دور أميرالمؤمنين في إنشاء بيئة مليئة بالمحبة في الأسرة
السيد حسين الهاشمي
منذ 3 ساعاتتُعتبر الأسرة النواة الأساسية للمجتمع، وهي المكان الذي يتعلم فيه الأفراد قيم الحب والاحترام والتعاون. إن إنشاء بيئة مليئة بالمحبة داخل الأسرة ليس مجرد هدف، بل هو ضرورة لضمان نمو صحي وسليم لأفرادها. أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام رمزٌ للعدالة والمحبة في التاريخ الإسلامي. وقد ترك بصمةً واضحةً على المجتمع الإسلامي من خلال تعاليمه وسيرته العطرة. إنّ دوره في إنشاء بيئة مليئة بالمحبة داخل الأسرة يُعدّ من أبرز جوانب شخصيته، حيث أظهر من خلال تصرفاته وأقواله أهمية العلاقات الأسرية المبنية على الحب والاحترام.
تتجلى رؤية أميرالمؤمنين عليه السلام في بناء الأسرة ككيان متماسك وموحد، حيث اعتبر أن المحبة هي الأساس الذي يُبنى عليه كل تفاعل إنساني. فقد كان يولي أهمية كبيرة للعلاقات بين أفراد الأسرة، ويشجع على التواصل الفعّال والتفاهم، مما يُسهم في تعزيز الروابط الأسرية. في هذا السياق، يُمكننا أن نستعرض كيف أن تعاليم أميرالمؤمنين عليه السلام قد ساهمت في تعزيز قيم المحبة والتسامح داخل الأسرة، من خلال تقديم نموذج يُحتذى به في التعامل مع الزوجة والأبناء والأقارب. إنّ دراسة دور أمير المؤمنين عليه السلام في إنشاء بيئة مليئة بالمحبة في الأسرة لا تقتصر على الجانب النظري فحسب، بل تشمل أيضًا تطبيقات عملية من خلال سيرته، مما يجعلها موضوعًا غنيًا بالمعاني والدروس التي لا تزال تُلهم الأجيال حتى اليوم.
المحبة والرحمة في سيرة أميرالمؤمنين عليه السلام
تُعتبر سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نموذجًا يُحتذى به في المحبة والرحمة، خاصةً في العلاقات الأسرية. فقد كان الإمام علي عليه السلام يُجسد القيم النبيلة في التعامل مع أسرته، مما يُعكس تعاليم الإسلام السامية في بناء علاقات قائمة على الحب والاحترام. كان أميرالمؤمنين عليه السلام يُظهر مودةً كبيرةً تجاه أسرته، حيث كان يُعتبر الأب الحنون والزوج المُحب. فقد كان يُعامل زوجته فاطمة الزهراء عليها السلام بكل احترام وتقدير، ويُظهر لها الحب في كل تصرفاته. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام حول تعامله مع زوجتها فاطمة الزهراء سلام الله عليها:« فوالله ما أغضبتها ، ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزوجل ، ولا أغضبتني ، ولا عصت لي أمرا ، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والاحزان.» (1). وأيضا حكي عنه عليه السلام أنه كان يُساعد فاطمة الزهراء سلام الله عليها في الأعمال المنزلية ويُشاركها في شؤون الحياة اليومية، مما يُعزز من روح التعاون والمودة بينهما. فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام:« كان أمير المؤمنين عليه السلام يحطب ويستسقي ويكنس ، وكانت فاطمة تطحن وتعجن وتخبز.» (2). وأيضا كان أميرالمؤمنين عليه السلام يخاطب زوجته بكلمات جميلة. فقد روى الإمام الصادق عليه السلام أن أميرالمؤمنين عليه السلام كان يخاطب زوجته ب(سيدتي) حيث قال:« لما حضرت فاطمة الوفاة بكت فقال لها أمير المؤمنين : ياسيدتي مايبكيك؟ قالت : أبكي لما تلقى بعدي فقال لها : لاتبكي فوالله إن ذلك لصغير عندي في ذات الله» (3).
