في قلب التاريخ والثقافة: نظرة على المتاحف البارزة في العراق ومصر والسعودية
السيد حسين الهاشمي
منذ يوميحتفل العالم في كل عام، وتحديدًا في الثامن عشر من مايو، بـاليوم العالمي للمتاحف الذي يُنظمه المجلس الدولي للمتاحف (ICOM) . ويهدف هذا اليوم إلى رفع مستوى الوعي بأهمية المتاحف بوصفها مؤسسات حيوية لحفظ ذاكرة الشعوب، وتعزيز الحوار الثقافي، والتبادل المعرفي بين الأمم.
أهمية المتاحف في حفظ التاريخ والهوية
المتحف ليس مجرد مبنى يحوي قطعًا أثرية، بل هو مؤسسة معرفية تربوية وثقافية، تؤدي دورًا أساسيًا في بناء الوعي الفردي والجماعي. تحفظ المتاحف الشواهد المادية للتاريخ: الأدوات، النقوش، المخطوطات، الأعمال الفنية، وكل ما يعكس الحياة الاقتصادية، الاجتماعية، والفكرية في مختلف العصور. وبهذا، فهي تسهم في صيانة الذاكرة الجمعية وتعزيز الهوية الوطنية، كما توفر فضاءً تربويًا حيويًا لطلاب المدارس والجامعات والباحثين. لهذا قال الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم: ﴿ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾ (1).
مكانة الدول العربية في مسيرة الحضانة الإنسانية
الدول العربية تمتاز بتراث حضاري ثري يندر وجود مثيله في العالم. من الحضارات السومرية والأكادية والفرعونية إلى الحضارة الإسلامية، شكّلت المنطقة العربية مهدًا للعديد من الإنجازات التي أرست دعائم الفكر، القانون، والفن. ولذلك، فإن المتاحف العربية تحتضن كنوزًا لا تقدر بثمن. فبلاد الرافدين وهي العراق قدّمت للبشرية أولى الكتابات والمدن والقوانين، ومصر القديمة أبهرت العالم بمعابدها وأهراماتها، بينما شكّلت شبه الجزيرة العربية محطة مركزية في التاريخ الديني والثقافي مع بزوغ فجر الإسلام.
لهذا قررنا أن نكتب لكم عن أبرز المتاحف في العراق ومصر والسعودية.لكن قبل الخوض في الموضوع، أريد منكم أن تكتبوا لنا عن المتاحف التي تعرفونها في هذه الدول وغيرها من الدول العربية وتكتبوا لنا عن مميزاتها.
متاحف العراق
1) متحف الوطني العراقي في بغداد
يحتلّ المتحف الوطني العراقي مكانة فريدة في تاريخ المتاحف العالمية، إذ لا يُعدّ مجرد موقع للعرض، بل مركزًا توثيقيًا ومعرفيًا لتاريخ البشرية المبكّر. تأسس هذا الصرح الثقافي ليكون شاهدًا حيًا على الحضارات العريقة التي نشأت في بلاد الرافدين، مهد الكتابة والقانون والمجتمع المدني الأول.
تاريخ تأسيس المتحف
تأسس المتحف الوطني العراقي في عام 1926 تحت اسم متحف بغداد للآثار، ليُعاد افتتاحه رسميًا كمتحف وطني في عام 1966 بمقره الحالي في منطقة العلاوي في بغداد.
تعرض المتحف لأضرار جسيمة ونهب واسع النطاق خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، حيث سُرقت آلاف من القطع الأثرية النادرة، ما شكّل صدمة للمجتمع الثقافي العالمي. ومنذ ذلك الحين، أطلقت الحكومة العراقية بالتعاون مع منظمات دولية مثل اليونسكو والـ ICOM مشاريع ترميم وإعادة تأهيل المتحف، وتم استرجاع عدد كبير من القطع المسروقة بفضل الجهود القانونية والدبلوماسية.
المقتنيات الأثرية
يحتضن المتحف آلاف من القطع الأثرية ومن أبرزها:
آثار الحضارة السومرية: تماثيل لعبّاد سومريين و ألواح طينية مكتوبة بالخط المسماري و أختام أسطوانية متقنة.
آثار الحضارة البابلية: نموذج مصغّر لبرج بابل و نسخ من شريعة حمورابي تماثيل ملوك بابل ونقوش المعابد.
آثار الحضارة الآشورية: تماثيل ضخمة للثيران المجنحة (لاماسو) و نقوش جدارية تمثل معارك وطقوس ملكية و أدوات فنية وزخرفية ذات طابع عسكري وديني.
مقتنيات من العصر الإسلامي: مخطوطات قرآنية نادرة و أواني خزفية ذات زخرفة هندسية و قطع نقدية من عصور العباسيين والصفويين.
