اللهُ قد زوّجَهُ
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 6 سنواتعندما كان القصد من الزواج هو تكوين الأسرة وتأسيس الصرح العائلي، فقد جاء الإسلام ليفتح الأغلال عن التقاليد التي حبست على الناس سُنّة الزواج، وشدَّدت عليهم هذا الأمر الذي يعتبر من ضروريات الفطرة، ومن لوازم نظام البقاء والحياة الزوجية والعائلية.
فقد أصبح الزواج بفضل الإسلام أمراً سهلاً، فالتعصب القبلي والعنصري قد أشرف على الزوال، وكان الرسول صلى الله عليه وآله هو القدوة والأسوة للمسلمين، في حركاته وسكناته، وأعماله وأفعاله تكون حُجَّة ودليلاً عند المسلمين، فكان يحارب تقاليد الجاهلية وعادات الكفر.
ومن جملة الأمور التي شجع عليها الإسلام في قضية الزواج عدم الكلفة والبساطة حتى لا تكون قضية الزواج من الأمور الصعبة بحيث يرغب عنها المسلمون، ولكي لا تنشأ المفاسد الكامنة والخطيرة من مسئلة ترك الزواج.
فقال الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: (إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، وإن لا تفعلوه تكن فتنة في الارض وفساد كبير).(1)
وهنا نذكر قصة زواج النورين الإمام علي بن أبي طالب من الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء عليهما السلام وكيف كانت فيه البساطة وعدم الكلفة ظاهرتين في أفضل الزواج سجّله التاريخ.
روي عن أم سلمة وسلمان الفارسي وجابر بن عبد الله الأنصاري: لمّا أراد رسول الله أن يزوج فاطمة علياً عليهما السلام.
قال له: (اخرج يا أبا الحسن إلى المسجد فإني خارج في أثَركَ، ومزوّجك بحضرة الناس، وذاكرٌ من فضلك ما تقُرُّ به عينُك...).
قال علي عليه السلام : (فواللهِ ما توسّطناه حتى لَحِقَ بنا رسول الله، وإنّ وجهَهُ ليتهللَ فرحاً وسروراً).
فنادى لبعض الصحابة، فلمّا مثلوا بين يديه قال: (انطلقوا بأجمعكم ، فقوموا في جنبات المدينة، وأجمعوا المهاجرين والأنصار والمسلمين).
فانطلقوا لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله... ، وأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله فجلس على أعلى درجة من منبره، فلما حشد المسجد بأهله قام رسول الله صلى الله عليه وآله، فحمد الله وأثنى عليه... ـ وذكر الخطبة، إلى أن قال: (وإن الله عز وجل أمرني أنْ اُزوّج كريمتي فاطمة بأخي وابن عمي وأولى الناس بي علي بن أبي طالب، والله قد زوّجه بها في السماء، بشهادة الملائكة، وأمرني أن أزوجه في الأرض، وأشهدكم على ذلك).
ثم جلس رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم قال: (قم. يا علي فاخطب لنفسك...).
وابتدأ علي عليه السلام فقال: (...فإن النكاح مما أمر الله تعالى به، وأذن فيه، ومجلسنا هذا مما قضاه ورضيه، وهذا محمد بن عبد الله... رسول الله، زوّجني ابنته فاطمة، على صداق أربعمائة درهم ودينار، وقد رضيت بذلك، فاسألوه واشهدوا).
فقال المسلمون: زوجته يا رسول الله؟
قال: (نعم).
قال المسلمون: بارك الله لهما وعليهما، وجمع شملهما.(2)
وقد ذكر أرباب السير والتاريخ جهاز سيّدة النساء عليها السلام وتأمله يجعل الإنسان إزاء عالم من الصفاء والزهد والورع العجيب، بحيث يطأطىء كلّ إنسان نجيب رأسه لتلك العظمة والجلال. فكان الجهاز كله يتكون عدة أشياء بسيطة: (فراشا من خيش مصر محشوا بالصوف، ونطعا من أدم، ووسادة من أدم حشوها من ليف النخل، وعباءة خيبرية، وقربة للماء وكيزانا، وجرارا، ومطهرة للماء، وستر صوف رقيقا. عندما وضع هذا الجهاز بين يدي رسول الله صلى عليه وآله نظر إليه ثم بكى وجرت دموعه، ثم رفع رأسه إلى السماء وقال: اللهم بارك لقوم جل آنيتهم الخزف)(3).
وتأمل هذا الجهاز العجيب والتاريخي والدعاء الذي ذكره النبي الأكرم صلى الله عليه و آله. يُعلّم الإنسان الكثير من الأشياء. والعظمة والجلال الكامنة في هذا الجهاز البسيط المتواضع وما يلهم أبناء الإسلام طيلة القرون ليفوق الوصف.
ـــــــــــــــ
1ـ بحار الأنوار: ج103، ص 273.
2ـ مستدرك الوسائل: ج14، ص 312.
3ـ بحار الأنوار: ج 43، ص 130
التعلیقات