حكاية زواج الإمام العسكري من السيدة نرجس عليهما السلام
السيد حسين الهاشمي
منذ شهروردت حكاية زواج الإمام الحسن العسكري عليه السلام من السيدة نرجس عليها السلام في كتاب الغيبة للشيخ النعماني (1)، وكتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسي (2)، وكتاب كمال الدين للشيخ الصدوق رحمهم الله (3). هي من كرامات الإمام الهادي عليه السلام والإمام الحسن العسكري عليه السلام.
حكاية زواج الإمام العسكري مع السيدة نرجس عليهما السلام
كان بشر بن سليمان من الشيعة والتابعين للإمام الهادي عليه السلام وكان يبيع العبيد والإماء وهو من كبار الشيعة وثقاتهم. فهو ينقل هذه الرواية ويقول:« جائني في يوم من الأيام ، كافور خادم الإمام الهادي عليه السلام وقال: إن الإمام يدعوك ويريد أن يتحدث معك.» فذهب بشر بن سليمان إلى الإمام الهادي عليه السلام وجلس عند الإمام عليه السلام. فقال له الإمام الهادي عليه السلام: « يابشر، إنك من ولد الانصار وهذه الموالاة لم تزل فيكم يرثها خلف عن سلف وأنتم ثقاتنا أهل البيت. فأريد منك أن تشتري لي أمة معينة» فكتب الإمام كتابًا باللغة الرومية، وختمه بختمه الشريف، ووضعه في قماش أصفر، ووضع في القماش مائتين وعشرين دينارًا، وأعطى القماش لبشر وقال له: « خذها واذهب إلى بغداد في يوم كذا واذهب إلى سوق العبيد والإماء وشاهد الناس الذين يشترون العبيد والإماء ولكن لاتتحدث معهم بل تحقق من شخص بإسم عمر بن يزيد الذي يبيع العبيد والإماء وإبق معه حتى تطلع إليك جارية بهذه الصفات وهي لابسة لباس جميلا من حرير وتمتنع من أن ينظر إليها أحد وأن يلمسها أحد ولاتتحدث مع أحد من الناس. فيقول بعض المبتاعين أنه يريد أن يشتري هذه الجارية بثلاثمئة دينار ولكن الجارية ستمتنع من هذا وتقول له: « إني لن أكون طائعة لك ولن تتمتع بأن أكون جارية لك. فأتركني».
فحينما يشاهد عمر بن يزيد هذه الواقعة، سيقول لها: ليس بيدي حيلة، ويجب أن أبيعك. فتقول له الجارية: « لاتستعجل، يجب أن يأتي أحد يطمئن به قلبي حتى أذهب معه » فاذهب إلى عمر بن يزيد وقل له: « عندي كتاب بخط رومي من شخص وأنا وكيله في شراء الجارية، إذا اطمأنت له سوف آخذها » فيقول بشر بن سليمان: امتثلت جميع ما قاله الإمام عليه السلام وفي الواقع حدث جميع تلك الأمور. فلما قرأت الجارية الكتاب، بكت وقالت لعمر بن يزيد: « بعني لصاحب الكتاب وإن لم تبعني إليه سأقتل نفسي »
فتكلم بشر مع عمر بن يزيد وتوافقا على مائتين وعشرين دينارا واشترى بشر الجارية وذهب بها إلى مكان إقامته في بغداد. فعندما وصلا إلى ذلك المكان، أخرجت الجارية كتاب الإمام عليه السلام وجعلت تقبله وتجعله على صدرها وعينيها وعلى بدنها. فتعجب بشر بن سليمان من فعل الجارية وسألها عن فعلها. فقالت الجارية: « أيها العاجز الضعيف المعرفة بمحل أولاد الأنبياء، أعرني سمعك وفرغ لي قلبك حتى أقول لك حكايتي. أنا مليكة بنت يشوعا بن قيصر ملك الروم، وأمي من ولد الحواريين تنسب إلى وصي المسيح شمعون. أنبئك بالعجب. إنّ جدي قيصر الروم وكان عمري ثلاث عشرة سنة وأراد أن يزوجني من إبن أخيه.
