النصراني الذي أسلم على يد الحسين عليه السلام
الشيخ مهدي المجاهد
منذ 5 سنواتكما هو المعروف بأن الأطفال كثيراً ما يتأثرون برواية القصص، ويستطيع كل من الأبوين أن يستفاد من هذا الأمر لتربية الأولاد؛ لأن الأطفال لهم شغف لاستماع القصص، ويتأثرون إلى حد كبير بها، ويتفاعلون معها، وللقصص تأثير أكبر من النصحية المباشرة؛ لأن القصة تمنحه الفرصة بأن يفكر ويستلهم منها، ومن هذا المنطلق سوف نروي لكم قصة أصحاب الإمام الحسين عليه السلام؛ لكي نستلهم من حياتهم الدروس، ونتعلم منهم كيف وصلوا إلى هذا المقام الرفيع.
حينما كان الإمام الحسين عليه السلام قادماً للعراق مع أهل بيته وأصحابه الكرام، وصل إلى منطقة خالية من آبار الماء وهذه المنطقة بعد بركة أبو المسك بمسافة، وكان في هذه المنطقة خيمة وهب بن عبد الله بن حباب الكلبي النصراني، وكان حديث العهد بالزواج، وكان يخرج صباحاً؛ ليعود في المساء محملاً بالماء لعائلته.
وقد أكّد مدير آثار محافظة النجف الأشرف بأنهم أجروا مسوحات حديثة بخصوص الأديرة والكنائس، وأشار إلى وجود الكنائس من منطقة مطار النجف الأشرف الدولي إلى ناحية الحيرة ثم المناذرة وصولاً إلى بحر النجف كعيون الرهبان وقصور الأثلة ولدينا إحصائية بخصوص المناطق المنقبة في محافظة النجف تصل إلى 200 موقع أثري.
فحينما وصل الركب الحسيني إلى هذه المنطقة توجه الإمام الحسين عليه السلام إلى تلك الخيمة ونادى: يا أمة الله.
فخرجت من تلك الخيمة امرأة عجوز تسمى أم وهب، فرحّبت بهم.
ثم قال لها الإمام: أين ولدك وهب؟ فردت عليه خرج كعادته، ويعود في المساء محملاً بالماء، فقال لها الإمام عليه السلام: حينما يعود قولي له عليك بتصديق الرؤيا. وبمجرد أن ترك الإمام مكانه الذي كان يقف فيه، وإذا بعين ماء قد انفلقت من تحت قدميه، تركها الإمام، وتوجه بمن كان معه إلى كرب وبلاء.
وعندما عاد وهب إلى أهله وشاهد العين سأل أمه عن الخبر، فقالت له: ولدي كأنما المسيح عيسى قد زارنا هذا اليوم. فقد سأل عنك، وقال عليك بتصديق الرؤيا.
عند ذلك بكى وهب، وقال: يا أماه، لقد رأيت في المنام هذه الليلة روح الله عيسى، وكان بجانبه رجال عليهم الهيبة والوقار وكأنهم الشمس بجمالها وهيبتها.
فقال لي المسيح يا وهب هل أنت من أمتي؟
قلت: نعم.
فقال: أعلم أن الذي يقف بجنبي هو محمد رسول الله وخاتم الأنبياء وأشرف الخلق، وهذا الثاني هو علي بن أبي طالب وصيه وخليفته وزوج ابنته، وهذا الثالث هو ريحانة رسول الله إنه الحسين بن علي.
يا وهب، عليك أن تنصر الحسين غداً في كربلاء، واعلم بأنّك معه في الجنة، وأن اسمك مع الأبرار، وقد ناولني صحيفة قد كتب بها اسم، ثم أفقت من النوم.
الآن وأنت تخبرينني بما حدث، يا أماه، والذي مر بك اليوم هو الحسين بن علي بن أبي طالب.
فذهب وهب إلى الإمام الحسين عليه السلام، ثم عاد مسرعاً ووجهه متهللاً مستبشراً، وأخبر أمه بأنّه أسلم على يد الإمام الحسين عليه السلام، وقرر الالتحاق به، والقتل بين يديه عليه السلام، فتعلقت به عروسته، وقالت: لا ترملني وأنا لا أب ولا أخ لي، وعروستك منذ أيام قليلة، فنهرته أمه، وأبت إلا أن يلتحق بالإمام الحسين عليه السلام، ويقاتل حتى يُقتل بين يديه.
