غريب سامراء
زهراء الكواظمة
منذ 3 سنواتلقد مُني الهادي على ظلمِ جعفرٍ
بمعتمِدٍ في ظلمه والجرائمِ
أتاحت له غدرا يدا متوكلٍ
ومعتمِدٍ في الجور غاشٍ وغاشم
وأُشخص رغماً عن مدينة جدّهِ
إلى الرجسِ إشخاصَ العدوِّ المخاصم
ولاقى كما لاقى من القوم أهلُه
جفاءً وغدرا وانتهاكَ محارم
وعاش بسامراءَ عشرينَ حجةً
يُجرَّعُ من أعداهُ سمَّ الأراقم
بنفسيَ مسجونا غريبا مشاهِدا
ضريحا له شقَّته أيدي الغواشم
بنفسيَ مسموما قضى وهو نازح
عن الأهل والأوطانِ جمَّ المهاضم(1)
الإمام الهادي عليه السلام يؤتى به إلى سامراء
بقي الإمام علي الهادي عليه السلام بعد أبيه في المدينة ثلاث عشرة سنة فأحبه الناس، واجتمعوا عليه، والتف حوله العلماء وطلاب العلم، كما كان يتصل به الشيعة، وقد كان الشيعة في عصره أكثر من أي زمان مضى يتصلون معه بالمباشرة أو من خلال المراسلة يستفتونه في أمور دينهم، ويسألونه الحلول لأمورهم ومشاكلهم، ويحملون إليه أموالهم، فأحس جهاز السلطة حينئذٍ بالخطر؛ فكتب بريحة العباسي أحد أنصار المتوكل إليه: إن كان لك بالحرمين حاجة، فاخرج منها على بن محمد؛ فإنه دعا الناس إلى نفسه، وتبعه خلق كثير.
ورفعوا تقارير إلى المتوكل على أن علي بن محمد يجمع السلاح في بيته، وهو يعد للثورة على الحكم. فما كان من المتوكل إلا أن بعث قائده يحيى بن هرثمة إلى دار الإمام عليهالسلام، وأمره بتفتيش البيت تفتيشا دقيقا، وأمر بترحيله إلى سامراء.
ففي سامراء وجه إليه جماعة من الأتراك وغيرهم من قساة القلب فهاجموا دار الإمام عليه السلام في جوف الليل، فوجدوه في بيته وحده مغلقا عليه، وعليه مدرعة من شعر ولا بساط في البيت إلا الرمل والحصى وعلى رأسه ملحفة من الصوف، وهو يترنم بآيات القرآن في الوعد والوعيد، فأخذوه إلى المتوكل على الحالة التي وجدوه عليها، فمثل بين يديه والمتوكل على مائدة الخمر، وفي يده كأس، فلما رآه أعظمه، وأجلسه إلى جنبه، وقال من أتى به: يا أمير المؤمنين! لم يكن في منزله شيء مما قيل فيه، ولا حالة يتعلل عليه بها، فناوله الكأس الذي في يده، فقال الإمام عليه السلام: والله ما خامر لحمي ودمي، فقال له: أنشدني شعرا استحسنه، فاعتذر الإمام عليه السلام، وقال: إني لقليل الرواية للشعر، فألح عليه، ولم يقبل له عذرا، فأنشده:
باتوا على قُلَلِ الأجبالِ تَحرسُهم
غُلبُ الرجالِ، فما أغنتهم القُلَلُ
واستُنزلوا بعد عزٍ من معاقلهم
فاُودعوا حفرا يا بئسَ ما نزلوا!
ناداهمُ صارخٌ من بعد ما قُبروا
أين الأسرَّةُ والتيجانُ والحُلَلُ؟!
أين الوجوهُ التي كانت منعَّمةً
من دونها تُضربُ الأستارُ والكِلَلُ؟!
فأفصح القبرُ عنهم حين ساءلهم:
تلك الوجوهُ عليها الدودُ يقتتل
قد طالما أَكلوا دهرا، وقد شَرِبوا
فأصبحوا بعد طولِ الأكلِ قد أُكلوا
وطالما عمَّروا دورا؛ لتحصنَهم
ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا
وطالما كنزوا الأموالَ، وادخروا
فخلَّفوا على الأعداء، وارتحلوا
أضحت منازلُهم قَفْرا معطَّلة
وساكنوها إلى الأجداث قد وصلوا
شهادة الإمام الهادي عليه السلام
بقي عليه السلام ملازما بيته كاظما غيظه صابرا على ما مسه من الأذى من حكام زمانه، حتى قضى نحبه، ولقي ربه شهيدا مسموماً، رحم الله من نادى وا إماماه، وا سيداه، وا مسموماه، وكانت وفاته في خلافة المعتز، وذلك يوم الأثنين 3 رجب سنة ٢٥٤ه متأثرا بسم دسه إليه المعتز، وسمعت جارية له تقول - أثناء تشييعه عليه السلام - : ماذا لقينا من يوم الأثنين قديما وحديثا.
سگاه السم يويلي او مرد كبده
اولا راقب الباري او هاب جده
ظل ابنه الحسن يبكي اعله فگده
اشيفيد النوح لو يجري الدمع دم
ثم أخرجت الجنازة وخرج الإمام العسكري يمشي خلفها، والناس من خلفه، وكان الإمام صلى عليه قبل أن يخرج إلى الناس، وصلى عليه لما خرج المعتمد، ثم دفن عليهالسلام في دار من دوره بسامراء.(2)
شبله يغسله او تتصارخ اعياله
او شاله او نزله او فوگه الترب هاله
بس احسين محد غسله او شاله
ثلث تيام ظل مطروح بالوادي
1ـ القصيدة: للسيد صالح القزويني.
2ـ المجالس السنية ج٢ للسيد محسن الأمين. نور الأبصار للحائري. مثير الأحزان للشيخ شريف الجواهري. سيرة الأئمة الاثني عشر للسيد هاشم معروف الحسني.
التعلیقات