، وهُما معاً، وخاصّة الزوجة، يرحمان الصغار من الأولاد؛ لما يريان ضعفهم وعجزهم عن القيام بواجب العمل؛ لرفع الحوائج الحيوية، فيقومان بواجب العمل في حفظهم، وحراستهم، وتغذيتهم، وكسوتهم، وإيوائهم، وتربيتهم. ولولا هذه الرحمة لانقطع النسل، ولم يعش النوع قط"2.
وروي عن الرسول صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "اتقوا الله في الضعيفين؛ اليتيم والمرأة، فإنّ خياركم خياركم لأهله"3.
وعنه صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال أيضاً: "من اتخذ زوجة فليكرمها"4.
وروي عن الإمام أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: "البشر الحسن وطلاقة الوجه؛ مُكسِبة للمحبّة وقُربة من الله عزّ وجلّ، وعبوس الوجه، وسوء البشر؛ مكسبة للمقت وبُعد من الله"5.
التعاون والتفاهم
إنَّ أساس الحياة الزوجيَّة يقوم على التعاون، ومساعدة كلّ من الزوجين للآخر في جوٍّ من الدعم المتبادل، وبذل أقصى الجهود؛ لأجل حلّ المشاكل، وتقديم الخدمات المطلوبة. وصحيح أنّ للزوج وظيفته المحدَّدة، والزوجة هي الأخرى لديها وظيفتها المحدّدة، ولكنَّ التعاون والتفاهم يلغيان هذا التقسيم ويجعلان كلّاً منهما نصيراً للآخر وعوناً له، وهذا ما يُضفي على الحياة جمالاً وحلاوة، إذ ليس من الإنسانية أبداً أن تجلس المرأة قرب الموقد وتنعم بالدفء في حين يكافح زوجها وسط الثلوج، أو بالعكس، بذريعة أنّ لكلٍّ منهما وظيفته!
فلا بدّ من إرساء نوع من التوافق والتفاهم بينهما، حيث تقتضي الضرورة أن يتنازل كلّ طرف عن بعض آرائه ونظريّاته لصالح الطرف الآخر في محاولة لردم الهوّة التي تفصل بينهما، ومدّ الجسور المشتركة، وأن لا يُبدي أيّ طرف تعصّباً في ذلك ما دام الأمر في الدَّائرة الشرعية التي يُحدِّدها الدِّين.
روي عن الإمام الرضا عليه السلام: "واعلم أنّ النساء شتّى؛ فامرأة ولود ودود تُعين زوجها على دهره لدنياه وآخرته ولا تُعين الدَّهر عليه، وامرأةٌ عقيمةٌ لا ذات جمال ولا تُعين زوجها على خير، وامرأة صخَّابة ولَّاجة همَّازة تستقلُّ الكثير ولا تقبل اليسير وإيّاك أن تغترَّ بمن هذه صفتها"6. وفي هذه الرواية إشارة لطيفة إلى ضرورة أن تكون المرأة متعاونة مع زوجها؛ فتعينه على دنياه، كما تعينه على آخرته.
ومن مصاديق التعاون: خدمة العيال في شؤون معيشتهم وحياتهم اليومية، فقد ورد في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "يا علي لا يخدم العيال إلا صدّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة"7.
حُسن المعاشرة
الزواجُ بدايةُ مرحلة جديدة من المعاشرة تنتهي في ظلالها عزلة الرجل والمرأة، ويبدأ عهد جديد من الأُلفة والأنس بينهما؛ وعلى أثر ذلك يحصل نوع من التقارب بين أفكار الزوجين ورؤاهما، كذلك الأمر بالنسبة لتوجهاتهما والخطط المستقبلية لحياتهما المشتركة.
وقد حثّ الإسلام على معاشرة المرأة بالمعروف؛ وذلك من خلال عدد ضخم من المفاهيم الأخلاقية والتربية السلوكية، ومن هذه المفاهيم:
1. العِشرة الحسنة: إنّ الحياة الزوجية السليمة هي الحياة التي يعيش فيها الزوجان بتناغم وتفاهم كبيرين، والعنوان الأبرز لهما هو: ألّا يسيء أحدهما للآخر، بل يحرصان على أن يكون الإحسان هو الهدف الحاكم على سير الحياة الزوجية بينهما، قال الله تعالى: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا﴾8. وروي عن الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم أنّه قال: "خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي"9. وروي عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في وصيّته لمحمد بن الحنفية: "إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة، فدارها على كلِّ حال، وأحسن الصحبة لها، فيصفو عيشك"10.
