الإمام المهدي عليه السلام طموح الأحرار في العالم
موقع فاطمة
منذ 8 سنواتبسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين
واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
الغيبة الصغرى
بدأت منذ وفاة الإمام العسكري عليه السلام (ت 260هـ) حتى وفاة السفير الرابع وهو السمري (ت 329هـ)، وقد أخفى الامام العسكري عليه السلام ولادة إبنه المهدي إلا من الخواص فكانت ولادته عليه السلام وغيبته من أعظم الاسرار الالهية والله بالغ أمره، وقد حاول الخلفاء من بني العباس البحث عن ولد للإمام العسكري عليه السلام وأدّى الأمر بالمعتمد العباسي الى أن يأمر بتفتيش دار الإمام عليه السلام طلباً لولده (1) وهذا يدل دلالة واضحة على أنّ بني العباس على دراية بأمره من ظهوره حتى أدّى بهم الأمر بالمجيء بعدة نسوة للنظر لأسرة الإمام العسكري عليه السلام وتشخيص حالة الحمل عند زوجة الإمام عليه السلام. لمعالجة هذا الحمل إن وجد، ولما توفى الإمام العسكري عليه السلام قامت السلطات الحاكمة آنذاك بالتفتيش في المنازل والدور التابعة للإمام بحثاً عن الإمام المهدي عليه السلام. (2)
وعلى الرغم من التعتيم الذي قام به الإمام العسكري عليه السلام على إبنه المنتظر عليه السلام فقد أعطى فرصة لأصحابه ـ وعددهم ما يقرب من أربعين رجلاً ـ برؤيته واللقاء به ـ وقال عليه السلام لهم: (هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم...).(3)
ويبدو للباحث من ملاحظة الأحداث التاريخية أن السفراء الأربعة قد عملوا مع الإمام العسكري عليه السلام في التمهيد لهذا الأمر للانتقال إلى الغيبة الكبرى فيما بعد، ولمكانة العمري أبي عمرو (ت 267هـ) كان هو السفير الأول وعن طريقه تخرج الكتب والتواقيع باسم الناحية المقدسة بتكتم شديد وسرّية تامة، وقد أدى السفراء الاربعة واجبهم على أتم ما يكون، فكانوا من الثقات المعتمدين عند الإمام عليه السلام، وكانوا كالآتي:ـ
1ـ ابو عمرو عثمان بن سعيد العمري (ت: 260 هـ او 267 هـ او 280 هـ).
2ـ ابو جعفر محمد بن عثمان بن سعيد العمري (ت 304 او 305هـ).
3ـ ابو القاسم الحسين بن روح النوبختي (ت 326 هـ).
4ـ ابو الحسن علي بن محمد السمري ( ت 328 هـ او 329 هـ).
واما سر الغيبة فهي لحكمة إلهيّة لا تظهر لكل أحد كما قال مولانا أمير المؤمنين عليه السلام:
( للغائب منا غيبتان إحداهما أطول من الأخرى، فلا يثبت على إمامته إلا من قوي يقينُه وصحّت معرفتُه ).(4)
وبذلك أشار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إلى العلم والمعرفة الصحيحة من طرقها الثابتة لا من أي طريق تؤخذ، فلا يمكن فهم هذا الأمر بمجرد المعرفة والطريق العلمي بل بالمعرفة الصحيحة من طرق أهل البيت عليهم السلام مع شرط قوة الإيمان النابعة من اليقين القوي والراسخ في اللطف الالهي بالانسان الذي يطمح أن يسود الأمن والسلام والعدل ربوع المعمورة.
