المجالس المنعقدة لرثاء الحسين (ع) بعد ولادته قبل شهادته ـ٢ـ
آية الله الشيخ جعفر التستري
منذ 13 سنةالمجلس الخامس عشر: مجلس الحسين (ع) لما سار من المدينة، والمستمع الملائكة، وهو انه (ع) لما سار من المدينة لقيته افواج من الملائكة المسوّمة، في ايديهم الحراب، على نجب من نجب الجنة، فسلّموا عليه.
وقالوا: يا حجة الله على خلقه بعد جده وابيه واخيه، ان الله سبحانه امدّ جدك بنا في مواطن كثيرة، وان الله امدّك بنا.
فقال لهم: الموعد حفرتي وبقعتي التي استشهد فيها، وهي كربلاء، فاذا اٌوردتها فأتوني، فقالوا: يا حجة الله! مُرنا نسمع ونُطع، فهل تخشى من عدوٍ يلقاك فنكون معك؟ فقال: لا سبيل لهم عليّ ولا يلقوني بكريهة أو اصل الى بقعتي.
السادس عشر: مجلس الحسين (ع) لما سار الى المدينة، والمستمع الجن وهو انه (ع) لما سار الى المدينة اتته افواج مسلمي الجن.
فقالوا: يا سيدنا، نحن شيعتك وانصارك، فمُرنا بأمرك وما تشاء، ولو امرتنا بقتل كل عدو لك وانت بمكانك لكفيناك ذلك.
فجزّاهم الحسين (ع) خيرا، وقال لهم: اوما قرأتم كتاب الله تعالى على جدي (ص) في قوله تعالى " أينما تكونا يٌدرككم الموت لو كنتم في بروج مشيدة "، وقال سبحانه " لبرز الذين كُتب عليهم القتل إلى مضاجعهم " واذا اقمت بمكاني فبماذا يبتلى هذا الخلق المتعوس * اي: المكبوب على وجهه، فبماذا يُبتلى هذا الخلق المتعوس؟ وبماذا يُختبرون؟ ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء؟ وقد اختارها الله تعالى يوم دحى الارض وجعلها معقلا لشيعتنا، * اي: ملجأ لهم، ويكون لهم لمان في الدنيا والاخرة، ولكن تحضرون يوم السبت، وهو يوم عاشوراء الذي آخره اُقتل، ولا يبقى بعدي مطلوب من اهل بيتي، وتسبى اخواتي واهل بيتي، ويُسار برأسي الى يزيد لعنه الله. "
فقالت الجن: نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه، لولا ان امرك طاعة، وانه لا يجوز لنا مخالفتك، قتلنا جميع اعدائك قبل ان يصلوا اليك.
فقال صلوات الله عليه: نحن والله أقدر عليهم منكم، ولكن ليهلك من هلك عن بيّنة، ويحيى من حي عن بينة.
السابع عشر: مجلس في المسجد الحرام، المستمع الحجاج، والراثي الامام الحسين (ع)، يرثي فيه اعضاءه المقطعة.
فإنه صلوات الله تعالى عليه لما عزم على الخروج الى العراق قام خطيبا
فقال:
"الحمد لله وما شاء الله، ولا حول ولا قوة الا بالله، وصلى الله على رسوله وسلم.
خط الموت على وُلد ادم مخط القلادة على جيد الفتاة، وما اولهني الى اسلافي اشتياق يعقوب الى يوسف، وخيّر لي مصرع انا لاقيه، كأني بأوصالي تقطعها عسلان الفلوات، بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني اكراشا جوفا واجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم، رضى الله تعالى رضانا اهل البيت، نصبر على بلائه ويوفينا اجور الصابريـن، لن تشذ عن رسول الله (ص) لحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقر بهم عينه، وينجز بهم وعده، من كان فينا باذلا مهجته، موطنا على لقاء الله تعالى نفسه، فليرحل معنا، فإني راحل مصبحا ان شـاء الله تعالى ".
الثامن عشر: مجلس خارج مكة، المستمع محمد بن الحنفية، والراثي هو الحسين (ع) وهو انه جاء محمد بن الحنفية الى اخيه الحسين عليه السلام، في الليلة التي اراد الحسين (ع) الخروج في صبيحتها عن مكة المكرمة.
فقال له: يا اخي ان اهل الكوفة قد عرفت غدرهم بأبيك واخيك (ع)، وقد خفت ان يكون حالك كحال من مضى، فإن رأيت ان تقيم فانك اعز مَن بالحرم وامنعه.