تربية الأبناء بالمحبة والرحمة في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام
تربية الأبناء من أهم المسؤوليات التي تقع على عاتق الأهل، حيث تُشكل الأساس الذي يُبنى عليه مستقبلهم. في هذا السياق، تُعد سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام نموذجًا يُحتذى به في تربية الأبناء بالمحبة والرحمة. فقد كان أميرالمؤمنين عليه السلام يُجسد قيم الحب والعطف في تعامله مع أبنائه، مما يُعزز من بناء شخصياتهم بشكل سليم. حيث قال أميرالمؤمنين عليه السلام:« حَقُّ الْوَلَدِ عَلَى الْوَالِدِ أَنْ يُحَسِّنَ اسْمَه ويُحَسِّنَ أَدَبَه ويُعَلِّمَه الْقُرْآنَ. » (4). لم يقتصر دور الإمام علي عليه السلام على الحب فقط، بل كان يُولي أهمية كبيرة للتعليم والتوجيه. كان يُعلم أبنائه القيم والأخلاق الحميدة، ويُشجعهم على التعلم والمعرفة. من خلال توجيهاته، كان يُعزز فيهم روح المسؤولية والاعتماد على النفس. حيث قال أميرالمؤمنين عليه السلام في وصيته إلى ولده الإمام الحسن عليه السلام:« إِنَّمَا قَلْبُ الْحَدَثِ كَالْأَرْضِ الْخَالِيَةِ مَا أُلْقِيَ فِيهَا مِنْ شَيْءٍ قَبِلَتْهُ، فَبَادَرْتُكَ بِالْأَدَبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسُوَ قَلْبُكَ وَ يَشْتَغِلَ لُبُّكَ» (5). وكان أميرالمؤمنين عليه السلام لايؤدب الأولاد من صباوتهم حتى يشق عليهم بل كان كما قال عليه السلام:« يُرَبَّى الصَّبِيُ سَبْعاً وَ يُؤَدَّبُ سَبْعاً وَ يُسْتَخْدَمُ سَبْعاً» (6).
إنشاء بيئة هادئة ودافئة في الأسرة في سيرة أميرالمؤمنين
إن إنشاء بيئة هادئة ودافئة داخل الأسرة يُعد أمرًا بالغ الأهمية، إذ يؤثر بشكل مباشر على الصحة النفسية لأفراد الأسرة. البيئة الهادئة تُساعد في تقليل مستويات القلق والتوتر، مما يُساهم في تحسين الحالة النفسية العامة. عندما يشعر الأفراد بالحب والدعم، فإن ذلك يُعزز من ثقتهم بأنفسهم ويُساعدهم على مواجهة التحديات. البيئة الدافئة تُعزز من الروابط الأسرية وتُسهم في بناء علاقات صحية ومستدامة والأجواء الإيجابية تُساهم في زيادة مستويات السعادة والرضا بين أفراد الأسرة. خلق أميرالمؤمنين عليه السلام بيئة هادئة ودافئة ومليئة المحبة والمودة من أول يوم زواجه مع فاطمة الزهراء سلام الله عليها. حتى روي أن فاطمة الزهراء سلام الله عليها أنشدت شعرا في حق أميرالمؤمنين عليه السلام في تلك الأيام الأول من حياتهما:
« أضحي الفخار لنا و عزّ شامخ
و لقد سمونا في بني عدنان
نلت العلا و علوت في كل الورى
و تقاصرت عن مجدك الثقلان
أعني عليا خير من وطأ الثرى
ذا المجد و الإفضال و الإحسان
فله المكارم و المعالي و الحباء
ما ناحت الأطيار في الأغصان» (7).