لقد انتهت الغيبة الصغرى التي مهدت للأمة الاسلامية قيام الغيبة الكبرى بعد وفاة السفير الرابع السمري رضوان الله عليه، وجاءت النصوص التاريخية والروايات من أهل الحديث أن هناك علامات تسبق ظهوره عليه السلام كلها تابعة لإرادة الله عزوجل في إثباتها أو تغييرها، ولكن الإمام عليه السلام حذّر الأمة من استغلال ضعاف النفوس لغيبته فقال عليه السلام: (فمن ادّعى المشاهدة ... فهو كذاّب مُفترٍ)(5)،وقد نهى عليه السلام في التوقيع إلى السمري عن الايصاء الى أحد، فقال: (ولا توصِ إلى أحد...)،(6) وبهذا النص نفهم انقطاع السفارة وحلول الغيبة الكبرى وكل من يخالف هذا فهو مخالف لنص الإمام عليه السلام، وقد أرجع الإمام عليه السلام الأمر للعلماء العاملين وجعلهم الحجة على الأمة وأمر بالرجوع إليهم، فقال: (وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنّهم حُجّتي عليكم وأنا حجّة الله).(7)
وحدد الإمام عليه السلام عدة مفاهيم للأمة لتدرك ما هي عليه، فقد حذر من الفتن وأكد على اليقين بإرادة الله عزّوجل، وحذّر من سوء المنقلب(8) لأن الأمة في امتحان وابتلاء إلى أن يأذن الله عزّوجل، فقد قال عليه السلام: (إذا أذن الله لنا في القول ظهر الحق واضمحلّ الباطل وانحسر عنكم...).(9)
أما متى يكون هذا الظهور الذي عُبّر عنه في الروايات بالفرج ـ وعادة يأتي بعد الشدّة والعسر ـ فهذا موكول إلى الله عزوجل (كذب الوقّاتون).(10)
إن الأمة بعد غياب إمامها عليه السلام تعيش البلاء والتمحيص، وهذا ما نراه اليوم من نكران وجوده والتبعية لأهل الباطل والضعف الواضح في أمة الإسلام، ولذلك حذّر الإمام عليه السلام من إنكار وجوده وقال: (من أنكرني فليس منّي وسبيله سبيل بن نوح...)(11) ، وهو تشبيه رائع لمن أراد النجاة، فإن إبن نوح يعني الغرق والعصيان والخلود في النار، والنبي نوح عليه السلام يعني النجاة والركوب في السفينة، فلم ينج إلا من ركب السفينة التي حملته إلى شاطئ الأمان الدنيوي والأخروي، وفي الحديث إشارة إلى البعد الزمني والعمر الطويل عند ذكر نوح عليه السلام والغيبة كذلك.
الغيبة الكبرى
بدأت منذ عام (328هـ أو 329هـ) وهي مستمرة إلى أن يأذن الله عزوجل بإصلاح الأرض وما حصل فيها من ظلم وتسلط وطغيان وفساد بكل أنواعه، فقد ظهر الفساد بكل أنواعه في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس، يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر في بحثه حول المهدي صفحة3: (ليس المهدي تجسيداً لعقيدة إسلامية ذات طابع ديني فحسب، بل هو عنوان لطموح اتّجهت إليه البشرية بمختلف أديانها ومذاهبها).
اما مسألة العمر الطويل فهذا ليس غريباً بعدما صرح القرآن المجيد بعمر نوح وعيسى والخضر وأصحاب الكهف عليهم السلام رداً على القائلين أن هذا خلاف القوانين الطبيعية، وكم كانت ظواهر هي خلاف القانون ثم أصبحت حقيقة توصّل اليها الانسان كالصعود إلى القمر والكواكب الأخرى، وكالصناعات المتطورة التي يشهدها العالم الآن من نتاج العقل البشري مع أنّها كانت يوماً ما من المستحيلات، فليس ذلك بالصعب على خالق الانسان، فإن المهدي عليه السلام هو الأمل المنشود لبسط العدالة في الارض ونشر الفضائل والاخلاق الرفيعة التي فقدتها البشرية، إن حقيقة المهدي شيء مركوز في أذهان الأمة والدليل على ذلك أنها قد استُغلت بشكل كبير في تاريخنا الاسلامي وادعاها من ادّعاها وجَمَعَ من ادّعاها الأنصار لأغراضه الشخصية، فهي لو لم تكن مركوزة في أذهان المسلمين لم يلتفّ حول مدّعيها أحد.
