عاق الوالدين في الإسلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ سنةفي زمننا الحالي، حينما تتسارع وتيرة الحياة وتتغير القيم والعادات، يظل احترام ورعاية الوالدين أمرًا لا يفقد أهميته. تعتبر العلاقة بين الأبناء والوالدين ركيزة أساسية في بناء المجتمع والنجاح الشخصي. سنناقش في هذه المقالة موضوع عقوق الوالدين، ونستعرض أبعاده وأهميته في حياتنا، مع التركيز على روايات أهل البيت عليهم السلام في كيفية التعامل مع هذا الأمر الذي يمتد جذوره إلى التراث والقيم الإنسانية
مفهوم عاق والدين
عبارة "عاق الوالدين" هي مصطلح ديني يستخدم في الإسلام للدلالة على وجوب الاحترام والطاعة والبرّ تجاه الوالدين. يعتبر الاحترام والبر للوالدين من القيم الهامة في الإسلام، وهو مبدأ أخلاقي وديني يعكس احترام الأبناء تجاه والديهم.
القرآن الكريم والأحاديث الواردة عن أهل بيت النبي الأكرم صلوات الله عليهم أجميعن تشدد على أهمية هذا المفهوم وتشجع على أداء هذا الواجب. فمن المعروف أن الوالدين يلعبون دورًا مهمًا في رعاية وتربية الأبناء، ولذلك يجب على الأبناء أن يحترموا حقوق والديهم ويساعدوهم في مختلف جوانب الحياة.
قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام : » جُرْأةُ الْوَلَدِ عَلی والِدِهِ فی صِغَرِهِ تَدْعُو إلَی الْعُقُوقِ فی کِبَرِهِ« (1).
البذرة الصحيحة يجب من أول الأمر ان تهتم بها حتى تعطيك ثمار جيدة وصالحة.
يجب على الأبناء أن يكونوا مطيعين لوالديهم ما لم يكون طلبهما يتعارض مع الأوامر الشرعية، ويجب عليهم أن يعاملوا والديهم بلطف ورحمة ويساعدوهم في مختلف الأمور اليومية والاعتبارات الروحية. يُعتبر الاحترام والبر للوالدين وسيلة لتحقيق الرضا الإلهي ونجاح الفرد في الدنيا والآخرة .
مصاديق عقوق الوالدين
يُعرف "عاق الوالدين" بأنه أي نوع من أنواع العصيان وعدم الطاعة تجاه الأبوين ، سواءً كان ذلك عبر إهمال حقوقهما ، عدم تحقيق رغباتهما ، عدم الامتثال لأوامرهما ، أو عدم احترامهما. وفي الروايات الدينية، تم تصنيف هذا السلوك على أنه عدواني ويثير الغضب.
وفي إحدى الروايات عن الإمام الصادق عليه السلام « لَوْ عَلِمَ اللهُ شَيْئاً أَدْنى مِنْ أُفٍّ لَنَهى عَنْهُ ، وَهُوَ مِنْ أَدْنَى الْعُقُوقِ ؛ وَمِنَ الْعُقُوقِ أَنْ يَنْظُرَ الرَّجُلُ إِلى وَالِدَيْهِ ، فَيُحِدَّ النَّظَرَ إِلَيْهِمَا » (2).
هذا المفهوم يسلط الضوء على أهمية احترام والتزام الأبناء بحقوق والديهم في الإسلام والسعي لإرضائهما، حيث يعتبر الاحترام والبر للوالدين وسيلة للوصول إلى رضا الله والنجاح في الدنيا والآخرة.
عواقب عقوق الوالدين
من الواضح أن نكران الجميل ومكافأة الإحسان بالإساءة ، أمران يستنكرهما العقل والشرع ، يستهجنهما الضمير والوجدان . وكلما عظم الجميل والإحسان كان جحودها أشد نكراً وأفضع جريرةً وإثماً . وبهذا المقياس ندرك بشاعة عقوق الوالدين وفضاعة جرمه ، حتى عد من الكبائر الموجبة لدخول النار . ولا غرابة فالعقوق ـ فضلاً عن مخالفته المبادئ الإنسانية ، وقوانين العقل والشرع ـ دال على موت الضمير ، وضعف الإيمان ، وتلاشي القيم الإنسانية في العاق .
فقد بذل الأبوان طاقات ضخمة وجهوداً جبارة ، في تربية الأبناء وتوفير ما يبعث على إسعادهم وازدهار حياتهم مادياً وأدبياً ، ما يعجز الأولاد عن تثمينه وتقديره .
