ما هي السبل المناسبة للتخلص من التسرّع و العجلة؟
موقع مفتاح
منذ 8 سنواتالعجلة و التسرّع من الصفات غير الحميدة التي تتجلى في سلوكيات الانسان بصور مختلفة؛ بمعنى
أن الانسان يشرع في العمل و يدخل في القضية التي تواجهه قبل التأمل فيها و من دون توفير المقدمات المناسبة لنجاحها، و هذا هو الفارق بين العجلة و بين الاقدام على العمل، فان الاقدام و عدم ضياع الفرص يأتي بعد اعمال نظر و تأمل في القضية و دراستها من جميع الزوايا. فالعجلة تقابل التأني و الطمأنينة و اعمال الفكر في القضايا.
ثم ان الالتفات الى الاثار السلبية و المخاطر المترتبة على العجلة من جهة، و قيمة التأني و الصبر و التؤدة، و الالتفات الى كون هذه الصفات من صفات الانبياء و الصالحين من جهة أخرى، يؤديان الى خلق حالة من التوازن في شخصية الانسان بحيث لا يقدم على عمل الا و قد استكمل دراسة ابعاده، فاذا ما التزم الانسان بهذا المنهج فترة من حياته فحينئذ يتحول من انسان عجول و متسرع الى انسان يعيش الوقار و الطمأنينة في جميع شؤون حياته و تتحول تلك الحالة الى ملكة راسخة عنده.
مفصل:
العجلة و التسرّع من الصفات غير الحميدة التي تتجلى في سلوكيات الانسان بصور مختلفة؛ بمعنى أن الانسان يشرع في العمل و يدخل في القضية التي تواجهه قبل التأمل فيها و من دون توفير المقدمات المناسبة لنجاحها، فلا يحصل الا على نتائج ناقصة او الفشل التام؛ فيكون كمجتني الثمرة قبل إيناعها الذي لا يحصل منه الا ضياع الثمرة او الانتفاع الناقص بها، او يكون كناثر البذر قبل اعداد الارض و اصلاحها.
يقول أمير المؤمنين (ع) في وصف من لم يمهد الارضية الكاملة للعمل و يستعجل الامور: " وَ مُجْتَنِي الثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ".[۱]
و قد أثبت كل من العقل و التجربة و الدين قبحَ التسرّع و العجلة و الانعكاسات السلبية و النتائج الوخيمة المترتبة عليها، و ضرورة التصدي لها و التخلص منها؛ يقول الراغب الاصفهاني: العَجَلَةُ: طلب الشيء و تحرّيه قبل أوانه، و هو من مقتضى الشّهوة، فلذلك صارت مذمومة في عامّة القرآن.[٢]
و عن أمير المؤمنين (ع): " أشد الناس ندامة و أكثرهم ملامة العجل النزق الذي لا يدركه عقله إلا بعد فوت أمره" و قال (ع) ايضاً: " من الحمق [الخرق] العجلة قبل الإمكان".[۳]
و عن الرسول الاكرم (ص) أنه قال: " الإناءة من الله و العجلة من الشيطان".[۴]
فاذا التفت الانسان الى الآثار الوخيمة المترتبة على العجلة سوف يبتعد عنها و ينتقل من حالة العجلة و التسرّع الى الجهة المقابلة لها و هي الهدوء و الإناءة و الوقار و الطمأنينة.
عاقبة و مصير العجلة
لاريب أن الخصال الشياطنية خصال مدمرة و ذات مردودات سلبية و هدامة كثيرة، و هذه الخصال بالاضافة الى قبحها بنفسها تنطوي على نتائج لا قيمية تزيد من قبحها و شناعتها، و ينبغي هنا الالتفات الى بعض الآثار السلبية للعجلة و التي اشار اليها أمير المؤمنين (ع) في كلماته القصار و حكمه النيرة:
۱. الندم: «إِيَّاك وَ الْعَجَلَ فَإِنَّهُ عُنْوَانُ الْفَوْتِ وَ النَّدَم».[۵]
لاريب أن الاعمال التي تصدر من دون رويّة و لا تدبر و امعان نظر، تجر الى الخسران و عدم الفلاح و يكون حاصلها الندم، اضف الى ذلك ضياع الفرص الذهبية من الانسان و لا يمكن للانسان ان يعوض ذلك.
٢. الفشل: «قَلَّ مَا تَنْجَحُ حِيلَةُ الْعَجُولِ».[۶]
إن العجلة و التسرع تسببان عدم دراسة القضية دراسة متأنية و عدم معرفة ابعادها مما يؤدي بالنتيجة الى عدم وعي اسباب الخلل و الضعف و النقص في المعالجة و عدم وضع الحل الناجع للمشكلة، و من هنا تكون النتيجة الطبيعية للعجلة فشل الحركة و عدم النجاح في المسعى.
۳. الزلل: "كَثْرَةُ الْعَجَلِ يُزِلُّ".[۷] و "قَلَّ مَنْ عَجِلَ إِلا هَلَك".[۸]
۴. الغصّة و الغم: «الْعَجَلُ قَبْلَ الْإِمْكَانِ يُوجِبُ الْغُصَّة».[۹]
ان النشاط و الحيوية يعدان من ضروريات الحياة، و لا يمكن للانسان مواصلة المسير التكاملي و هو يعيش حالة من الغم و الغصص النفسية، و من القبيح أن يستبدل الانسان النشاط و الحيوية بالغم و الغصص.
و قد اشار أمير المؤمنين (ع) الى الانعكاسات السلبية لظاهرة التسرع و العجلة بصورة مفصلة، نكتفي بما ذكرناه - رعاية للاختصار- و نحيل القارئ الى مراجعة كتاب غرر الحكم في هذا المجال.
