كيف ننتظر الإمام المهديّ(عج)؟
موقع فاطمة
منذ 8 سنوات
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل
مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
انطلقت الرّسالة في حجم العالم، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}[1]، وانفتحت على الدّعوة، لتؤكّد القاعدة الَّتي انطلق منها كلّ الرساليّين الَّذين جاهدوا واستشهدوا حتى دخل النّاس في دين الله أفواجاً، وكانت الإمامة امتداداً حركيّاً للرّسالة، في الفكر والتّخطيط والرّوح والانفتاح على المستقبل كلّه، وكما كانت الرّسالة في شخص الرّسول عالميّة تنفتح على الإنسان كلّه، كانت الإمامة عالميّة تنفتح على الإنسان كلّه.
وهكذا، قرأنا عليّاً(ع) في عهده لمالك الأشتر(رض)، عندما قال له عن الناس: "فإنّهم صنفان؛ إمّا أخ لك في الدين، وإمّا نظير لك في الخلق"[2]، أي لتكن مسؤوليّتك عن المسلمين كلّهم، بأن ترتفع بهم في خطّ الإسلام، وعن الإنسان كلّه، بأن تفتح عقله وقلبه وحركته على ما يهديه إلى الصّراط المستقيم.
ففي الإسلام، تنتفي مسألة الحقد بين الناس، وإن كان هناك اختلاف بينهم في مسائل الفكر والعقيدة، فإنّ الإنسانيّة تبقى الجامع الأكبر بينهم. وعندما يبغض الإنسان غيره، فهو لا يبغضه لشخصه، أو يبغض إنسانيّته، إنما يبغض عمله. إنَّ الله يحبّ العبد ويبغض عمله، وعندما نفرّق بين الإنسان وعمله، فإنّنا نستغرق في إنسانيّته، حتى نصحّح انحراف عمله، ونفتح عقله على الحقّ كلّه وعلى الخير كلّه. ولكنّنا من خلال عصور التخلّف، أنتجنا الحقد، حتّى أعطيناه صفة القداسة، فقلنا إنّه الحقد المقدّس، ولكنّ الإسلام يريدنا أن ننتج الحب.
وقد جاء في حديث الإمام جعفر الصّادق(ع): "وهل الدّين إلا الحبّ؟!"[3]، لأنه عندما ينبض قلب الإنسان بالحبّ، ينفتح عقله على عقول النّاس الّذين يتلمّسون حبّه، فيحبّون فكره.
وهذا ما أكّده الإمام عليّ(ع) بقوله: "احصد الشّرّ من صدر غيرك بقلعه من صدرك"[4]؛ فرّغ صدرك من كلّ شر، تفتح كلّ صدور الآخرين على الخير فيما تفكّر فيه من الخير. لذلك، علينا أن نتعلّم كيف نحبّ إنسانيّة الإنسان ونبغض خطّه، فنرجم في الفاسق فسقه، ونقتل في الكافر كفره، لا إنسانيّته.
وهكذا، انطلقت الإمامة في حجم العالم، ولم تنطلق ليستغرق النّاس في شخص الإمام في علاقة ذاتيّة، ولكنّها قالت للنّاس، إن الإمام يجسّد الرسالة، وهو القرآن الناطق، فأحبّوه، وأخلصوا له، وارتبطوا به من خلال ما يتمثّله من تجسيد للرّسالة، حتى لا تفصلوا بين الإمام ورسالته، فتحبّوا الإمام وتكرهوا الرّسالة، أو ترتبطوا بالإمام وتنفصلوا عن الرّسالة.
إنّ المسألة هي أنّ رسول الله(ص) كان رسالة تتجسّد، وأنّ عليّاً(ع) والصفوة الطيّبة من أبنائه، كانوا رسالة تتجسّد. لذلك، عندما نعيش غيبة الإمام(عج)، فإنّنا نعيش حضوره، فحتى إذا غاب عنّا شخصه، فهو لم يغب عنّا برسالته: "وأمّا الحوادث الواقعة ـ قالها في أواخر كلماته الّتي أجاب بها بعض النّاس ـ فارجعوا فيها إلى رواة أحاديثنا، فإنهم حجتي عليكم، وأنا حجة الله"[5]. فقد قال لنا، إن المسألة هي أنّني غبت عنكم، ولكن تركت لكم كلّ تراث آبائي، وكلّ ما قالوه في العقيدة والشريعة والمنهج، وكلّ ما طبقوه في حياتهم. ارجعوا إلى تراث النبي(ص) والأئمة من آبائي، فهو النّور الّذي يضيء لكم الطريق عندما أغيب عنكم، لأنّ الأئمّة كانوا يضيئون لكم الطريق من خلال قولهم وفعلهم، ولذلك، فإنّهم حاضرون في ذلك كلّه.