فقال (ع) " يا اخي قد خفت ان يغتالني يزيد بن معاوية بالحرم، فأكون بذلك اول من تستباح به حرمة البيت.
فقال له ابن الحنفية: فان خفت ذلك فصر الى اليمن، او بعض نواحي البر فانك امنع الناس به، ولا يقدر عليك احد.
فقال عليه السلام: انظر فيما قلت.
فلما كان السحر، ارتحل الحسين (ع) فبلغ ذلك ابن الحنفية فأتاه، واخذ بزمام ناقته، وقد ركبها، وقال: يا اخي ألم تعدني النظر فيما سالتك؟ قال عليه السلام: بلى، قال: فما حداك على الخروج عاجلا.
قال: أتاني رسول الله صلوات الله عليه وآله، بعدما فارقتك، فقال (ص) " يا حسين اخرج فان الله قد شاء انيراك قتيلا، فقال ابن الحنفية: إنا لله وانا اليه راجعون، فما معنى حملك هؤلاء النساء معك وانت تخرج على مثل هذا الحال؟ فقال عليه السلام: قال لي (ص) " ان الله قد شاء ان يراهن سبايا، فسلّم عليه ومضى."
التاسع عشر: مجلس ايضا خارج مكة المكرمة، الراثي الحسين (ع) والمستمع عبدالله بن عمر تارة، وعبدالله بن الزبير تارة اخرى، هو انه لما خرج الحسين (ع) من مكة جاء عبدالله بن العباس وعبدالله بن الزبير فأشار عليه بالامساك.
فقال لهما: ان رسول الله (ص) قد امرني بأمر وانا ماض فيه، فخرج ابن عباس وهو يقول: واحسيناه.
ثم جاء عبدالله بن عمر واشار اليه بصلح اهل الضلال، وحذره من القتل والقتال، فقال (ع) " يا ابا عبدالرحمن اما علمت ان من هوان الدنيا على الله تعالى، ان رأس يحيى بن زكريا (ع) اُهدي الى بغي من بغايا بني اسرائيل؟ اما تعلم ان بني اسرائيل كانوا يقتلون بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس سبعين نبيا؟ ثم يجلسون في اسواقهم، كأن لم يصنعوا شيئا، فلم يعجّل الله تعالى عليهم، بل أخذهم اخذ عزيز ذي انتقام، اتق الله يا ابا عبدالرحمن ولا تدع نصرتي.
العشرون: مجلس في الخزيمية، الراثي الجن، والمستمع، زينبا الكبرى سلام الله عليها، وهو انه لما نزل الحسين عليه السلام الخزيمية اقام بها يوما، فلما اصبح اقبلت اليه اخته زينب (ع)، فقالت: يا أخي ألا اخبرك بشيء سمعته البارحة؟ فقال الحسين (ع) وما ذاك؟
فقال (ع) " خرجت في بعض الليل لقضاء حاجة فسمعت هاتفا يهتف وهو يقول:
ألا يا عين فاحتفلي بجهدي | ومن يبكي على الشهداء بعدي |
عـلى قـوم تسوقهم المنايا | بـمـقـدار الى انجاز وعدي |
فقال الحسين (ع) " يا أختاه، كل الذي قضي فهو كائن.
الحادي والعشرون: مجلس الثعلبية، الراثي عبدالله بن سليمان، والمنذر بن المشمعل الاسديان، لمسلم بن عقيل، والسامع الحسين عليه السلام، ثم الراثي الحسين (ع) والسامع اهل بيته (ع) واصحابه سلام الله عليهم اجمعين.
وهو انهما قالا: لما قضينا حجتنا، لم تكن لنا همة الا اللحاق بالحسين (ع) في الطريق لننظر ما يكون من امره فأقبلنا ترقل * وترقل يعني: تسرع، فأقبلنا ترقل بنا نياقا مسرعين، حتى لحقناه بزرود * وهو موضع على طريق حاج الكوفة بين الثعلبية والخزيمية.
فلما دنونا منه اذا نحن برجل من اهل الكوفة وقد عدل عن الطريق، حتى رأى الحسين (ع) كأنه يريده، ثم تركه ومضى، ومضينا نحوه، فقال احدنا لصاحبه: اذهب بنا الى هذا لنسأله فان عنده خبر الكوفة.
فمضينا اليه، فقلنا: السلام عليك، فقال: وعليكما السلام، قلنا، ممن الرجل؟ قال: اسدي، قلنا له: ونحن اسديان فمن انت؟ قال: انا بكر بن فلان، فانتسبنا له، ثم قلنا له: اخبرنا عن الناس وراءك قال: نعم لم اخرج من الكوفة حتى قتل مسلم بن عقيل وهانيء بن عروة.
