لا تكسر خاطرها
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 6 سنواتكانت العائلة تعيش مع بعضها بكل حنان، ويرئسهم ذلك الشيخ الكبير والوجيه بين قومه وأصحابه الحاج شاكر، وكانت شخصيته مرموقة وجذّابه وباب داره مفتوح دائماً؛
لحل النزاعات والمشاكل التي تحصل بين الناس، وكانت كلمته مسموعة بينهم ويحترمون قوله، ومن کان لديه احتفال أو مجلس فاتحة من أهل المنطقة يقصد دار الحاج الشاكر، ويأتي إليه، وذلك لسعة داره، ورحابة صدره.
وكانت عائلة الحاج شاكر تتكون من ثلاث أبناء، وهم: أحمد وقاسم وجعفر وبنت واحدة باسم جنان وزوجته الوفيّة الحاجة أم أحمد، وكانت الأسرة تعيش بكل صفاء وراحة بال؛ لوجود ذلك الأب الحنون، حتى جاء ذلك اليوم الذي لبّ فيه الحاج شاكر دعوة ربه، وذهب عن هذه الدنيا، ووفد إلى ربه، فانصدمت العائلة بهذا الخبر المؤلم، وأكثر شخص تألم في العائلة هي زوجته أم أحمد زوجته وصاحبته في كل هذا الزمن الطويل التي لم تفارقه طيلة خمسين عام من حين زواجها، فاجتمع الناس في دار الحاج الشاكر، وقدّموا العزاء لأولاده ومن كان يلوذ به.
وبعد مرور عدة أيام من وفاة الحاج شاكر اجتمعت العائلة في بيته، ودار النقاش حول قضية حساسة حق من حقوق الله الذي أعطاه للأدولاد من بعد موت أبيهم نعم تلك قضية هي مسألة الأرث، ولكن لماذا بهذه العجالة أنهم يعلمون أن أمهم مفجوعة، ولم يمضي عن وفاة أبيهم إلاّ أيام معدودة لقد تكدّر خاطرها من هذا الأمر.
نعم، الأخ الأكبر أحمد بصحبة أخيه قاسم طالبا بحصتهما من بيت والدهما، ولكن عندها قامت جنان، وتشاجرت مع أخويها لماذا تطرحان هذه المسألة في هذا الوقت، ونحن في عزاء؟! لقد فقدنا والدنا ألم تستحييا من والدتكما؛ أنها على قيد الحياة أين ستذهب إذا بعتم البيت؟!
فأجابها قاسم: نحن طالبنا بحصتنا، وهذا أمر شرعي، ومن حقنا، ولم يجيب على سؤال جنان الذي سألته أين ستذهب والدتكما.
ففي تلك الأحوال قامت الوالدة، ونظرت إلى أولادها، ولم تتكلم بأي كلمة، ثم ذهبت إلى غرفتها مكسورة الخاطر مهضومة، وصارت حزينة وكئيبة كأنها أحست بالوحدة من بعد وفاة زوجها كأنها زائدة في هذا البيت، وتفكّر إذا ما قام أولادها ببيع البيت أين ستذهب؟ ما يكون مصيرها؟ هل يقبل أحد من الأولاد أن يأخذها إلى بيته؟ أم يكون مصيرها إلى دار العجزة! فكرة مرعبة هي كانت في نعمة وعز في بيت زوجها، وكان يعاملها بكل لطف وحنان وكأنها ملكه.
نعم، مسألة الأرث حق وهو أمر شرعي ولا يحق لأحد أن يمنع هذا الحق، ولكن هناك أمور في الحياة لها أهمية أكثر من المال، منها الاحترام وبر الوالدين خاصة بر الوالدة التي أكدت عليها روايات أهل البيت عليهم السلام، فكيف وهي الآن باتت مكسورة الخاطر؟! كم يجب على الإنسان أن يتعلّم كيف يطالب بحقه مع حفظ هذه المعايير.