أبرز معروضات المتحف
مسلّة حمورابي: مسلة حمورابي واحدة من أقدم وأشهر القوانين المكتوبة في التاريخ، تمثل حجر الزاوية في فهم النظام القانوني البابلي. تحتوي على أكثر من 280 مادة قانونية منقوشة باللغة الأكدية.
الثيران المجنحة: الثيران المجنحة هي تماثيل ضخمة من الحجر الجيري تعود إلى قصر الملك سرجون الثاني في نينوى، تجسد القوة والحكمة، وتُعدّ من أيقونات الفن الآشوري.
لوحة أور القيمة: هي لوحة فنية مرصّعة بالأحجار الكريمة واللازورد، تُظهر مناظر الحياة اليومية والطقوس الملكية في مدينة أور السومرية.
2) متحف أربيل الحضاري
في قلب مدينة أربيل، إحدى أقدم المدن المأهولة في العالم، يقع متحف أربيل الحضاري الذي يُعدّ شاهدًا على التاريخ الطويل والمتنوع للمنطقة.
تاريخ تأسيس المتحف
تأسس متحف أربيل في عام 1967، وكان في بداياته يضمّ مجموعة محدودة من القطع الأثرية التي جُمعت من مواقع محلية. يُعدّ المتحف مرجعًا مهمًا للباحثين والمهتمين بالتاريخ الكردي والعراقي بشكل عام، لما يحتويه من آثار تؤكد التنوع الثقافي في كردستان، وتوثّق تطور المجتمعات في المنطقة من عصور ما قبل التاريخ إلى العصر الإسلامي.
محتويات المتحف
من أبرز القطع الأثرية التي تضمها المتحف هن:
آثار العصر الحجري: أدوات حجرية بدائية و أوانٍ فخارية يدوية الصنع و تماثيل صغيرة تمثل رموزًا دينية أو طقوسية.
آثار فترة العبيد وأوروك: أدوات زراعية ومعدنية نادرة و أختام طينية تحمل رموزًا مبكرة للكتابة و أوانٍ فخارية مزخرفة بأنماط هندسية مميزة.
آثار العصر الآشوري والبابلي: لوحات طينية مكتوبة بالخط المسماري و تماثيل حجرية صغيرة و مجسمات دينية طقسية.
آثار فترة الإسلام: نقود فضية وبرونزية من العصور العباسية و أوانٍ خزفية بزخارف نباتية وهندسية ومخطوطات قرآنية وكتب دينية.
أبرز المعروضات في المتحف
أبرز المعروضات في هذا المتحف هي أدوات فريدة من عصر العبيد وأدوات منزلية من فترة أوروك ومجموعة من النقود الإسلامية.
متاحف مصر
1) متحف مصر في القاهرة
لا تُذكر مصر القديمة إلا ويرتبط اسمها بالمتحف المصري في القاهرة، الذي يشكّل أيقونة عالمية في حفظ التراث الفرعوني.
تأسيس المتحف وتصميمه
تأسّس المتحف رسميًا عام 1902، في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، ليكون أول متحف أثري من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. وقد صُمّم المبنى على الطراز الكلاسيكي الفرنسي الجديد على يد المعماري الفرنسي مارسيل دورغنون، وجُهّز ليكون مركزًا علميًا وثقافيًا لحفظ وعرض الآثار المصرية.
المقتنيات الأثرية للمتحف
يضم المتحف مقتنيات أثرية منها:
كنوز توت عنخ آمون: تُعدّ مجموعة الملك الشاب توت عنخ آمون من أبرز كنوز المتحف، حيث تم اكتشافها كاملة في وادي الملوك عام 1922 وتضم القناع الذهبي الشهير المصنوع من الذهب الخالص والأحجار الكريمة وعرش الملك المرصع وتماثيل حراسة المقبرة وأدوات الحياة اليومية والمراسم الجنائزية.
المومياوات الملكية: يضم المتحف مجموعة من المومياوات لملوك وملكات من الدولة الحديثة أشهرها مومياء رمسيس الثاني، أحد أعظم فراعنة مصر ومومياء تحتمس الثالث ومومياء الملكة حتشبسوت.
أبرز معروضات المتحف
القناع الذهبي لتوت عنخ آمون وهو الرمز الأشهر للمتحف.
مومياء رمسيس الثاني تُعرض في قاعة خاصة مع تقنية حفظ دقيقة.
لوحة نارمر وهي التي تمثل أول توحيد سياسي لمصر العليا والسفلى.
2) متحف القومي للحضارة المصرية في الفسطاط
لطالما ارتبط اسم مصر بالحضارة والتاريخ، إلا أن تجسيد هذا الامتداد الحضاري عبر آلاف السنين لم يجد مكانًا أكثر تكاملاً من المتحف القومي للحضارة المصرية. يقع المتحف في منطقة الفسطاط، أول عاصمة إسلامية لمصر بعد الفتح العربي.