ورأيتهما يُجران بأرجلهما في السوق، فأقبلنا حتى لحقنا بالحسين)ع) فسايرناه، حتى نزل الثعلبية ممسيا، فجئنا حين نزل، فسلّمنا عليه فرد علينا السلام، فقلنا له: يرحمك الله تعالى ان عندنا خبرا ان شئت حدّثناك به علانية، وان شئت سرا، فنظر الينا والى اصحابه، ثم قال: ما دون هؤلاء ستر.
فقلنا له: رأيت الراكب الذي استقبلته عشيّ امس؟ فقال: نعم، قد اردت مسألته، فقلنا: قد والله استبرأنا لك خبره، وكفيناك مسألته، وهو امرؤ منا ذو رأي وصدق وعقل، وانه حدّثنا انه لم يخرج من الكوفة حتى قـُتل مسلم وهانيء، ورآهما يجران في السوق بأرجلهما.
فقال عليه السلام: انا لله وانا اليه راجعون، رحمة الله عليهما، يردد ذلك مرارا.
قلنا له: ننشدك الله في نفسك واهل بيتك الا انصرفت من مكانك هذا، فانه ليس لك بالكوفة ناصر ولا شيعة، بل نتخوف ان يكونوا عليك، فنظر الى بني عقيل، فقال: ما ترون؟ وقد قـُتل مسلم.
فقال: والله ما نرجع حتى نصيب ثأرنا او نذوق ما ذاق، فأقبل الحسين (ع) فقال: لا خير في العيش بعد هؤلاء، فعلمنا انه قد عزم رأيه على المسير.
فقال له اصحابه، انك والله ما انت مثل مسلم بن عقيل، ولو قدمت الكوفة لكان الناس اسرع اليك، فسكت ثم انتظر حتى اذا كان السحر قال لفتيانه وغلمانه: " أكثروا من الماء "، فاستسقوا واكثروا ثم ارتحلوا.
وقال السيد (ره) اتاه خبر مسلم في (زبالة) ثم انه سار فلقيه الفرزدق فسلّم عليه، ثم قال: يا بن رسول الله كيف تركن الى اهل الكوفة وهم الذين قتلوا ابن عمك مسلم بن عقيل وشيعته قال: فاستعبر الحسين (ع) باكيا، ثم قال: رحم الله مسلما، فلقد صار الى روح الله وريحانه، وتحيته ورضوانه، اما انه قد قضي ما عليه، وبقي ما علينا، ثم انشأ:
فإن لم تكن الدنيا تعد نفيسة | فدار ثواب الله أعلى وانبل |
وان تكن الابدان للموت انشئت | فقتل امريء بالسيف في الله افضل |
وان تكن الارزاق قسما مقدرا | فقلة حرص المرء للرزق اجمل |
وان تكن الاموال للترك جمعها | فما بال متروك به الحر يبخل |
الثاني والعشرون: مجلس في بطن العقبة الراثي الحسين (ع) والمستمع عمرو بن لوذان، كيفيته انه لقى الحسين عليه السلام في بطن العقبة.
وقال له: اين تريد يا ابا عبدالله؟ قال له الحسين (ع) " الكوفة، " فقال له عمرو: انشدك الله لما انصرفت، فوالله ما تقدم الا على الاسنة، وحدّ السيوف، وان هؤلاء الذين بعثوا اليك لو كانوا كفوك مؤونة القتال ووطأوا لك الاشياء، فقدمت عليهم كان ذلك رأيا، فاما على هذه الحال التي تذكر فاني لا ارى لك ان تفعل، فقال له: يا عبدالله ليس يخفى عليّ الرأي، ولكن الله تعالى لا يغلب على امره.
ثم انه (ع) شرع في هذا المجلس وبعده الى الثلاثين، في رثاء نفسه، وكل مجلس في هذه المجالس لمصيبة خاصة يرثي نفسه فيها.
فرثى نفسه في مكة المكرمة، بالنسبة الى اعضائه المقطعة، وقد مر، ورثى نفسه في هذا المجلس لم يجري عليه في مهجته، اي دم قلبه، فقال (ع) بعد كلامه المذكور: " والله لا يدعونني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ".
ومراده من العلقة الاشارة الى انقلاب القلب دما، لما يجري عليه من المصائب صلوات الله تعالى عليه.