و الأخبار فی ثواب برّ الوالدین غیر محصورة، فینبغی لکل مؤمن أن یکون شدید الاهتمام فی تکریمهما وتعظیمهما واحترامهما، ولا یقصّر فی خدمتهما، ویحسّن صحبتهما، وألّا یترکهما حتی یسألاه شیئا مما یحتاجان إلیه بل یبادر إلی الإعطاء قبل أن يسألاه، وهذه ما نصّت عليها الرّوايات والأخبار، وإن أضجراه فلا یقل لهما أف، وان ضرباه لا یعبّس وجهه، ويقول لهما: غفر اللّه لکما، ولا یملأ عینیه من النظر إلیهما إلا برحمة ورقة، ولا یرفع صوته فوق صوتهما، ولا یده فوق أیدیهما، ولا یتقدم قدامهما، بل مهما أمکن له لا یجلس عندهما، وکلما بالغ فی التذلل والتخضع کان أجره أزید وثوابه أعظم.
قال النبي صلى الله عليه وآله: (من سرّه أن يمدّ له في عمره، ويبسط في رزقه ليصل أبويه؛ فإن صلتهما طاعة الله، وليصل ذا رحمه، وقال برّ الوالدين وصلة الرّحم يهونان الحساب، ثم تلا هذا الآية "الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ "،(1) ثم قال صلى الله عليه وآله صلوا أرحامكم ولو بسلام).(2)
وبعد عدة أيام تكلّم جعفر الولد الأصغر مع والدته على أن أخويه يريدون حصّتهم، وهذا من حقّهم، وقد تكلّمت معهم سوف أشتري بيت من حصتي في هذا البيت وسوف يساعدوني كل من أحمد وقاسم وجنان، وتكوني معي في البيت؛ لكي أخدمك وتكوني راضية عن جميعنا ومن بعدها قبّل يد والدته، ورضيت الحاجة أم أحمد على هذا الموضوع، ففرحت لهذا القرار، لأن أولادها سوف تحل مشكلاتهم الاقتصاديّة ببيع هذا البيت، فتصبح غير مشتّته، وهي ما زالت في كنف أحد أولادها، كما كانت تحت ظلّ والدهما في عزّ وكرامة، ومن جهة أخرى أولادها يتمتّعون بحنانها غير ساخطة عليهم، وتستمر صلة الرحم ما بينهم كما أمر الله بها.
ــــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة الرعد: 21.
2ـ جامع أحاديث الشيعة: ج 21، ص 427.
وكانت عائلة الحاج شاكر تتكون من ثلاث أبناء، وهم: أحمد وقاسم وجعفر وبنت واحدة باسم جنان وزوجته الوفيّة الحاجة أم أحمد، وكانت الأسرة تعيش بكل صفاء وراحة بال؛ لوجود ذلك الأب الحنون، حتى جاء ذلك اليوم الذي لبّ فيه الحاج شاكر دعوة ربه، وذهب عن هذه الدنيا، ووفد إلى ربه، فانصدمت العائلة بهذا الخبر المؤلم، وأكثر شخص تألم في العائلة هي زوجته أم أحمد زوجته وصاحبته في كل هذا الزمن الطويل التي لم تفارقه طيلة خمسين عام من حين زواجها، فاجتمع الناس في دار الحاج الشاكر، وقدّموا العزاء لأولاده ومن كان يلوذ به.
وبعد مرور عدة أيام من وفاة الحاج شاكر اجتمعت العائلة في بيته، ودار النقاش حول قضية حساسة حق من حقوق الله الذي أعطاه للأدولاد من بعد موت أبيهم نعم تلك قضية هي مسألة الأرث، ولكن لماذا بهذه العجالة أنهم يعلمون أن أمهم مفجوعة، ولم يمضي عن وفاة أبيهم إلاّ أيام معدودة لقد تكدّر خاطرها من هذا الأمر.
نعم، الأخ الأكبر أحمد بصحبة أخيه قاسم طالبا بحصتهما من بيت والدهما، ولكن عندها قامت جنان، وتشاجرت مع أخويها لماذا تطرحان هذه المسألة في هذا الوقت، ونحن في عزاء؟! لقد فقدنا والدنا ألم تستحييا من والدتكما؛ أنها على قيد الحياة أين ستذهب إذا بعتم البيت؟!