2. الإكرام والرحمة: عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "من اتخذ زوجة فليكرمها"11، وعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال: "لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء في ما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة؛ ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها"12.
فمن أدنى حقوق الزوجة إكرامها، والرفق بها، وإحاطتها بالرحمة، والمؤانسة. قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام: "وأمّا حقُّ رعيّتك بملك النكاح، فأن تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقّك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم في ما أحبّت وكرهت ما لم تكن معصية، فإنّ لها حقّ الرحمة، والمؤانسة، وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لا بدّ من قضائها" 13.
3. عدم استخدام القسوة: نهى الرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم عن استخدام القسوة مع المرأة، وجعل من حقّ الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها، ففي جوابه على سؤال خولة بنت الأسود حول حقّ المرأة، قال: "حقّكِ عليه أن يُطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم، ولا يصيح في وجهك"14. وقال صلى الله عليه واله وسلم: "خير الرجال من أُمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم"15.
المداراة وضبط النفس
يؤدّي اختلاف المشارب والأذواق بين الزوجين إلى ظهور الاختلافات والنزاعات بينهما، بل يمكننا القول: إنّ الحياة الزوجيَّة التي لا تشهد نزاعاً أو تصادماً بين الطرفين أمر خيالي بعيد عن الحقيقة.
يُوصي الإسلام في حالة بروز نزاعٍ عائليٍّ أن يلجأَ أحد الطرفين إلى الصمت، وأن يغضّ الطرف عن أخطاء الطرف الآخر، وأن يتعامل معه بما يرضي الله تعالى ورسوله صلى الله عليه واله وسلم.
إنَّ الحياة الزوجيَّة ترافقها المشاكل، ولا يمكن تحمّلها إلا بالصبر، وضبط النفس،
والتسامح، وغضّ الطرف قليلاً عن أخطاء الطرف الآخر.
وقد حثّت الروايات الشريفة كثيراً على الصبر عند وقوع الخلاف؛ قولاً كان أم فعلاً. روي عن الإمام محمد الباقر عليه السلام أنّه قال: "من احتمل من امرأته ولو كلمة واحدة، أعتق الله رقبته من النار، وأوجب له الجنّة"16.
التزيّن
من الضروري جدّاً أن يراعي الزوجان زينتهما ومظهرهما، وأن يحاولا الظهور بالمظهر اللائق أحدهما أمام الآخر. فهناك العديد من النسوة اللائي انحرفن عن جادة العفّة؛ بسبب إهمال أزواجهنّ لهذا الجانب الحسّاس من الحياة. فعن الإمام الكاظم عليه السلام: "إنَّ التهيئة ممّا يزيد من عفّة النساء، ولقد ترك النساء العفّة بترك أزواجهنّ التهيئة"17.
كما ورد عن الإمام الباقر عليه السلام توصية للرجل بتوفير الزينة لزوجته حتى لو اقتصر الأمر على قلادة. يقول عليه السلام: "لا ينبغي للمرأة أن تعطِّل نفسها؛ ولو أن تعلّق في عنقها قلادة"18.
مراعاة إمكانيات الشريك
قال تعالى: ﴿وَلَا يكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾19. على الزوجة أن تراعي إمكانيات الزوج في النفقة وغيرها، فلا تكلّف الزوج ما لا يطيقه من أمر النفقة، فإنّ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال في هذا الصدد: "أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلّا أن تتوب وترجع وتطلب منه طاقته"20.
ونِعمَ الواعظ في ذلك ما ورد في سيرة الزهراء سيدة نساء العالمين، ففي الخبر عن أبي سعيد الخدري، قال: "أصبح علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ساغباً، فقال يا فاطمة هل عندك شيء تغذّينيه؟ قالت: لا والذي أكرم أبي بالنبوّة وأكرمك بالوصية ما أصبح الغداة عندي شيء، وما كان شيء أَطعمنا مذ يومين إلا شيء كنت أؤثرك به على نفسي وعلى ابنيَّ هذين الحسن والحسين، فقال علي عليه السلام: فاطمة: ألا كنت أعلمتيني فأبغيكم شيئاً، فقالت: يا أبا الحسن إني لأستحي من إلهي أن أكلّفك ما لا تقدر عليه" 21.