لقد أصبح لفظ المهدي مقروناً بالعدالة والرحمة والمساواة، ولذلك جاء استغلاله من ضعاف النفوس لكسب الجماهيرية في الدعوات الدنيوية. لقد ظهرت في زماننا هذا المعالم الإلحادية والمادية ولم يبق من الأديان إلا الرسوم والقشور، وقست القلوب وضعفت النفوس واتجه العالم نحو المادة التي عُبدت من دون الله عزوجل، واستُعبد الإنسان أيّما استعباد، وانتشرت المجاعات والأمراض الفتّاكة وامتلأ الفضاء بالسموم المدمرة، فما أحوجنا الآن لظهوره عليه السلام ليملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً و ينقذ العالم مما هو فيه.
روايات الإمام المهدي عليه السلام عند أهل الاسلام
وقد اقتضت حكمة الله تعالى في خلقه ورحمته بعباده أن تستمر بأهل البيت ذرية سيد الانبياء والمرسلين عليهم السلام إلى يوم الدين تشعّ بضيائها على العالمين وترشد بهدايتها الضالين.(12)
لقد كانت أخبار الإمام المهدي عليه السلام كثيرة شهيرة(13) وقد أحصي أربعمائة حديث عن النبي عليهم السلام من طرق إخواننا أهل السنة، كما تم إحصاء مجموع الروايات الواردة في الإمام المهدي عليه السلام من طرق الشيعة والسنّة فكان أكثر من ستة آلاف رواية(14) فهي إذن ثابتة بالتواتر وسجّلها المسلمون جميع(15)، وقد جمعت الأحاديث الواردة في المهدي عليه السلام في كتاب معجم أحاديث الإمام المهدي عليه السلام وجاءت بخمسة مجلدات، ولازال الباب مفتوحاً للجديد من هذه الأبحاث لأن الموضوع اكبر(16) من أن تحيط به موسوعة أو معجم.
لقد ذكر كل من الهيثمي (ت 807هـ) في كتابه مجمع الزوائد والمتقي الهندي (ت 975هـ) في كتابه كنز العمال جملة من الروايات المتعلقة بالإمام المهدي روحي له الفداء وكيفية خروجه(17)، وقد علق الهيثمي على إحدى الروايات المشهورة المروية عن إبي سِعيد الخدري والتي جاءت بطرق عديدة بألفاظ تكاد تكون متطابقة وإشتهرت شهرة عظيمة وهي قول الرسول عليهم السلام : (... يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئت جوراً وظلماً)(18) بقوله: رواه الترمذي وغيره ورواه أحمد بأسانيد متعددة وأبو يعلي باختصار ورجالهما ثقات.(19)
وذكر بعض المحدثين رواية عن ثوبان عن النبي عليهم السلام جاء في ذيلها: (... إذا رأيتموه فبايعوه ولو حَبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي ) وهو حديث صحيح على شرط الشيخين.(20)
ثم ذكر أن حديث (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً) هو حديث صحيح على شرط الشيخين أيضاً ولكن لم يخرجاه. (21)
فإذا علمنا ذلك فالاجماع حاصل في وجوده عليه السلام ولا شك فيه عند الفريقين.(22)
وقد أشار الإمام الصادق عليه السلام إلى بعض علامات ظهوره عليه السلام لأهمية ذلك اليوم وخطورته، حيث أكد الإمام عليه السلام على سبق الظهور بأحداث وفتن وبلاء، فقد جاء في الخبر المروي عن الإمام الصادق عليه السلام: (شمول أهل العراق خوف لا يكون لهم معه قرار).(23)
ويكون خروجه عليه السلام في وتر من السنوات(24)،وذكر النعماني (ت 380هـ) في كتابه الغيبة أن الشيعة تعيش في تمحيص وتفرق وفتنة، ثم نقل حديثاً عن إبن عقدة الذي وصفه بالرجل الذي لا يُطعن عليه في الثقة ولا في العلم بالحديث والرجال الناقلين له وفي ذيله: (تمحّصكم الفتن).(25)
إبن خلدون ورأيه
نقل أحمد أمين في كتابه المهدي والمهدوية رأي ابن خلدون بأن هذه الفكرة لا توافق العقل(26) والعجب منه ومن تبعه كيف يلتجأ للعقل القاصر بعد بلوغ التواتر في الأحاديث التي بلغت الآلاف، وهي ليست بعيدة عن الباحثين وطلاّب العلم ومسطّرة في كتب المسلمين كافة.