وفي ضوء ذلك، نحن نعيش حضوره، لأنه ترك لنا كلّ خلاصة الأئمة من أهل البيت(ع)، ولذلك، فإننا في الدّعاء، نقرأ في ظهوره ظهور الدين: "اللّهمّ أظهر به دينك، وسنّة نبيّك عليه وآله السّلام، حتّى لا يستخفي بشيء من الحقّ، مخافة أحد من الخلق"[6]؛ فالمسألة هي أن يظهر به الدّين.
أيها الأحبّة، نستوحي من ذلك كلّه، أنّ رسالته لنا، هي أن نعمل على أساس أن نظهر هذا الدّين للنّاس، أن نتحوّل إلى دعاة إلى طاعة الله تعالى في مثل حالة الطوارئ، أن لا ننتظر انتظار الناس الّذين يعيشون الاسترخاء واللامبالاة واللّغو في كلماتهم. إنّنا نقرأ في دعاء الافتتاح في الشّهر المبارك: "اللّهمّ إنّا نرغب إليك في دولة كريمة، تعزّ بها الإسلام وأهله، وتذلّ بها النّفاق وأهله، وتجعلنا فيها من الدّعاة إلى طاعتك ـ اجعل نفسك داعية إلى طاعة الله فيما تنمّي به طاقاتك في عقلك، أن يعيش عقلك الإسلام كلّه، وأن ينفتح قلبك على الخير كلّه، وأن تنطلق حركتك من أجل العدل كلّه والحقّ كلّه ـ وتجعلنا فيها من الدّعاة إلى طاعتك، والقادة إلى سبيلك"[7]، أن يبني كلّ واحد منكم نفسه، ليجعل منها مشروع قائد في المسألة الثقافيّة والاجتماعيّة والسياسيّة والأمنيّة، أن تكون مشروع قائد، حتى إذا سقط القائد في المعركة في أيّة مرحلة من المراحل، كان هناك ألف مشروع قائد يجعل المعركة تتحرّك في خطّ القيادة.
إنّ الإسلام في دعوته وحركته وشريعته، لم يتجمَّد بغيبة الإمام(ع)، ولكنّه ازداد حاجة إلى الحركة والدّعوة، لأنّ الإمامة عندما تعيش الحضور الحسِّيّ، فإنّ الناس يهرعون إليها ليسألوها عن كلّ ما أشكل عليهم، ولكن عندما تغيب الإمامة، فإنّ على الأمّة كلّها أن تعمل على أساس أن تستنفر كلّ طاقاتها، حتّى لا يهجم الكفر والاستكبار كلّه على الإسلام كلّه.
لذلك، أيّها الأحبّة، نحن مسؤولون عن الإسلام كلّه، ولا سيَّما عندما تنطلق التحدّيات في حجم العالم، كما هي المسألة الآن، فهناك حرب على جميع المستويات؛ هناك حرب ثقافيّة ضدّ الإسلام، ونحن نتابع كلّ هذه الهجمة الثقافيّة في أميركا وأوروبّا وسائر بلدان الغرب؛ في جامعاتها ونواديها وصحافتها، وفي وسائل إعلامها المرئيّة والمسموعة، ونرى ذلك في كثير ممن يعيشون بيننا، وقد أخذوا من الغرب هذه العقدة ضدّ الإسلام.
هذه الهجمة تنطلق في خطّة مبرمجة لتشويه صورة الإسلام، لأنّ الدّعوة إلى الإسلام استطاعت أن تقتحم أكثر من موقع في الغرب، وأصبح الغرب في كثير من نماذجه يدخل إلى الإسلام، إضافةً إلى أنهم شعروا بأنّ الإسلام هو الدين الوحيد الحركي الذي ينفتح على الله، وينفتح على الحياة كلها، وهو الدين الحركي الذي يقتحم على الإنسان بيته ومنطقته وحياته، ليعتبره مسؤولاً عن كلّ ما تتسع له طاقته، وليعمل على تغيير الواقع من واقع فاسد إلى واقع صالح.
هذه الحركيّة تجعل للمسلمين مسؤوليّة أن يواجهوا الاستكبار كلّه، بالقوّة التي يواجهون فيها الكفر كلّه، لأنّ الاستكبار كفر مقنّع، حتى لو انطلق به المسلمون، وهو الكفر الحركي الإنساني، الذي يمثّل كل قيم الكفر في مقابل قيم الإسلام الّتي هي قيم الإنسان.