فجمع في قصره ثلاثمئة من القسيسين والرهبان وسبعمأة من أفراد حكومته وأربعة آلاف من ملوك العشائر. فجاء بعرش من الجواهر وجعله منبرا وصعد عليه إبن أخيه. فلما صعد، قامت الأساقفة ونشروا الإنجيل بين يديه. فعندها وقعت الأصلاب وانكسرت أعمدة العرش الذي كان عليه. فوقع ذلك الفتى على الأرض وأغمي عليه. فخاف الأساقفة وتغيرت لونهم » عندها قال كبير الأساقفة: « أيها الملك، أعفنا من ملاقاة هذه النحوس الدالة على زوال هذا الدين المسيحي والمذهب الملكاني»، فعندها تطاير جدي بهذه الوقايع وقال للأساقفة: « أيقظوا هذا الولد وأعدلوا الأصلاب حتى نزوج هذه البنت بهذا الولد حتى يذهب الله بهذا التزويج، نحوسة الواقعة التي شاهدناها» فعندما فعلوا ذلك، وقع ما وقع في المرة الأولى مرةً ثانية، ولهذا تفرق الجمع، وعاد الملك إلى غرفته غاضبًا، وأغلق باب غرفته.
ففي تلك الليلة رأت الجارية مناما عجيبا. تقول الجارية: « رأيت في تلك الليلة كأن المسيح وشمعون وعدة من الحواريين قد اجتمعوا في قصر جدي ونصبوا فيه منبرا من نور يباري السماء علوا وارتفاعا في الموضع الذي كان نصب جدي ذلك العرش والمنبر، وفيه عرشه ودخل عليه محمد صلى الله عليه وآله وسلم واستقبله المسيح » فقال المسيح عليه السلام للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: « إني قد أتيتك حتى أخطب إبنتكم هذه من إبني هذه وأشار إلى الإمام العسكري عليه السلام» فنظر المسيح إلى شمعون وقال له: « قد أتاك الشرف فصل رحمك برحم آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم » فصعد شمعون على المنبر وقبل الزواج فخطب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وزوجني من إبنه وشهد المسيح عليه السلام وشهد أبناء محمد والحواريون.
فلما استيقظت، خفت أن أقصّ الرؤيا على جدي خوفًا من أن يقتلني. لكن منذ تلك الليلة، امتلأ قلبي حبًا للإمام الحسن العسكري عليه السلام، حتى امتنعتُ عن الطعام والشراب. فضعفت نفسي ومرضت مرضًا شديدًا. فأحضر جدي جميع الأطباء الموجودين في البلاد، لكنهم لم يستطيعوا فعل شيء. فقال لي جدي: « هل تريدين شيئا في هذه الدنيا حتى أحضره لك؟ » فقلت: « يا جدي! أرى جميع الأبواب عليّ مغلقة. فأريدك أن تطلق سراح المسلمين الأسارى عندك » فعندما فعل جدي ذلك، شُفيت قليلًا من مرضي، وبدأت أتناول الطعام شيئًا فشيئًا، وبدأ لون وجهي يعود إلى حالته الطبيعية. فسرَّ جدي بذلك. وبعد ذلك، بدأ جدي يُلاطف الأسرى، خصوصًا المسلمين منهم.
فمضى أربع عشرة ليلة من هذه الواقعة فرأيت في المنام السيدة فاطمة سلام الله عليها ومعها مريم بنت عمران سلام الله عليها وألف من حور الجنة. فقالت لي السيدة مريم سلام الله عليها: « هذه سيدة النساء أم زوجك أبي محمد» فتعلّقت بها وبكيت وشكيت إليها فراقي من الإمام العسكري عليه السلام وشوقي إلى مشاهدته والتكلم معه. فقالت السيدة فاطمة سلام الله عليها: « إن إبني أبا محمد لايزورك وأنت مشركة بالله على مذهب النصارى. وهذه أختي مريم بنت عمران تبرء إلى الله من دينك. فإن ملت إلى رضى الله تعالى ورضى المسيح ومريم وزيارة أبي محمد عليه السلام إياك، فقولي أشهد أن لا إله إلا الله وأن أبي، محمدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم» فلما قلت هذه الكلمات وأسلمت على يديها، ضمتني إلى صدرها وقالت: « الآن إنتظري حتى تلتقي بزوجك » فلما كانت الليلة القادمة، رأيت في المنام أن الإمام العسكري عليه السلام قد جاء إليّ وشكوت إليه عن تأخير مجيئه إليّ. فقال لي: « ما كان تأخّري عنك إلا لشركك فقد أسلمت وأنا زائرك في كل ليلة إلى أن يجمع الله شملنا في العيان» فأنا أراه في كلّ ليلة إلى هذا اليوم.