وكذلك الحال بالنسبة للزَّوج، عليه أن يراعي إمكانات زوجته النفسية والجسدية والعاطفية؛ لأنّ الله لا يكلِّف نفساً إلا طاقتها وإمكاناتها؛ وهي سنّة الحياة التي لا تقبل الجدل، ومن يعاندها فلا محالة سوف يقع في الأخطاء الكبيرة.
فلا بدّ أن يُقَدِّر ظروفها في المرض والعافية، والقوّة والضعف، والليل والنهار، وشغلها وفراغها، وغير ذلك؛ لأنّها قوانين الخِلْقَة؛ وكلّ إنسان له مزاجه، وله تداعياته النفسية، وله كرهه وحبّه، وانزعاجه ورضاه، وقلقه وطمأنينته.
ما تقدّم هو بمثابة أهمّ الأسس والمبادئ التي تبتني عليها الحياة الزوجية السعيدة. وهو ما ينبغي أن يلتفت إليه الزوجان بشكلٍ أساس، فيقومان بالتعرّف على هذه المبادئ قبل بدء حياتهما الزوجية، إذ لا يمكن أن تستقرّ دعائم حياة الزوجين إلا عبر معرفة هذه الأسس والمبادئ. والإسلام الذي هو خاتم الأديان السماوية قد وضّح هذه المبادئ وبيّنها في القرآن والسنّة الشريفة. والنبي الأكرم صلى الله عليه واله وسلم وعترته الطاهرة عليهم السلام هم نماذج مضيئة في سماء البشرية من حيث تطبيق نظرة الإسلام للزواج وبناء الأسرة.
ولا نخفي سرّاً إذا قلنا بأن تطبيق هذه المفاهيم يحتاج إلى إرادةٍ صلبة، ومقدار كبير من التنسيق والتفاهم على إنجاح العلاقة الزوجية، وإلا فلا يمكن لأيّ من الطرفين أن يقوم بمسؤولياته وأن يؤدّي واجباته بالشكل الملائم.
المفاهيم الرئيسة
1. الحياة الزوجية السعيدة ينبغي أن تكون مبنيّة على أسس متينة عمادها التعاليم التي أرساها الإسلام وطبّقها أهل بيت العصمة عليهم السلام، وأما إذا كانت الحياة الزوجية مبنيّة على الأهواء النفسية السلبية والتحكّم الشخصي؛ فإنّه لن يُكتب لها النجاح والكمال.
2. على الزوجين أن يعيشا تحت ظلّ المودَّة، والتي هي عبارة عن الحبّ الفعّال، لا ذلك الحب الذي يطفو على السَّطح كالزَّبد، بل الذي تتجلّى حقيقته في الممارسة العملية في الحياة اليومية لكلا الزوجين.
3. إنّ التعاون بين الزوجين أسلوب يساعد على إشاعة جوّ من الراحة والألفة والتضافر بين أفراد العائلة، ومن مصاديق التعاون: خدمة العيال في شؤون معيشتهم وحياتهم اليومية من قِبَل الرجل.
4. لقد نهى الرسول صلى الله عليه واله وسلم عن استخدام القسوة مع المرأة، والتعرّض لها بالضرب والإهانة. وأوصى الإسلام في حالة بروز نزاعٍ عائليٍّ أن يلجأَ كلا الزوجين أو أحدهما إلى الحلول الدينية والتربوية الصحيحة.
5. من الأساليب المهمّة التي تفيد في تقوية العلقة العاطفية بين الزوجين، هو أن يقوم كلّ منهما بالتزيّن والتجمّل للآخر، وأن يبتعد عن كلّ ما ينفرّ الطرف الأخر على مستوى الشكل والمظهر.
6. على كلّ من الزوجين أن يرفق بالآخر ويداريه؛ فلا يكلّف أحدهما الآخر ما لا طاقة له به على كلا المستويين المادّي والمعنوي.
