طرق الوصول إلى الحياة السعيدة من واقعة عاشوراء
السيد حسين الهاشمي
منذ 5 أشهرعن أبي عبدالله عن آبائه عن أمير المؤمنين عليهم السلام قال: «قال رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يقبر ابني بأرض يقال لها : كربلاء، هي البقعة الّتي كانت فيها قبّة الإسلام، الّتي نجا الله عليها المؤمنين الّذين آمنوا مع نوح في الطّوفان« (1).
جميع البشر على مر التاريخ يحتاجون، بالإضافة إلى الحاجات الدنيوية والمادية، إلى الحاجات المعنوية والروحية. وطرق الوصول إلى الحاجات المعنوية ليست كطرق الوصول إلى الحاجات المادية، بل هي طرق معنوية جعلها الله تبارك وتعالى للناس حتى يسلكوها ويصلوا إلى الدرجة العالية. وعلى الرغم من أن بعض الأشخاص في عصرنا الحالي يريدون أن ينكروا الجهات المعنوية في حياة الإنسان ويريدون أن يحددوا حياة الإنسان في الماديات، إلا أنهم أيضا يعلمون في ضميرهم أن الإنسان ليس مخلوقا ماديا فحسب بل للإنسان جهات متعددة في خلقه وكماله وحياته. وأحد أهم الحاجات المعنوية هي كيفية العيش الحقيقي والوصول إلى الحياة السعيدة. والله تبارك وتعالى بعث إلينا أنبياء وأئمة حتى نستفيد من وجودهم النوري ونصل بهم إلى الدرجات العالية والكمالات الراقية. وقضية سيدالشهداء عليه السلام وواقعة كربلاء من أهم الوقايع والأحداث التي وقعت في حياة المعصومين. فنحن نستطيع أن نتعلم كيفية الوصول إلى الحياة السعيدة والعيش الحقيقي في هذه الدنيا من خلال التأمل في كلمات سيد الشهداء عليه السلام وأفعاله وتصرفاته مع عائلته وأقربائه وأصحابه وأعدائه. فنحن نحاول أن نقدم لكم نماذج من الحياة الطيبة في واقعة كربلاء.
الأول: السكينة والمحبة والمودة
أهم أهداف العائلة والحياة مع شخص آخر هي السكينة والراحة التي ذكرها الله في القرآن الكريم حيث قال: «وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ» (2)، ونحن نرى السكينة الكاملة والمحبة والمودة العظيمة بين أهل العائلة في واقعة كربلاء حيث نشاهد كيفية معاملة سيد الشهداء عليه السلام مع أخته زينب الكبرى سلام الله عليها، وكيفية تصرفه عليه السلام مع أبنائه وأقربائه. فهو عليه السلام يتكلم معهم برفق وحنان ويضمهم إلى صدره ويتكلم معهم عن حوائجهم وما يضيق به صدورهم ويفرّج عنهم الهموم والغموم بالكلام الجميل والمحبة والمودة. فحينما علمت السيدة زينب سلام الله عليها بأن الإمام الحسين سوف يستشهد بعد لحظات بكت وصاحت. فحينها نرى سيد الشهداء يصبّرها بشكل جميل ويقول: «يا اختاه اعلمي أنّ أهل الأرض يموتون و أهل السماء لا يبقون و أنّ كلّ شيء هالك إلّا وجهه» (3)، وأيضا روى الإمام زين العابدين عليه السلام عن واقعة كربلاء: «لما أقبلت الخيل على الحسين عليه السّلام رفع يديه و قال: اللّهمّ أنت ثقتي في كلّ كرب و رجائي في كلّ شدّة و أنت لي في كلّ أمر نزل بي ثقة و عدّة كم من كرب يضعف عنه الفؤاد و تقلّ فيه الحيلة و يخذل فيه الصديق و يشمت به العدوّ أنزلته لديك و شكوته إليك رغبة منّي إليك عمّن سواك ففرّجته و كشفته، فأنت وليّ كلّ نعمة و صاحب كلّ حسنة و منتهى كلّ رغبة» (4)، وأيضا عندما أودع سيد الشهداء عليه السلام عائلته، نادته إبنته سكينة وبكت وحينها قال لها الإمام الحسين عليه السلام:
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي * * * منك البكاء إذ الحمام دهاني
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة * * * ما دام مني الروح في جثماني
فإذا قتلت فأنت أولى بالذي * * * تبكينه يا خيرة النسوان (5)
الثاني: إبراز المحبة والعلاقة بين العائلة
ثاني أبرز مواصفات الإمام الحسين عليه السلام وأهل بيته الأطهار هي أنهم يخاطبون بعضهم البعض بكلمات تبرز المحبة والعلاقة بين العائلة. فنرى حينما ركب الأعداء فرسانهم يوم التاسع من المحرم، قال الإمام الحسين عليه السلام لأخيه أبي الفضل العباس عليه السلام: «يا عباس اركب بنفسي أنت يا أخي حتى تلقاهم و تقول لهم ما لكم» (6)، فالإمام الحسين يخاطب أخاه بـ (يا أخي) ويقول له (بنفسي أنت). وأيضا روى الإمام زين العابدين عليه السلام: «ضمني والدي عليه السلام إلى صدره يوم قتل و الدماء تغلي و هو يقول: يا بني احفظ عني دعاء علمتنيه فاطمة صلوات الله عليها و علمها رسول اللّه صلى الله عليه و آله و علمه جبرئيل» (7) فنرى الحنان والمحبة في كلمات الإمام الحسين عليه السلام.