فقال بشر لها: « كيف أصبحت بين الأسارى وأنت إبنة ملك الروم؟ » فقالت الجارية: « في ليلة من الأيام قال لي الإمام العسكري عليه السلام: إن جدك سوف يشنّ حربا لقتال المسلمين في يوم كذا. فتنكّري وإذهبي في هيئة خادمة معهم. فوقع الحرب بيننا وبين المسلمين فغلب المسلمون علينا وأصبحتُ أسيرة. فعندما كنت في الطريق جاء رجل كبير في السن إليّ وعندما رآني تعجب من حالتي وقال لي: أنت لست على هيئة الأسراء. أخبريني ما إسمك؟ فأخفيت نسبي عنه وقلت له: إن إسمي نرجس. فقال العجوز: هذا إسم بعض الجواري. فلم يسألني شيئا من حسبي ونسبي»
فقال بشر بن سليمان: « ذهبت بها إلى سامراء وعندما وصلت، ذهبت إلى الإمام الهادي عليه السلام » فعندما شاهد الإمام الهادي عليه السلام السيدة نرجس، قال لها: « كيف أراك الله عزّ الاسلام وذلّ النصرانية وشرف محمد وأهل بيته عليهم السلام؟ » فقالت: « كيف أصف لك يا ابن رسول الله ما أنت أعلم به مني » فقال الإمام الهادي عليه السلام: « إني أحب أن أكرمك. فأخبريني أيّ شئ أحب إليك حتى أعطيك؟ عشرة آلاف دينار أم بشرى لك بشرف الأبد؟ » فقالت الجارية: « أريد البشرى بولد لي» فقال لها الإمام الهادي عليه السلام: « أبشري بولد يملك الدنيا شرقا وغربا ويملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا » فقالت السيدة نرجس: « هذا الولد الشريف سيكون من أيّ رجل؟ » فقال الإمام الهادي عليه السلام لها: « ممن خطبك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له في ليلة كذا في شهر كذا في سنة كذا وقال الشهر والسنة بالتاريخ الرومي » فعندها سألها الإمام الهادي عليه السلام: « أخبريني، ممن زوّجك المسيح عليه السلام ووصيه عليه السلام؟ » فقالت: « من إبنك أبي محمد عليه السلام» فقال الإمام الهادي عليه السلام: « هل تعرفينه؟ » فقالت: « وهل خلت ليلة لم يزرني فيها منذ الليلة التي أسلمت على يد سيدة النساء سلام الله عليها » فقال الإمام الهادي عليه السلام لخادمه: « يا كافور، أدع أختي حكيمة سلام الله عليها » فلما دخلت السيدة حكيمة سلام الله عليها، قال لها الإمام الهادي عليه السلام: « ها هية » فاعتنقت السيدة حكمية السيدة نرجس سلام الله عليهما وسُرّت برؤيتها كثيرا. فقال الإمام الهادي عليه السلام للسيدة حكيمة: « يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خذيها إلى منزلك وعلميها الفرائض والسنن، فإنها زوجة أبي محمد عليه السلام، وأم القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف » وبعد ذلك، تزوج الإمام العسكري عليه السلام مع السيدة نرجس سلام الله عليها.
1) كتاب الغيبة (لمحمد بن ابراهيم النعماني) / المجلد: 1 / الصفحة: 214 / الناشر: نشر الصدوق – طهران / الطبعة: 1.
2) بحار الأنوار (للعلامة محمد باقر المجلسي) / المجلد: 51 / الصفحة: 6 / الناشر: مؤسسة الوفاء – بيروت / الطبعة: 2.
3) كمال الدين (للشيخ الصدوق) / المجلد: 2 / الصفحة: 417 / الناشر: دار الكتب الإسلامية – طهران / الطبعة: 2.
التعلیقات