للمطالعة
هذا هو الإسلام
الإسلام أيضاً دين الجميع، أي: جاء ليأخذ بيد الإنسان إلى الصورة المنشودة، فهو يريد أن يُحقّق له صورة متوازنة لا يظلم فيها الإنسان أخاه الإنسان حتى بمقدار رأس إبرة.. لا يظلم فيها الإنسان طفله... لا يعتدي على حقوق زوجته.. والزوجة لا تتعدّى حدودها مع زوجها... الأخ لا يعتدي على حدود أخيه. وهؤلاء لا يعتدون على إخوتهم ورفاقهم. الإسلام يريد للإنسان أن يكون إنساناً عادلاً بتمام معنى الكلمة، أي يكون عقله عقل إنسان، وروحيته روحية إنسان، ومظهره مظهر إنسان ومتخلّقاً بأخلاق الإنسان.
نحن بحاجة إلى مثل هذه الرسالة التي تأخذ بيد الإنسان في مدارج الكمال الإنساني منذ اللحظة التي يولد فيها، فهل تجدون في العالم مثل هذه الرسالة وهذا الدين؟ دين يبدي رأيه بشأن بناء الإنسان حتى قبل زواج أبويه.
إنّ المذاهب الموجودة في العالم قاطبة تحصر اهتمامها بالإنسان البالغ الذي وصل إلى مرحلة من الفهم والإدراك، بيد أنّ الإسلام يضع أحكاماً للإنسان قبل أن يولَد، إذ إنّه يُحدّد للأبوين قبل الزواج طبيعة الشخص الذي يختاره كلّ منهما، يقول للفتاة أيّ زوج تختار، ويحدّد للشاب مواصفات الزوجة المطلوبة. لماذا يفعل الإسلام ذلك؟ لأنّ كلّاً من الشاب والفتاة سيكونان منشأً لأفراد آخرين. الإسلام يريد لهذا الفرد الذي سيلتحق بالمجتمع أن يكون صالحاً، فقبل أن يتزوّج الشاب يُحدّد له الصورة التي ينبغي أن تكون عليها المرأة، وهكذا بالنسبة للفتاة، يُعيّن لها ملامح شخصية الشاب الذي ينبغي أن ترتبط به، ما هي أخلاقه، ما هي أفعاله... وما هي أخلاق الفتاة وسلوكها، وفي أية أسرة تربّت... وبعد أن يتمّ الزواج يُحدّد لهما صورة العلاقة بينهما، ثم يُبدي رأيه بطبيعة الفترة التي تسبق الحمل، ما هي آداب فترة الحمل، وآداب الولادة والحضانة والرضاعة. كل ذلك من أجل أن تأتي ثمرة هذا الزواج صالحة يُغذّى بها المجتمع ويتحقّق الصلاح في العالم أجمع.
هذا هو الإسلام، يريد أن يُربّي إنساناً، وقد تدبّر أمره قبل اقتران الزوجين، ويُحدّد ما ينبغي للرجل والمرأة اللذين ينويان الزواج فعله، ثم كيف ينبغي أن يتصرّفا إلى أن يأتي الطفل، وما ينبغي لهما فعله خلال فترة الرضاعة، وكيف يجب التصرّف مع الطفل وهو في أحضان الأبوين، وبعدها، كيف يتعاملون معه في محيط المدرسة الصغيرة، ثم في الثانوية والإعدادية... وكذلك نوعية المعلّمين الذين يتولّون تربية الأطفال، وإذا ما وصل لسنّ البلوغ يُحدِّد الإسلام له كيف ينبغي أن تكون أفعاله وأخلاقه وسلوكه، وماذا ينبغي له أن يتجنّبه، كل هذا لأنّ الإسلام يريد أن يرفد المجتمع بأفراد صالحين 22.
هوامش
1-وسائل الشيعة، ج14، ص10.
2- تفسير الميزان، ج16، ص166.
3- بحارالأنوار، ج76، ص268.
4-مستدرك الوسائل، ج2، ص550.
5-تحف العقول، ص926.
6-الكافي، ج5، ص323.
7-بحارالأنوار، ج101، ص132.
8-النساء، 19.
9-من لا يحضره الفقيه، ج3، ص281.
10-مكارم الأخلاق، ص218.
11-مستدرك الوسائل، ج2، ص 550.
12- بحار الأنوار، ج75، ص237.
13- بحار الأنوار، ج75، ص188.
14- مكارم الأخلاق، 218.
15- م. ن، ص 216-217.
16-بحار الأنوار، ج75، ص 216.
17-الكافي، ج5، ص567.
18-وسائل الشيعة، ج3، ص333.
19- البقرة: 286.
20-مكارم الأخلاق، ص202.
21-بحار الأنوار، ج43، ص59.
التعلیقات