إحترام الزوجة وحقوقها
كان الإمام علي عليه السلام يُعبر عن احترامه الكبير لزوجته فاطمة الزهراء عليها السلام في كل جوانب حياتهم المشتركة. كان يُظهر لها التقدير والاحترام. فقد روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام في وصيته إلى الإمام المجتبى عليه السلام:« وإِيَّاكَ والتَّغَايُرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ غَيْرَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ يَدْعُو الصَّحِيحَةَ إِلَى السَّقَمِ والْبَرِيئَةَ إِلَى الرِّيَبِ» (8). وقال أميرالمؤمنين عليه السلام في وصيته إلى إبنه محمد بن الحنفية:« يا بني ... إِنِ اِسْتَطَعْتَ أَنْ لاَ تُمَلِّكَ اَلْمَرْأَةَ مِنْ أَمْرِهَا مَا جَاوَزَ نَفْسَهَا فَافْعَلْ فَإِنَّهُ أَدْوَمُ لِجَمَالِهَا وَ أَرْخَى لِبَالِهَا وَ أَحْسَنُ لِحَالِهَا فَإِنَّ اَلْمَرْأَةَ رَيْحَانَةٌ وَ لَيْسَتْ بِقَهْرَمَانَةٍ فَدَارِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ وَ أَحْسِنِ اَلصُّحْبَةَ لَهَا لِيَصْفُوَ عَيْشُكَ» (9). وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أميرالمؤمنين عليه السلام رواية جميلة حول مساعدة الأهل والعيال:« عن علي عليهالسلام قال: دخل علينا رسول الله صلىاللهعليهوآله وفاطمة جالسة عند القِدر وأنا أُنقي العدس. قال:يا أبا الحسن. قلت: لبيك يا رسول الله. قال: إسمع مني ـ وما أقول إِلاّ من أمر ربي ـ ما من رجل يعين امرأته في بيتها إِلاّ كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة ، صيام نهارها وقيام ليلها... يا علي، من كان في خدمة العيال في البيت ولم يأنف كتب الله تعالى اسمه في ديوان الشهداء ، وكتب الله له بكل يوم وليلة ثواب أَلف شهيد... يا علي ، ساعة في خدمة العيال خير من عبادة أَلف سنة وأَلف حجة وأَلف عمرة ، وخير من عتق أَلف رقبة وأَلف غزوة... يا علي، من لم يأنف من خدمة العيال دخل الجنة بغير حساب. يا علي، خدمة العيال كفارة للكبائر، وتطفىء غضب الرب ومهور الحور العين وتزيد في الحسنات والدرجات .يا علي، لا يخدم العيال إلا صدِّيق أو شهيد، أورجل يريد الله به خير الدنيا والأخرة.» (10).
هذه كانت جملة من أقوال وأفعال أميرالمؤمنين عليه السلام في إنشاء بيئة مليئة بالمحبة في الأسرة. أرجوا أنكم استفدتم منها.
1) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 134 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
2) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 41 / الصفحة: 54 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
3) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 43 / الصفحة: 218 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
4) نهج البلاغة (للسيد الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 546 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
5) نهج البلاغة (للسيد الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 393 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
6) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 493 / الناشر: جامعة المدرسين في الحوزة – قم / الطبعة: 2.
7) الموسوعة الكبرى عن فاطمة الزهراء (لاسماعيل الأنصاري الزنجاني) / المجلد: 21 / الصفحة: 544 / الناشر: نشر دليلنا – قم / الطبعة: 1.
8) نهج البلاغة (للسيد الرضي) / المجلد: 1 / الصفحة: 405 / الناشر: دار الكتب اللبناني – بيروت / الطبعة: 1.
9) من لا يحضره الفقيه (للشيخ الصدوق) / المجلد: 3 / الصفحة: 556 / الناشر: جامعة المدرسين في الحوزة – قم / الطبعة: 2.
10) جامع الأخبار ( للشيخ محمد السبزواري) / المجلد: 1 / الصفحة: 276 / الناشر: مؤسسة آل البيت لإحياء التراث – قم / الطبعة: 1.
التعلیقات