الثالث: التوجه إلى رضى الله سبحانه وتعالى في كل حال
إنّ الإمام الحسين عليه السلام وجميع أفراد عائلته وأصحابه كانوا في طول الطريق والقتال يتوجهون إلى الله تبارك وتعالى ولايريدون شيئا سوى رضوان الله تبارك وتعالى. ففي ليلة عاشوراء عندما تكلم الإمام الحسين عليه السلام عن استشهادهم جميعا، قال قاسم بن الحسن عليهما السلام: «وأنا فيمن يقتل، فاشفق عليه. فقال له: يا بنيّ كيف الموت عندك؟! قال: يا عمّ أحلى من العسل. فقال: أي و اللّه فداك عمّك إنّك لأحد من يقتل من الرجال معي، بعد أن تبلو ببلاء عظيم، و ابني عبد الله» (8)، وأيضا نرى في مشهد عظيم حينما استشهد علي الأصغر بسهم حرملة بن كاهل الأسدي وهو على يدي الإمام الحسين عليه السلام « فذبحه في حجر الحسين فتلقى الحسين دمه حتى امتلأت كفه ثم رمى به إلى السماء. ثم قال هَوَّنَ عليَّ ما نزل بي أنه بعين الله. قال الباقر عليه السلام فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض» (9).
الرابع: الحياء والعفاف
من أبرز صفات المؤمن، حيائه وعفافه. وجميع الأئمة عليهم السلام موصوفون بالحياء الحقيقي والعفاف الإلهي. ويمكننا أن نرى أبرز مصاديق الحياء والعفاف في واقعة كربلاء حيث ينقل أهل المقاتل والتاريخ: «ولم يزل عليه السلام يقاتلهم حتى حالوا بينه وبين رحله. فصاح بهم: ويحكم يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين وكنتم لاتخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم هذه وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون. قال: فناداه شمر: ما تقول يابن فاطمة؟ قال : أقول : أنا الذي أقاتلكم وتقاتلوني والنساء ليس عليهن جناح ، فامنعوا أعتاتكم وجهالكم وطغاتكم من التعرض لحرمي ما دمت حياً. فقال شمر: لك ذلك يا بن فاطمة. وقصدوه بالحرب، فجعل يحمل عليهم ويحملون عليه» (10)، وأيضا بعد استشهاد الإمام الحسين عليه السلام عندما جاءوا بالنياق حتى تركب النساء، نادت السيدة زينب بأعلى صوتها: «سَوَّدَ اللَّهُ وَجْهَكَ يا ابْنَ سَعْدٍ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَأْمُرُ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ بِأَنْ يرکبونا وَ نَحْنُ ودايع رَسُولُ اللَّهِ، فَقُلْ لَهُمْ يتَبَاعَدُونَ عَنَّا يرْکَبُ بَعْضُنَا بَعْضاً» (11)، وعندما ركبت الأطفال النساء وبقيت زينب الكبرى والإمام زين العابدين عليهما السلام، قال الإمام زين العابدين عليه السلام لعمته:« يا عَمَّتَاهْ! إرکبي أَنْتَ وَ دَعِينِي وَ هَؤُلَاءِ الْقَوْم» (12).