كيف نستعدّ لهذه الحرب الثقافيّة؟ وكيف نواجهها؟ هل نواجهها بكلمات الاستنكار والتّكفير، وإهدار دم هذا الإنسان أو ذاك، أو نواجهها بتفعيل حواراتنا في الجامعات والنوادي الثقافيّة؟ علينا أن نقدّم الإسلام كما أراده الله؛ ديناً للرّحمة، وديناً للرفق، وديناً للكلمة الأحسن، والأسلوب الأحسن، والدّفع بالّتي هي أحسن؛ الدّين الّذي يقول لك: حوّل أعداءك إلى أصدقاء، {وَلَا تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[8]. حوّل أعداءك إلى أصدقاء بأسلوبك وبفكرك وبطريقتك، لأنّ العنف في قضايا الدعوة، يزيد العدوّ عداوة، وقد يفقد الإنسان أصدقاءه.
علينا أن نقدّم الإسلام الّذي ينفتح على الحياة كلّها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا للهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ}[9]. علينا أن نستنفر طاقاتنا في مواجهة هذه الحرب، أن ننطلق لنفكّر بعقل منفتح على الحقيقة، عقل يحلّق لينتج عقلاً، وعقل يبدع ويبعد عن عقولنا كل الخرافة، ويبعد الثقافة التي تنزل بالإنسان إلى مستوى الخرافة في العقيدة والمنهج والواقع، حتى يصل إلى حدّ الغلوّ، بحيث نصبح نحن من يحارب الإسلام أكثر مما يحاربه الآخرون، لأنّنا نقدّم إسلاماً مشوَّهاً؛ إسلاماً فيه الكثير من الفكر المحنّط الذي لا يلتقي بالحياة. ولذلك، فإنّ مسؤوليّة العلماء والخطباء والمثقّفين، أن يعرفوا أنّ كلّ كلمة يقولونها، ربما تغيّر فكر الإنسان.
وهناك حرب سياسيَّة تنطلق ضدّ الإسلام، ويراد لها أن تسقط كلّ موقع ينفتح على مسألة الحريّة، وعلى مسألة الاستقلال، وعلى مسألة العدل، في العالم الإسلاميّ، وفي العالم المستضعف، لأنّ المخطّطين لها يريدون أن يؤمّنوا مصالحهم.
أيّها الأحبّة، إنّي أتكلّم على مستوى الأمّة، لأنّ الإمام(عج) يأتي على أساس أنه إمام الأمّة، لإنقاذها كلّها، وهو لا يفرِّق بين موقع وآخر، ولا بين ظلم وآخر، يأتي "ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً ـ بالإسلام ـ كما مُلئت ظلماً وجوراً"[10] بالكفر. لذلك، لا بدَّ من أن نفكّر في القضية، لا على مستوى التفكير في الزوايا، بل علينا أن نفكر على مستوى التفكير في الأفق الرحب.
في ذكرى صاحب العصر والزّمان(عج)، علينا أن ننتظره ونحن في الطّريق إلى الحريّة، وفي الطّريق إلى العدالة، وفي الطّريق إلى أن نردّ على التحدّي بتحدّ مثله. أن ننطلق لا مزقاً متناثرة هنا وهناك، ولكن ننطلق من أجل أن نكون أمّة تواجه كلّ الأمم المستكبرة الّتي تريد أن تسقطنا. ونحن نشاهد في فلسطين الشّهيدة الجريحة، كيف يصمد أطفالها ونساؤها وشيوخها وشبابها! كيف يصمدون أمام الجوع والحصار والتّدمير وجرف المزارع؛ إنّهم المثل والنموذج، وعلينا أن ندرس تجربتهم وندرس تجاربنا، والإمام عليّ(ع) يقول: "خير ما جرّبت ما وعظك"[11].
اللّهمّ أرنا الطّلعة الرّشيدة والغرّة الحميدة، واجعلنا من أتباعه وأشياعه والمستشهدين بين يديه، واجعلنا من السّائرين في خطّ الولاية، من خلال أب الولاية أمير المؤمنين(ع)، الّذي نصّبه رسول الله(ص) ولياً للمؤمنين بأمر من الله، وأن ننطلق مع كلّ الأئمّة(ع)، فهم حجج الله على خلقه، وهم أُمناء الله في أرضه، بهم نهتدي وبهم نقتدي، وسوف نلتقي بخاتمهم عاجلاً أو آجلاً، إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.
----------------------------------------------
[1] (الأنبياء/107).
[2] نهج البلاغة، خطب الإمام علي(ع)، ج 3، ص 85.
[3] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 27، ص 96.
[4] نهج البلاغة، ج 4، ص 43.
[5] بحار الأنوار، ج 2، ص 90.
[6] المصدر نفسه، ج 88، ص 25.
[7] المصدر نفسه، ج 88، ص 6.
[8] (فصِّلت/34).
[9] (الأنفال/24).
[10] بحار الأنوار، ج 26، ص 263.
[11] ميزان الحكمة، محمد الريشهري، ج 1، ص 376.
التعلیقات