فكيف يسوغ للأبناء تناسي العواطف والألطاف ومكافأتها بالإساءة والعقوق ؟
من أجل ذلك حذرت الشريعة الإسلامية من عقوق الوالدين أشد التحذير ، وأوعدت عليه بالعقاب العاجل والآجل .
فعن أبي الحسن عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « كُنْ بَارّاً وَ اقْتَصِرْ عَلَى الْجَنَّةِ وَ إِنْ كُنْتَ عَاقّاً فَظّاً فَاقْتَصِرْ عَلَى النَّارِ » (3) .
وعن أمير المؤمنين عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : « ثلاثة من الذنوب تعجل عقوبتها ولا تؤخر إلى الآخرة : عقوق الوالدين ، والبغي على الناس ، وكفر الاحسان » (4) .
وقال أبو عبد الله عليه السلام: « ما يمنع الرجل منكم أن يبر والديه حيين وميتين يصلي عنهما، ويتصدق عنهما، ويحج عنهما، ويصوم عنهما فيكون الذي صنع لهما وله مثل ذلك، فيزيده الله عز وجل ببره وصلته خيرا كثيرا » (5).
قال الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام : « بَرُّوا آبَاءَكُمْ يَبَرَّكُمْ أَبْنَاؤُكُمْ وَ عِفُّوا عَنْ نِسَاءِ النَّاسِ تَعِفَّ نِسَاؤُكُمْ » (6).
قصة علقمة في سكرات موته
وحكي انّه كان في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شاب يسمى علقمة ، وكان كثير الاجتهاد في طاعة الله ، في الصلاة والصوم والصدقة ، فمرض واشتد مرضه ، فأرسلت امرأته الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ان زوجي علقمة في النزع فأردت أن اعلمك يا رسول الله بحاله. فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عمارا وصهيبا وبلالا ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم امضوا اليه ولقّنوه الشهادة ، فمضوا اليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزاع فجعلوا يلقنونه : لا اله الاّ الله. ولسانه لا ينطق بها فارسلوا الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة. فقال صلى الله عليه وآله وسلم : هل من ابويه أحد حي ؟. قيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم كبير السنّ ، فأرسل اليها رسول الله صلى الله عليه وآله ، وقال للرسول : قل لها ان قدرت على المسير الى رسول الله صلى الله عليه وآله ، والاّ فقرّي في المنزل حتى يأتيك ، فجاء اليها شخص فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقالت : نفسي له الفداء ، انا احق بأتيانه فتوكأت على عصى ، واتت الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فسلّمت ، فردّ عليها السلام ، وقال لها : يا أم علقمة اصدقيني ، وان كذبتيني جاء الوحي من الله تعالى ، كيف كان حال ولدك علقمة ؟ قالت : يا رسول الله ، كثير الصلاة وكثير الصيام ، وكثير الصدقة. قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : فما حالك ؟. قال : يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انا عليه ساخطة. قال صلى الله عليه وآله وسلم : ولم ؟ قالت : يا رسول الله يؤثر على زوجته ويعصيني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ان سخط أم علقمة حجب لسان علقمة عن الشهادة ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم : يا بلال انطق واجمع لي حطبا كثيراً ! قالت : يا رسول الله صلى وما تصنع به ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : احرقه بالنار بين يديك قالت : يا رسول الله ولدي لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي. قال صلى الله عليه وآله وسلم : يا أم علقمة عذاب الله اشّد وأبقى ، فان سرّك أن يغفر الله له فارضى عنه فوالذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصداقته ما دمت عليه ساخطة فقالت : يا رسول الله اني اشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين : اني قد رضيت عن ولدي علقمة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : انطلق يا بلال اليه فانظر هل يستطيع أن يقول : لا اله الاّ الله. أم لا.
فدخل بلال فسمع علقمة يقول لا إله إلا الله
وقال : يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة وإن رضاها أطلق لسانه ، ثم مات علقمة من يومه فحضر رسول الله فأمر بغسله وكفنه ثم صلى عليه وحضر دفنه.
1ـ تحف العقول / ابن شعبة الحراني / المجلّد : 1 / الصفحة : 489.
2ـ الکافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 4 / الصفحة : 66 / ط دار الحدیث.
3ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 2 / الصفحة : 348 / ط دار الحدیث.
4ـ بحار الأنوار / العلامة المجلسي / المجلّد : 74 / الصفحة : 74 / ط مؤسسة الوفاء.
5ـ وسائل الشيعة / الشيخ حرّ العاملي / المجلّد : 5 / الصفحة :365 / ط الإسلامية.
6ـ الكافي / الشيخ الكليني / المجلّد : 5 / الصفحة : 554 / ط الاسلامية.
التعلیقات