فأجابها قاسم: نحن طالبنا بحصتنا، وهذا أمر شرعي، ومن حقنا، ولم يجيب على سؤال جنان الذي سألته أين ستذهب والدتكما.
ففي تلك الأحوال قامت الوالدة، ونظرت إلى أولادها، ولم تتكلم بأي كلمة، ثم ذهبت إلى غرفتها مكسورة الخاطر مهضومة، وصارت حزينة وكئيبة كأنها أحست بالوحدة من بعد وفاة زوجها كأنها زائدة في هذا البيت، وتفكّر إذا ما قام أولادها ببيع البيت أين ستذهب؟ ما يكون مصيرها؟ هل يقبل أحد من الأولاد أن يأخذها إلى بيته؟ أم يكون مصيرها إلى دار العجزة! فكرة مرعبة هي كانت في نعمة وعز في بيت زوجها، وكان يعاملها بكل لطف وحنان وكأنها ملكه.
نعم، مسألة الأرث حق وهو أمر شرعي ولا يحق لأحد أن يمنع هذا الحق، ولكن هناك أمور في الحياة لها أهمية أكثر من المال، منها الاحترام وبر الوالدين خاصة بر الوالدة التي أكدت عليها روايات أهل البيت عليهم السلام، فكيف وهي الآن باتت مكسورة الخاطر؟! كم يجب على الإنسان أن يتعلّم كيف يطالب بحقه مع حفظ هذه المعايير.
و الأخبار فی ثواب برّ الوالدین غیر محصورة، فینبغی لکل مؤمن أن یکون شدید الاهتمام فی تکریمهما وتعظیمهما واحترامهما، ولا یقصّر فی خدمتهما، ویحسّن صحبتهما، وألّا یترکهما حتی یسألاه شیئا مما یحتاجان إلیه بل یبادر إلی الإعطاء قبل أن يسألاه، وهذه ما نصّت عليها الرّوايات والأخبار، وإن أضجراه فلا یقل لهما أف، وان ضرباه لا یعبّس وجهه، ويقول لهما: غفر اللّه لکما، ولا یملأ عینیه من النظر إلیهما إلا برحمة ورقة، ولا یرفع صوته فوق صوتهما، ولا یده فوق أیدیهما، ولا یتقدم قدامهما، بل مهما أمکن له لا یجلس عندهما، وکلما بالغ فی التذلل والتخضع کان أجره أزید وثوابه أعظم.
قال النبي صلى الله عليه وآله: (من سرّه أن يمدّ له في عمره، ويبسط في رزقه ليصل أبويه؛ فإن صلتهما طاعة الله، وليصل ذا رحمه، وقال برّ الوالدين وصلة الرّحم يهونان الحساب، ثم تلا هذا الآية "الَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ "،(1) ثم قال صلى الله عليه وآله صلوا أرحامكم ولو بسلام).(2)
وبعد عدة أيام تكلّم جعفر الولد الأصغر مع والدته على أن أخويه يريدون حصّتهم، وهذا من حقّهم، وقد تكلّمت معهم سوف أشتري بيت من حصتي في هذا البيت وسوف يساعدوني كل من أحمد وقاسم وجنان، وتكوني معي في البيت؛ لكي أخدمك وتكوني راضية عن جميعنا ومن بعدها قبّل يد والدته، ورضيت الحاجة أم أحمد على هذا الموضوع، ففرحت لهذا القرار، لأن أولادها سوف تحل مشكلاتهم الاقتصاديّة ببيع هذا البيت، فتصبح غير مشتّته، وهي ما زالت في كنف أحد أولادها، كما كانت تحت ظلّ والدهما في عزّ وكرامة، ومن جهة أخرى أولادها يتمتّعون بحنانها غير ساخطة عليهم، وتستمر صلة الرحم ما بينهم كما أمر الله بها.
ــــــــــــــــــــــــــ
1ـ سورة الرعد: 21.
2ـ جامع أحاديث الشيعة: ج 21، ص 427.
التعلیقات