سلوك الطفل بين الواقع والمثالية
موقع العتبة الحسينية المقدسة
منذ 7 سنواتغالباً ما تكون تربية الأطفال من أشد الصعوبات التي تواجه
الأسرة بشكل عام واﻻم بشكل خاص؛ فاﻷم في مجتمعنا تتحمل القسم الأكبر من المسؤولية في التربية والرعاية وتوفير احتياجات أبنائها المعنوية وتقضي معهم وقت أطول مما يقضيه الأب معهم؛ حتى وإن كانت امرأة عاملة.وأن نسبة كبيرة من هؤلاء الأمهات يشتكين من صعوبة التعامل والتواصل مع أبنائهن ويوعزن ذلك إلى تغيير معايير الطفولة فيهم عما كانت فيهن، فهن يرددن دوماً عبارة " نحن لم نكن كذلك عندما كنا صغارا " او " هذا الجيل ﻻ يمتلك البراءة التي كنا نتحلى بها في طفولتنا "، فيلجأن الى ما يسمى بالتربية الحديثة وطرق التعامل مع الأطفال لكن دون جدوى ﻷنهن يجهلن السبب الحقيقي وراء تغير سلوك الطفل كنتاج طبيعي للتقليد والمحاكاة الذي صنفه علماء نفس الطفل بأنه أكثر اﻻنماط السلوكية تطوراً لدى الأطفال؛ فالطفل يتكيف مع عالمه عن طريق تقليد كل ما يدور حوله ويحاكي المواقف والصور والمشاهد الحية الماثلة أمامه معتمداً بذلك على ذاكرته وخياله الواسع؛ وهنا تكمن العلة، حيث أجريت دراسة على ثلاثة مجاميع من الأطفال فإطلعوا أطفال المجموعة اﻻولى على فيديو لرجل يدخل غرفة ويشاهد دمية فيقوم بلكمها وضربها بسلوك عدائي، في حين اُطلع اطفال المجموعة الثانية على ذات الرجل بسلوك اخر فهو يقوم بتقبيل الدمية وضمها وإبداء المحبة لها؛ اما المجموعة الثالثة فتم إطلاعهم على ذات الرجل الذي لم يبدي أي اكتراث للدمية وﻻ يعيرها اي انتباه، ومن ثم أجروا تجارب على اطفال المجموعة اﻻولى فعند إدخالهم نفس الغرفة لوحظ إن (7) من أصل (10) منهم قد تصرفوا بنفس السلوك العدائي الذي قام به الرجل، أما اطفال المجموعة الثانية؛ فقد أبدى معظمهم المحبة للدمية وقلدوا تصرف ما شاهدوه بالفيديو، في حين لوحظ على ان (5) من مجموع المجموعة الثالثة والبالغ عددهم (10) اطفال؛ لم يعيروا للدمية اهتمامهم.
لتصل بنا هذه الدراسة الى نتيجة غاية في الأهمية وهي أن الطفل يقلد كل ما يراه ويمثل له واقع حي حتى وان كان للرسوم الكارتونية، وهذا هو سبب تغيير سلوك أطفالنا المعاصر! فمع كثرة وسائل الإعلام المرئية والقنوات الفضائية والتكنولوجيا المتمثلة بأجهزة الكمبيوتر والآي باد والهواتف الذكية المقترنة بشبكة الانترنت ـــ والتي أصبحت في متناول معظم أطفالنا ودون رقابة أسرية ـــ حتى بات تقليدهم لأغلب ما يشاهدونه فيها وخصوصا الظواهر السلبية ومنها ما يتعلق بالعنف واستخدام الألفاظ البذيئة، فضلا عن انحدار سلوكهم أقوالا وأفعالا.
وبعد معرفتنا للسبب الرئيسي وراء تراجع سلوكيات الأطفال، نتساءل عن غياب دور الأسرة في هذا الشأن في وقت كان أحرى بها تقوم بدورها الرقابي على أكمل وجه؛ فتنتقي لأطفالها ما يناسبهم من برامج وأفلام بل وكل ما يعرض على شاشة التلفاز، فضلا عن ضرورة توجيههم نحو البرامج المفيدة والقنوات التي تلاءم تربيتنا وعقيدتنا.
ومن المهم أيضاً ان يكون الأب والأم على مستوى مقبول من الثقافة والمسؤولية؛ بحيث يتمكنوا من محاورة أبنائهم وإقناعهم بالمفيد؛ وأن يحددوا لهم أوقات معينة لاستعمال أجهزة الآي باد وتحت إشراف الوالدين.
ويفضل ان ﻻ يكون للطفل جهاز خاص به، وضرورة مزاوجة ميوله هذه بتشجيع على الرسم والتلوين وقصص الأطفال وقطع المكعبات الملونة؛ فضلا عن مساعدته بتحقيق ميوله وهواياته سيما الإبداعية منها، ﻷن ممارسة الهوايات واللعب عند الأطفال يعزز السلوك الايجابي لهم.
وفي النهاية علينا ان نؤمن بعدم وجود عصا سحرية تحول أطفالنا الى كائنات مثالية، إنما الأمر مرهون بتصرفاتنا أمامهم فضلا عن البيئة التي نوفرها لهم، لأنها بمثابة المرآة التي تعكس سلوكياتهم، مما يحتم علينا جعل البيت بيئة ملائمة ومؤثرة لإنتاج أطفال أسوياء، أن لم نقل مبدعين.
التعلیقات