فنّ الحبّ
ياسر الشريعتي
منذ 8 سنوات
لفظ "الإنسان" يشتقّ من مادّة "الاُنس" وهذا الاشتقاق يحكي عن احتياج الإنسان إلى المؤانسة، ويؤيّد هذا المفهوم، حديثان، أمّا الحديث الأول فقصّة خلق أبونا آدم (عليه السلام) ومؤانسته لأمّنا حواء (سلام الله عليها):
قال الإمام الصادق عليه السلام:
"إن الله عزّ وجلّ خلق آدم من طين ثم ابتدع له حواء ... فقال آدم : يا ربّ ، ما هذا الخلق الحسن الذي قد آنسني قربه والنظر إليه؟! فقال الله : يا آدم ، هذه أمتي حوّاء ، أفتحبّ أن تكون معك تؤنسك وتحدثك ، وتكون خاضعة لأوامرك؟ فقال : نعم يا ربّ ، ولك بذلك عليّ الحمد والشكر ما بقيت ..." (1)
والحديث الثاني حول وجه تسمية النساء بـ"النساء". قال الإمام الصادق (عليه السلام):
"سُمّي النّساء، نساءًا؛ لأنّه لم يكن لآدم اُنسٌ غيرَ حوّاء". (2)
فالإمام (عليه السلام) يريد أن يوضّح لنا أنّ الله سبحانه و تعالى خلق الذكر والاُنثى على وجه يستأنس بعضهم بعضاً وكلُّ منهم يشعر بالسكونة في جنب الآخر، ويصون نفسه من وحشة التوتّر.
لا تزيل وحدة الإنسان إلّا بالالتجاء إلى الجنس الآخر، مع أن غاية الغريزة الجنسية هي بقاء وتداوم نسل البشر، ولكن المعصوم (عليه السلام) في هذين الحديثين أشار إلى هذه الحقيقة الرائعة أنّ علاقة الذكر والأنثى، ليست منحصرة في الغريزة الجنسية، بل يشعران بالاُنس والسكينة في جنب الآخر.
فالغريزة الجنسية ليست السبب الوحيد والمحفز الرئيسي لاندفاع الرّجل نحو المرأة وعكسها، فهناك أسباب وعلل أخرى أهمّهم المؤانسة، وحينما أظهر الآدم (عليه السلام) حبّه لحوّاء (عليها السلام)، لم تكن الغريزة الجنسية مودعة فيهما، وكما يستفاد من آيات القرآن الكريم أدركا هذه الغريزة بعد إخراجهما من الجنّة لكي يتناسلا، ويبقيا نسل البشر.
فالسبب الأوّل لعلاقة الرّجل إلى المرأة هو المؤانسة لا الغريزة الجنسية، ويقول "إريك فروم" (1980 م) عالم نفس وفيلسوف إنساني ألماني أمريكي في كتابه "فن الحب":
"إنّ أهمّ حوائج البشر تغلّبه على سجن التّوتّر، والفشل الكامل في النيل إلى هذه الغاية ينتهي إلى الجنون". ويستنتج في نهاية: أنّ السبب الرئيسي للتغلّب على التّوتّر هو أن يسود الحبّ حياة الزوجين الرّجل والمرأة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 20، ص 13.
2. المجلسي، بحار الأنوار، ج 11، ص 109.
هذه المقالة ماخوذة من كتاب "التربية الجنسية في الكتاب والسنة" علی نقی فقیهی
التعلیقات