فخرج بهما ليلاً حتى أتى الإمام الحسين عليه السلام بكربلاء فأقام معه، حتى صار يوم عاشوراء. قالت أم وهب لابنها: قم فانصر ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله.
فبرز وهب فأحسَنَ في الجِلاد، وبالَغَ في الجهاد، وكانت معه امرأته ووالدته، فرجع إليهما، وقال لأُمّه: يا أُمّاه، أرَضِيتِ أم لا؟ فقالت الأمّ: لا، ما رضِيتُ حتّى تُقتلَ بين يَدَي الحسين.
وقالت امرأته: باللهِ عليك لا تَفجَعْني في نفسك، فقالت له أُمُّه: يا بُنيّ أعزُبْ عن قولها، وارجِعْ فقاتِلْ بين يَدَي ابنِ بنت نبيّك تَنَلْ شفاعةَ جَدِّه يوم القيامة.
ولم يمض على زفافه أكثر من سبعة عشر يوما، وكان فراقه صعبا على زوجته، فقالت له: يا وهب، أنا أعلم أنّك صائر إلى الجنّة؛ لأنّك تُقتل بين يدي ابن بنت نبيّك، وسوف تعانق الحور العين وتنساني، والآن أريد منك أن تعاهدني بين يدي الإمام أن لا تفارقني يوم القيامة في جنّة اللّه، وعند ذلك ذهب كلاهما إلى الإمام عليه السّلام، فقالت زوجة وهب: يا ابن رسول اللّه، لي حاجتان.
الأولى أنّ بعلي هذا سيستشهد بين يديك، ويرملني، فأبقى بلا عائل ولا كفيل، فأريد أن تضمّني إلى أهل بيتك؛ ليكون حالي كحالهم.
والثاني: أريد من وهب أن يعاهدني، ويعطيني من نفسه عهداً وميثاقاً أن لا ينساني يوم القيامة.
فبكى الإمام الحسين عليه السّلام عند سماعه قولها، وأجابها إلى ما أرادت، واطمأنّ قلبها.
فرجع (وهب)... فلم يَزَلْ يُقاتلُ حتّى قطعت يداه في القتال، فأخذت زوجته عمودا من الخيمة، وذهبت إلى ميدان القتال، وقالت: يا وهب، فداك أبي وأمّي قاتل دون الطيّبين حرم رسول اللّه، فقال لها وهب: الآن كنت تنهيني عن القتال، والساعة جئت تقاتلين معي، وتحرّضيني على الجهاد، فقالت: لا تلمني يا وهب، فقد سمعت الحسين ينادي:
وا غربتاه، وا قلّة ناصراه، وا وحدتاه، أما من ذابّ يذبّ عنّا، أما من مجير يجيرنا، فنفضت يدي من الحياة، وعزمت على تركها، وقلت في نفسي: لا خير في الحياة بعد آل الرسول، وجئت أقاتل القوم حتّى أموت معك، فقال وهب: ارجعي أيّتها المرأة، فإنّ الجهاد لم يكتب على النساء، فقالت: لا أرجع حتّى يختلط دمي بدمك، ولمّا لم تكن لوهب يدان قبض على ثوبها بأسنانه، فتخلّصت منه، فنادى وهب بأعلى صوته، واستغاث بالحسين عليه السّلام، فأقبل عليها الإمام، وقال: «جزيتم من أهل بيتٍ خيراً، ارجعي إلى النساء يرحمك الله»، (1) فانصرفت إليهن.
وفي رواية أخرى: أخذ وهب أسيرا إلى ابن سعد، فقال: ما أشدّ صولتك، وأمر به، فضربت عنقه، ورموه إلى معسكر الحسين عليه السّلام.
فأخذت أمه الرأس، فقبلته، ثم رمت بالرأس إلى عسكر ابن سعد فأصابت به رجلا، فقتلته. ثم شدت بعمود الفسطاط، فقتلت رجلين، فقال لها الحسين عليه السلام: ارجعي يا أم وهب، أنت وابنك مع رسول الله، فإن الجهاد مرفوع عن النساء، فرجعت، وهي تقول: إلهي لا تقطع رجائي، فقال لها الحسين عليه السلام: لا يقطع الله رجاك يا أم وهب. (2)
ــــ
1ـ الملهوف على قتل الطفوف: ص 161.
2ـ بحار الأنوار: ج 45، ص 17.
التعلیقات