ومراده من استخراج العلقة جريان دم القلب، لعلمه بورود سهم ذي ثلاث شعب عليه وسيلان دمه وامتلاء يده المباركة من دمه المبارك مرات، حين اخذه بكفه ولطخ بكفه ولطخ به الوجه والرأس.
بأبي انت وامي قد احرقت مهج شيعتك بقولك هذا، واقرحت اكبادهم، فجرت الدموع من عيونهم فيا له من كلام مفجع، خاصة قولك " يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ".
الثالث والعشرون: مجلس المنازل عند الحل والترحال، فكأن يرثي نفسه بالنظر الى ما يجري عليه في رأسه الشريف واهدائه.
فكان يذكر يحيى (ع) ويقول: " من هوان الدنيا ان رأس يحيى اهدي الى زانية، ويبكي عند ذلك."
الرابع والعشرون: مجلس خاص له قرب كربلاء قبل ورودها، فقد رثى نفسه فيه بالنسبة الى اهل بيته وولده خاصة بمرثية عجيبة.
وكيفية هذا المجلس: انه لما نزل اخر منزل ونصبوا الخيام جمع ولده واخوته واهل بيته في مكان خاص، فنظر اليهم وبكى ساعة وما يجري عليهم، فانه لم يبقى لهم مأمن، وقد اُزعجوا عن موطنهم، وعن كل مأمن، حتى حرم الله تعالى الذب هو مأمن للمسلمين بل للكفار والحيوانات والاشجار والنباتات.
فلذا بكى، وشكى ذلك الى الله تعالى فقال: اللهم إنا عترة نبيك محمد (ص) قد طردونا وازعجونا وتعدت بنو امية علينا، اللهم فخذ لنا بحقنا وانصرنا على القوم الظالمين ".
الخامس والعشرون: مجلس له خارج الخيام عصر تاسوعاء: اذ كان جالسا امام بيته محتبئا اي: جامعا بين ظهره ورجليه بالسيف ليستند، نعم كان محتبئا بسيفه اذ خفق برأسه على ركبتيه، وسمعت اخته الصيحة فدنت من اخيها
وقالت: يا اخي اما تسمع هذه الاصوات قد اقتربت، فرفع الحسين رأسه (ع)، فقال: اني رأيت رسول الله (ص) الساعة في المنام وهو يقول (ص) " انك مقبل علينا! فلطت اخته وجهها ونادت بالويل.
فقال لها الحسين (ع) " ليس لك الويل يا اختاه، اسكتي رحمك الله تعالى.
وفي رواية السيد قال: يا اختاه اني رأيت الساعة جدي (ص) محمداً، وابي وامي واخي الحسـن (ع) وهم يقولون: يا حسيـن انك مقبل علينا من قريب.
وفي بعض الروايات (غدا)، قال: فلطمت زينب على وجهها وصاحت، فقال لها الحسين (ع) " مهلا لا تشمتي القوم بنا ".
السادس والعشرون: مجلس له في خباء له، وقد اعتزل فيه ليلة عاشوراء ليرثي نفسه، ويتذكر مصائبه وقتله، ويصلح اسلحته، ولم يكن هناك سامع، بل سمعه زين العابدين عليه السلام، واخته العقيلة زينب عليها السلام، كما يأتي، نعم هو)ع) لم يقصد مخاطبتهما ظاهرا لهذا الرثاء، فكان يخاطب الدهر تارة
فيقول:
يا دهر اف لك من خليل | كم لك بالاشراق والاصيل |
من طالب او طالب قتيل | والـدهر لا يـقنع بالبديل |
وانـما الامر الى الجليل | وكـل حـي سالك سبيلي |
قال سيد الساجدين (ع) " فلما اعادها مرتين او ثلاثا، فهمتها وعرفت ما اراد، فخنقتني العبرة فرددتها ولزمت السكوت، وعلمت ان البلاء قد نزل.
واما عمتي زينب (ع) فانها سمعت ما سمعت وهي امرأة، ومن شأن النساء الرقة والجزع، فلم تملك نفسها ان وثبت تجر ثوبها وانها لحاسرة.
حتى انتهت اليه (ع) فقالت: واثكلاه، ليت الموت اعدمني الحياة، اليوم ماتت امي فاطمة، وعلي، واخي الحسن، (ع)، يا خليفة الماضي، وثمال الباقي، فنظر اليها الحسين (ع)، وقال لها: يا اختاه لا يذهبن بحلمك الشيطان، وترقرقت عيناه بالدموع، وقال: لو تـُرك القطا لنام.
