رباب زوجة الإمام الحسين عليه السلام
سماحة الشيخ جوادي آملي
منذ 13 سنةنساء أخريات كأم جعفر بن الحسين و هي من قبيلة قضاعة، و أم فاطمة بنت الحسين يعني أم إسحاق ابنة طلحة بن عبيد الله التيمي التي حضرت ابنتها فاطمة واقعة كربلاء و سبيت مع النساء و نقلت إلى الكوفة ثم بعد ذلك إلى الشام. و المرأة الوحيدة التي تشرفت بصحبة زوجها الإمام الحسين في سفره إلى كربلاء هي الرباب أخت امرؤ القيس الكلبي.
امرؤ القيس هذا، كان مسيحي الديانة و قد أسلم في عهد عمر و عيّنه هذا الأخير أميراً للمسلمين في قبيلة قضاعة، و بعد تشرفه بإمارة المسلمين نال افتخاراً آخر بتزويج بناته الثلاثة إلى أوصياء آل محمد عليهم السلام. أولهن تزوجت مولى الموحدين عليّ عليه السلام، والأخرى الحسن المجتبى عليه السلام وصغراهن "الرباب" الإمام الحسين عليه السلام.
أنجبت الرباب بنتا سميت "سكينة" وولداً سمي "عبد الله"، توفي ولدها في يوم عاشوراء و سبيت أسيرة مع ابنتها سكينة، لكن لم يذكر اسمها عند جريان أحداث يوم عاشوراء. جاء في رواية تذكرة السبط أنها أتيحت لها فرصة الكلام في مجلس اللعين ابن زياد فأزاحت الستار عن مجريات عاشوراء بخلاصة عجيبة نظمتها في مرثية سجلت على صفحات التاريخ. عندما أخذ أهل البيت إلى مجلس ابن زياد اللعين و قدم له رأس الإمام المقدس هدية، قامت الرباب من بين الناس و أخذت الرأس المقدس فقبلته ووضعته في حجرها مرددة:
واحسينا فلا نسيت حسينا *** أقصدته أسنـة الأدعيـاء
غادروه بكربلاء صريعـا *** لا سقى الله جانبي كربلاء
ظاهر الأمر أن هذه المرأة عندما أثيرت عاطفتها الجريحة تداعت مرثيتها الحزينة و آهاتها القلبية، لكن الأمر أكبر من ذلك بكثير فهو لا يقتصر على هذا التوجيه البسيط فحسب، بل يتعداه ليجيب العديد من المستشرقين الذين أرادوا التعتيم على هذه الواقعة التاريخية و تحريفها لصالح الأعداء. فمنهم من قال أن الإمام (ع) كان مريضاً بالسل فسبب له الإدماء عبر فمه فتوفي على إثر ذلك.
و في صفحة كاذبة أخرى يقول أحدُهم أن الإمام (ع) كان مريضاً بالسرطان وقد وافته المنية قبل بدء المعركة، فكانت الوحيدة التي تستطيع أن تجيب أمثال هؤلاء الذين أسدوا لمعاوية و يزيد منفعة عظيمة بكلامهم، هي الرباب زوجة الإمام الحسين (ع) ببيتين صغيرين أزاحت بهما الستار عن الحقيقة، و ردت بهما أكذوبة مرض الإمام بالسل أو السرطان، فصرحت بقولها أن الإمام الحسين (ع) قطع إرباً إرباً و استشهد في سبيل الله بيد قائد الأعداء الذي لم يعرف له أب. كي لا يقول أحد غدا أنه دفن الحسين (ع) بتجليل و احترام، لأنه رمي به تحت التراب دون أدنى احترام، حتى أنهم لم يصلوا عليه. إن ذكر هذه المطالب مهم و ضروري، و قطعاً كان لأهل البيت (ع) علم بأن أعدائهم سوف يعمدون إلى تزييف حقائق عاشوراء بأي ثمن كان، و يسعون إلى تضليل أفكار الناس. و من هنا و رداً على كل محرف في أي مكان من الدنيا و جواباً على كل قول فاحش وغير مناسب سردن فصولاً مهمة من واقعة كربلاء، فأنرن زاوية كانت مظلمة في تاريخ شهادة سيد الشهداء (ع).
لهذا خطب ثلاث نساء في اليوم الأول من وصولهم إلى الكوفة، ولا يُستشكل على عدم كلام الإمام الرابع (ع) لأنه سوف يخطب في الكوفة و في محضر ابن زياد. فلا مجال لكلامنا نحن، لأنَّ كلََّ فرصة أتيحت لإحداهن آنذاك كي يفضحن يزيد و جلاديه و لو كن في وسط أقفاص لبادرن فيها إلى رفع صوتهن ساعين بذلك إلى إزالة غفلة الناس. لكن لم تكن النتيجة في نظر متكلم أهل البيت (ع) هكذا و لا المصلحة عندهم في إرجاعهم إلى المدينة، بل كانت في لزوم وصولهم إلى مركز الخلافة الإسلامية "دمشق".
إن طي المسافة من بغداد إلى دمشق كأسير مقيد بالأغلال من قِبَلِ الإمام زين العابدين (ع) كان قابلاً للتحمل، لكن ما لا يقبل التحمل هو عدم ترتب الأثر على شهادة الإمام الحسين (ع) و تحريف تاريخ عاشوراء. إنّا نعتقد أنّ الإمام الرابع و نساء أهل البيت (ع) كان فكرهم مطمئناً غير مضطربي الخاطر لبقائهم عدة أيام في مركز الخلافة، فقد خطبوا في الناس وأزاحوا عن أذهانهم الاشتباه، و قاموا بأعمال لو أراد المؤرخ أن يؤرخ واقعة كربلاء كما بيّنوها (ع) لما استطاع إلى ذلك سبيلاً باستثناء ما كتبه الطبري و المفيد و أبو الفرج الأصفهاني.
و قد استطاع أهل البيت (ع) في ذلك اليوم فقط أن يرجعوا إلى المدينة بخواطر صافية، فقد دخلوها باكين، نادبين و متألمين، فأثر ذلك في أهل المدينة تأثيراً بالغاً، لكن من جهة تحقيقهم لهدفهم المنشود كانوا مطمئنين و غير مضطربين بشأن الصورة التي سوف يكتب بها التاريخ الأحداث التي جرت في عاشوراء و بشأن الصورة التي سوف يوجه بها قيام أبي عبد الله الحسين (ع)، و لم يخافوا من التحريف الذي قد يطال هذه النهضة العظيمة، و من الطريقة التي قد يسْتُحْوِذ بها على أذهان الناس البسطاء بالأكاذيب و الأباطيل، مستبشرين بولوج ما قالوه و ما نقلوه من جزئيات واقعة كربلاء في صدور الناس، و غداً لناظره قريب فستكتب و تثبت ذلك صفحات التاريخ الإسلامي بشكل تقف سداً منيعاً أمام كل تحريف و تغيير أو زيادة و نقصان.
التعلیقات
١١