ثم ان النقطة المقابلة للعجلة تكمن في التثبت و الإناءة، بمعنى التأمل في القضية و امعان النظر و اعمال الفكر في المسائل التي تواجه الانسان و طبيعة الحلول المقترحة لها.
روي عن الرسول الاكرم (ص) أنه قال: "إنما أهلك الناس العجلة و لو أن الناس تثبتوا لم يهلك أحد".[۱۰]
و من الواضح ان الرواية تؤكد أن اشد الاضرار انما تأتي بسبب العجلة و عدم التثبت.
و لم يقتصر الامر على كلمات الرسول الاكرم (ص) و الامام أمير المؤمنين (ع)، بل نجد سائر الائمة (ع) قد تعرضوا لذم العجلة و بيان مخاطرها، فقد روي عن الامام الصادق (ع) أنه قال: "... و من ابتدأ بعمل في غير وقته كان بلوغه في غير حينه".[۱۱]
اتضح مما مرّ أن طريق سعادة الانسان يكمن في عدم تسرعه و امعانه النظر و التأمل في الامور التي تواجهه و التحرك بقدم متأنية مع الالتفات الى المخاطر التي تسببها العجلة، فيدرس القضية من جميع ابعادها و يتجنب الاحكام المسبقة و المعالجات المتسرعة و يتذكر دائما تلك العواقب الوخيمة التي تترتب على العجلة، ثم الالتفات الى القيم المقابلة للعجلة و ما يترتب عليها من ثمار ايجابية كبيرة، كالوقار و الطمأنينة و الهدوء، و ليتذكر بان تلك الصفات من صفات الانبياء و الصالحين، و من هنا يتخذ القرار و يتعاهد مع نفسه بالا يدخل في عمل ما الا بعد التأمل فيه و اعمال الفكر و دراسته من جميع الجوانب، و اذا ما اعتمد الانسان هذا المنهج الحياتي الصحيح لفترة طويلة فسوف تترسخ عنده صفة الوقار و ملكة الهدوء و عدم العجلة.
و في الختام نشير الى قضية ضرورة جدا، و هي: أنه لابد ان نفرق بين العجلة و التسرع من جهة و بين القيام بالاعمال في وقتها و عدم توفيت الفرص المتاحة، و هذا الفارق يمكن في كون العجلة تعني الخوض في الامر من دون روية و تأمل، و أما السرعة و القيام بالاعمال في و قتها و عدم ضياع الوقت فيعني القيام بالعمل بسرعة و لكن بعد اعداد المقدمات اللازمة للفعل، و اغتنام الفرص التي حث عليها أئمة الدين:
۱. روي عن رسول الله (ص) أنه قال: "يا أبا ذر، اغتنم خمسا قبل خمس شبابك قبل هرمك، و صحتك قبل سقمك، و غناك قبل فقرك، و فراغك قبل شغلك، و حياتك قبل موتك".[۱٢]
٢. عن أمير المؤمنين (ع): "انتهزوا فرص الخير فإنها تمر مر السحاب".[۱۳]
۳. و عنه (ع): "التؤدة ممدوحة في كل شيء إلا في أفعال البر".[۱۴]
۴. عن الامام الباقر (ع) أنه قال: "إِذَا هَمَمْتَ بِخَيْرٍ فَبَادِرْ فَإِنَّكَ لا تَدْرِي مَا يَحْدُثُ".[۱۵]
۵. و عن الامام الصادق (ع) في هذا المجال: "مَنْ هَمَّ بِخَيْرٍ فَلْيُعَجِّلْهُ وَ لا يُؤَخِّرْهُ فَإِنَّ الْعَبْدَ رُبَّمَا عَمِلَ الْعَمَلَ فَيَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى قَدْ غَفَرْتُ لَكَ وَ لا أَكْتُبُ عَلَيْكَ شَيْئاً أَبَدا".[۱۶]
المصادر:
[۱] نهج البلاغة، ص۵٢، خ ۵، انتشارات دار الهجرة، قم، بلا تاريخ.
[٢] الراغب الاصفهاني، حسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، ص ۵۴۸، الدار الشامية، بيروت، ۱۴۱٢ ق.
[۳]انظر: الآمدي، عبد الواحد، غرر الحكم، ص ٢۶۶، نشر مكتب التبليغ الاسلامي، قم، ۱۳۶۶ش.
[۴] الطبرسي، علي بن حسن، مشكاة الأنوار، ج ۱، ص ۳۳۴، المكتبة الحيدرية، النجف، ۱۳۸۵ ق.
[۵] غرر الحكم، ص ٢۶۷.
[۶] نفس المصدر.
[۷] نفس المصدر.
[۸] نفس المصدر.
[۹] نفس المصدر.
[۱۰] البرقي، احمد بن محمد، المحاسن، ص ٢۱۵، دار الكتب الاسلامية، قم، ۱۳۷۱ ق.
[۱۱] الصدوق، محمد بن علي، الخصال، ج۱، ص ۱۰۰، انتشارات جماعه المدرسين، قم، ۱۴۰۳ ق.
[۱٢] الطوسي، محمد بن الحسن، الأمالي، ص ۵٢۵، انتشارات دار الثقافة، قم، ۱۴۱۴ ق.
[۱۳] غرر الحكم، ص ۴۷۳.
[۱۴]نفس المصدر.
[۱۵] الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، ج ٢، ص ۱۴٢،ح ۳، دار الكتب الاسلامية، طهران، ۱۳۶۵ ش.
[۱۶]نفس المصدر، الحديث۶.
التعلیقات