ويقال ان القطا هو طائر لا يكون سهرانا الا اذا كان هناك خطر عليه
فقالت: يا ويلتاه، افتغتصب نفسك اغتصابا؟ فذلك اقرح لقلبي واشد على نفسي، ثم لطمت وجهها واهوت الى جيبها وشقته وخر مغشيا عليها سلام الله عليها.
فقام اليها الحسين (ع) فصب على وجهها الماء، وقال لها: يا اختاه، اتقي الله وتعزي بعزاء الله، واعلمي ان اهل الارض يموتون واهل السماء لا يبقون، وان كل شيء هالك الا وجه الله تعالى، الذي خلق الخلق بقدرته، ويبعث الخلق ويعودون، وهو فرد وحده، جدي خير مني، وابي خير مني، وامي خير مني واخي خير مني، ولي ولهم ولكل مسلم برسول الله (ص)اسوة
فعزاها بهذا ونحوه، وقال لها: يا اختاه، اني اقسمت عليك، فأبرّي قسمي، لا تشقي عليّ جيبا ولا تخمشي عليّ وجها، ولا تدعي عليّ بالويل والثبور اذا انا هلكت، ثم جاء بها حتى اجلسها عندي.
اقول: ان امامنا الحسين عليه السلام لم يعهد من قبل ان اخته العقيله عليها السلام تتمنى الموت، ولم تعهد زينبا عليها السلام ان اخاها ينعى نفسه او تشهد بنفسها هذا الموقف منه، فصلوات الله تعالى عليكم يا اهل بيت النبوة.
السابع والعشرون: مجلس له في خيمة جمع فيها اصحابه ليلة عاشوراء وخطب فيهم راثيا نفسه وجميع اصحابه، ثم اذن لهم فبايعوه البيعة الثانية في هذا المجلس، على ان يـُقتلوا.
بل بايعه بعضهم على القتل ألف مرة بعد الحرق واذراء الرماد، وقال لو كانت الدنيا باقية لاخترت ذلك ايضا.
الثامن والعشرون: مجلس له بين الخيام والمقتل: رثى فيه نفسه لابنته الصغيرة سكينـة عليهما السلام، بأبيات منها:
سيطول بعدي يا سكينة فاعلمي | مـنك البكاء اذا الحمام دهاني |
لا تحرقي قلبي بدمعك حسرة | ما دام مني الروح في جثماني |
التاسع والعشرون: مجلس له في المقتل، رثى فيه بعض اصحابه تارة، وابنه تارة، وابن اخيه تارة، وجميعهم تارة، واهل بيته تارة، ورضيعه تارة، ورضيع له اخر تارة، جالسا تارة، وواقفا تارة، وسيجيء تفاصيله في بيان الوقائع.
الثلاثون: مجلس له في الخيام، وقت السحر من يوم عاشوراء، رثى فيه نفسه بما رثاه به في ذلك الوقت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، ففي المناقب: فلما كان وقت السحر خفق الحسين (ع) برأسه خفقة.
ثم استيقظ فقال: اتعلمون ما رأيت في منامي الساعة؟ فقالوا: وما الذي رأيت يا بن رسول الله؟ فقال (ع) " رأيت كأن كلابا قد شدّت عليّ لتنهشني، وفيها كلب ابقع، رأيته اشدّها عليّ، واظن ان الذي يتولى قتلي رجل ابرص من بين هؤلاء القوم.".
ثم اني رأي بعد ذلك جدي (ص) المصطفى، ومعه جماعة من اصحابه وهو يقول لي: يا بني انت شهيد آل محمد، وقد استبشر بك اهل السماوات واهل الرفيق الاعلى، فليكن افطارك عندي الليلة، عجّل ولا تؤخر، فهذا ملك قد نزل من السماء ليأخذ دمك في قارورة خضراء.
فهذا ما رأيت وقد ازف الامر واقترب الرحيل من هذه الدنيا، لا شك في ذلك.
خاتم هذه المجالس: مجلس متوحد في الراثي والحلة والتفجع، والسامع له هو الله رب العالمين، فقد سمع الله تعالى لهذا الرثاء، وهو مجلس له (ع) في المقتل، وهو مطروح مقطع الاعضاء، قد سكنت حواسه، وخمدت انفاسه، رثى فيها حالته وحالة اهل بيته في ذلك الوقت فنادى ربه عز وجل:
اللهم متعالي المكان، عظيم الجبروت، شديد الكبرياء، إنا عترة نبيك، وولد حبيبك محمد (ص)، قد خذلونا وطردونا وغدروا بنا، وقتلونا...... " الى اخر الحديث وهذا اخر مجالس الرثاء والحمد لله والشكر.
التعلیقات