الخامس: التضحية والسعي لرفاه العائلة
إن السعي في رفاه العائلة وكونهم في حالة راحة وهناء هي من صفات المؤمنين. والعجب أننا نرى الإمام الحسين عليه السلام في واقعة كربلاء وفي تلك الأيام الصعبة، يحاول أن يخلق ظروفا أجمل لعائلته. فروى بعض كتب التاريخ أن الإمام الحسين عليه السلام في ليلة عاشوراء كان يجمع الأخشاب والحصى عن الأرض حتى لا يتسبب في جرح الأطفال، وقد روي في مقتل المقرم: «وخرج علیه السّلام فی جوف اللیل إلى خارج الخیام یتفقد التلاع و العقبات فتبعه نافع بن هلال الجملي فسأله الحسین عما أخرجه قال: یا ابن رسول اللّه افزعني خروجك إلى جهة معسکر هذا الطاغي فقال الحسین: إنی خرجت أتفقد التلاع و الروابي مخافة أن تکون مکمنا لهجوم الخیل یوم تحملون و یحملون ثم رجع علیه السّلام وهو قابض على ید نافع و یقول: هي هي و اللّه وعد لا خلف فيه» (13) ، وأيضا نرى تضحية كبيرة من أبي الفضل العباس عليه السلام حين ركب فرسه وذهب إلى الشريعة حتى يأتي بالماء للأطفال حيث نقل المقرم: «فرجع إلى أخيه يخبره فسمع الأطفال يتصارخون من العطش فلم تتطامن نفسه على هذا الحال و ثارت به الحمية الهاشمية ثم إنه ركب جواده و أخذ القربة فأحاط به أربعة آلاف و رموه بالنبال فلم ترعه كثرتهم و أخذ يطرد أولئك الجماهير وحده و لواء الحمد يرف على رأسه و لم يشعر القوم أهو العباس يجدل الأبطال أم أن الوصي يزأر في الميدان! فلم تثبت له الرجال، و نزل إلى الفرات مطمئنا غير مبال بذلك الجمع ولما اغترف من الماء ليشرب تذكر عطش الحسين و من معه فرمى الماء و قال:
يا نفس من بعد الحسين هوني
وبعده لا كنت أن تكوني
هذا الحسين وارد المنون
وتشربين بارد المعين
تاللّه ما هذا فعال ديني» (14)، فهذا وغيرها من المصاديق الجميلة للتضحية والسعي في رفاه العائلة.
هذه كانت جملة من طرق الوصول إلى الحياة السعيدة من واقعة كربلاء. أتمنى أنكم قد استفدتم منها.
1) كامل الزيارات (لإبن قولويه القمي) / المجلد:1 / الصفحة: 281 / الناشر: مكتبة الصدوق – قم / الطبعة: 1.
2) سورة الروم / الآية:21.
3) رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار (للسيد نعمة الله الجزائري) / المجلد: 1 / الصفحة: 222 / الناشر: مؤسسة التاريخ العربي – بيروت / الطبعة: 1.
4) رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار (للسيد نعمة الله الجزائري) / المجلد: 1 / الصفحة: 222 / الناشر: مؤسسة التاريخ العربي – بيروت / الطبعة: 1.
5) نفس المهموم (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 315 / الناشر: المكتبة الحيدرية – بيروت / الطبعة: 1.
6) نفس المهموم (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 203 / الناشر: المكتبة الحيدرية – بيروت / الطبعة: 1.
7) نفس المهموم (للشيخ عباس القمي) / المجلد: 1 / الصفحة: 316 / الناشر: المكتبة الحيدرية – بيروت / الطبعة: 1.
8) مدينة معاجز الأئمة (للسيد هاشم البحراني) / المجلد: 4 / الصفحة: 215 / الناشر: مؤسسة المعارف الإسلامية – بيروت / الطبعة: 1.
9) بحار الأنوار (للعلامة المجلسي) / المجلد: 45 / الصفحة: 46 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
10) الملهوف على قتلى الطفوف (للسيد بن طاووس) / المجلد: 1 / الصفحة: 171 / الناشر: دار الأسوة للطباعة والنشر – قم / الطبعة: 2.
11) موسوعة الإمام الحسين عليه السلام (للري شهري) / المجلد: 10 / الصفحة: 784 / الناشر: دار الحديث – بيروت / الطبعة: 1.
12) موسوعة الإمام الحسين عليه السلام (للري شهري) / المجلد: 10 / الصفحة: 784 / الناشر: دار الحديث – بيروت / الطبعة: 1.
13) مقتل الحسين (للسيد عبدالرزاق المقرم) / المجلد: 1 / الصفحة: 226 / الناشر: مؤسسة الحزينات – بيروت / الطبعة: 1.
14) مقتل الحسين (للسيد عبدالرزاق المقرم) / المجلد: 1 / الصفحة: 281 / الناشر: مؤسسة الحزينات – بيروت / الطبعة: 1.
التعلیقات