تأسيس المتحف وإفتتاحه الرسمي
رغم أن فكرة المتحف تعود إلى سبعينيات القرن العشرين، فإن تنفيذه لم يبدأ فعليًا إلا في العقد الأخير، وافتُتح رسميًا للجمهور في أبريل 2021، بالتزامن مع نقل المومياوات الملكية من المتحف المصري في التحرير إلى مقرّها الدائم في الفسطاط، في حدث عالمي عُرف بـموكب المومياوات الملكية، وتابعه الملايين حول العالم.
مقتنيات المتحف
عصور ما قبل التاريخ: تضم المتحف آثارا مثل دوات حجرية بدائية ونماذج من المساكن والمقابر الأولى وتمائم وأدوات زينة من عصور النيوليت.
الحضارات الفرعونية: كتماثيل ملكية وأدوات طقسية وجنائزية وحُليّ من الذهب والفضة.
العصرين اليوناني والروماني: تماثيل وتمائم وأوانٍ فخارية وأدوات طبية وعملات معدنية.
متاحف السعودية
1) المتحف الوطني السعودي في الرياض
تأسيس المتحف وموقعه
تم افتتاح المتحف رسميًا عام 1999، ضمن مشروع مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، بمساحة تتجاوز 28000 متر مربع، ويقع في قلب العاصمة الرياض. يتميز مبناه بطراز معماري حديث مستلهم من الكثبان الرملية في صحراء نجد، ما يُضفي عليه طابعًا محليًا أصيلًا ومتناغمًا مع محتواه التاريخي.
المقتنيات الأثرية والقاعات
يعرض المتحف عبر أكثر من 3700 قطعة أثرية وينقسم إلى ثمانية قاعات متتالية.
قاعة الإنسان والكون: تتناول نشأة الكون والأرض والظواهر الطبيعية، مع عرض لنماذج جيولوجية، ومجسمات للأحافير.
قاعة الممالك العربية القديمة: توثّق الحضارات التي ازدهرت قبل الإسلام، مثل حضارة الأنباط، ومدائن صالح (الحِجر)، وحضارة لحيان.
قاعة العصر الجاهلي: تعرض طبيعة الحياة قبل الإسلام، من حيث اللغة، التجارة، الديانات، والعادات الاجتماعية.
قاعة البعثة النبوية: تضمّ نموذجًا كبيرًا لبيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة المنورة، إلى جانب خرائط لغزواته.
قاعة الإسلام وشبه الجزيرة: تُوثّق دور الجزيرة في نشر الإسلام وتطور الحضارة الإسلامية.
قاعة الدولة السعودية الأولى والثانية: تشرح بداية تكوّن الدولة السعودية في نجد خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
قاعة توحيد المملكة: تُبرز جهود الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود في توحيد مناطق المملكة.
قاعة الحج والحرمين: تُظهر تاريخ الحج والعمرة وتطور الحرمين الشريفين عبر العصور.
2) متحف جدّة (قصر خزام)
هذا المتحف ليس فقط صرحًا أثريًا، بل هو مستودع غنيّ بالوثائق، والصور، والتحف التي تُعبّر عن روح مدينة جدة ودورها في التاريخ الوطني والديني.
البناء وتحوله إلى متحف
تم تشييد قصر خزام في ثلاثينيات القرن العشرين بأمر من الملك عبدالعزيز آل سعود، ليكون مقرًا له عند زيارته إلى جدة.
في ثمانينيات القرن الماضي، تقرر تحويل القصر إلى متحف إقليمي لمدينة جدة، بإشراف الهيئة العامة للآثار والمتاحف. وتم ترميم القصر مع الحفاظ على طابعه الأصلي، ليُفتتح كمتحف يعرض تاريخ منطقة الحجاز.
أبرز المعروضات
أبرز المعروضات الموجودة في هذا المتحف هي صورة نادرة من حج القرن العشرين والوثيقة الأصلية لأمر إنشاء ميناء جدة الإسلامي وزيّ نسائيّ حجازي تقليدي مزين بالفضّة.
القطع المعروضة
هناك العديد من القطع التاريخية التي تمّ عرضها في هذا المتحف. منها الصور الملكية والوثائق والأزياء الشعبية الحجازية ومقتنيات الحج والعملات والأسلحة والأدوات التراثية.
هذه جملة من المتاحف الموجودة في الدول العربية. إذا كنتم تعلمون متاحف أخرى في هذه الدول أو دول عربية أخرى، أكتبوا لنا في التعليقات حتى نتعلم منكم.
1) سورة آل عمران / الآية: 137.
التعلیقات