ثم ذكر أن أسانيد هذه الروايات ضعيفة، وقد ذكرنا رأي الهيثمي(ت 807هـ) في توثيق رجال روايات الإمام المهدي عليه السلام.
وتحدث الشيخ الطوسي(ت 460هـ) في كتابه الغيبة أن الاخبار المروية في الإمام المهدي عليه السلام أكثر من أن تُحصى(27)، يكفينا المروي عن الصادقين عليهم السلام التي هي أولى بالاتباع.(28)
إن إبن خلدون ومن سار على منهجه ليس غريباً عليهم هذه الدعوى، فقد صرح في كتبه بما هو أكبر من إنكاره فكرة المهدي عليه السلام وقال إن اهل البيت جاءوا بمذاهب إبتدعوها، وقد كتب في الرد عليه العلامة أسد حيدرS في كتابه القيّم (الإمام الصادق والمذاهب الأربعة).
ويبقى الحجة المنتظر عليه السلام أمل هذا الكون في ظهوره لاقامة حكومة العدل الإلهي، حيث يسير بسيرة جدّه أمير المؤمنين عليه السلام(29) (حتى يعود الدينُ جديداً غضاً كما إبتدأ في الاسلام صفواً محضاً كما نشأ)(30)
وهو مصداق الآية المباركة: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ).(31)
الهوامش
________________________________________
(1) الكليني، اصول الكافي، ج1، ص 505.
(2) المصدر نفسه، ج1، ص 505.
(3) البيشوائي،سيرة الأئمة، ص 594.
(4) المصدر نفسه، ص 599.
(5) المصدر السابق، ص 599.
(6) المصدر نفسه، ص 599.
(7) الطبرسي، الإحتجاج، ج، ص 163.
(8) المصدر السابق، ج2، ص 261.
(9) المصدر نفسه، ج2، 261.
(10) المصدر نفسه.
(11) المصدر نفسه.
(12) بيومي، محمد، السيدة الزهراءe، (اصفهان: السفير، 1418هـ)،ص 100.
(13) المناوي، محمد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير، (بيروت: دار الكتب العلمية، 1415هـ) ، ج6. ص 363.
(14) الصدر، بحث حول المهدي، ص 32.
(15) المظفر، عقائد الإمامية، ص 75.
(16) الكوراني، علي، معجم أحاديث الإمام المهدي، (قم: بهمن، 1411هـ)، ج1، ص 5.
(17) ينظر: المتقي الهندي، كنز العمّال، ج14، ص 262ـ 275.
(18) الهيثمي، نور الدين، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، ج7، ص 313.
(19) المصدر نفسه، ج7، ص 314.
(20) الحاكم، محمد بن محمد النيسابوري، مستدرك الحاكم، ج4، ص 464.
(21) المصدر السابق، ج4، ص 557.
(22) حفني، حامد داود، نظرات في الكتب الخالدة، (القاهرة: مطبوعات النجاح، 1399هـ)، ص 71.
(23) العلامة، جمال الدين حسن بن المطهر الحلي، المستجاد من كتاب الارشاد، ص 262.
(24) المصدر نفسه، ص 262.
(25) النعماني، محمد بن ابراهيم، الغيبة، تحقيق: علي اكبر الغفاري، (طهران: مكتبة الصدوق، بلا)، ص 24.
(26) امين، احمد، المهدي والمهدوية، سلسلة اقرأ، (مصر: دار المعارف، بلا)، ص 111.
(27) الطوسي، ابو جعفر محمد بن الحسن، الغيبة، ص 174.
(28) النعماني، الغيبة ص 24.
(29) القاضي، ابو حنيفة النمان بن محمد، شرح الاخبار في فضائل الائمة الاطهار، ج3، ص 373.
(30) المصدر نفسه، ج3، ص 374.
(31) التوبة/ 33.
التعلیقات