المجالس المنعقدة بعد شهادة سيد الشهداء
آية الله الشيخ جعفر التستري
منذ 13 سنةوهي اقسام:
الاول: مجلس لرسول الله (ص) في المدينة، وهو الراثي بهيئة خاصة، والمستمع ام سلمة.
وذلك في رواية عن ابن عباس قال: بينما انا راقد في منزلي اذ سمعت صراخا عظيما عاليا من بيت ام سلمة، زوجة النبي (ص) فخرجت متوجها الى منزلها، حيث اقبل اهل المدينة اليها، رجالا ونساءً، فلما انتهينا اليها.
الاول: مجلس لرسول الله (ص) في المدينة، وهو الراثي بهيئة خاصة، والمستمع ام سلمة.
وذلك في رواية عن ابن عباس قال: بينما انا راقد في منزلي اذ سمعت صراخا عظيما عاليا من بيت ام سلمة، زوجة النبي (ص) فخرجت متوجها الى منزلها، حيث اقبل اهل المدينة اليها، رجالا ونساءً، فلما انتهينا اليها.
قلت: يا ام المؤمنين مالك تصرخين وتغوثين؟ فلم تجبني وأقبلت على النسوة الهاشميات، وقالت: يا بنات عبد المطلب اسعدنني وابكين معي، فقد قتل والله سيدكن وسيد شباب اهل الجنة، فقد والله قتل سبط رسول الله (ص) وريحانته الحسين (ع)، فقلت: يا ام المؤمنين: ومن اين علمت ذلك؟
قالت: رأيت رسول الله (ص) في المنام الساعة شعثا مذعورا، فسألته عن شأنه هذا؟ فقال (ص) " قتل ابني الحسين واهل بيته اليوم فدفنتهم الساعة وفرغت من دفنهم.
وفي رواية، قالت: رأيته (ص) واثر التراب على رأسه ولحيته، فقلت: مالك؟ قال (ص) " وثب الناس على ابني فقتلوه الساعة وقد شهدته قتيلا، قالت: فاقشعر جلدي، فقمت حتى دخلت البيت، وانا لا اكاد ان اعقل فنظرت فإذا بتربة الحسين (ع) التي اتى بها جبرئيل (ع) من كربلاء الى النبي المصطفى (ص) وقال له: اذا صارت هذه التربة دما فقد قتل ابنك واعطانيها النبي (ص) فقال: اجعلي هذه التربة في زجاجة، او قال في قارورة ولتكن عندك فاذا صارت دما عبيطا فقد قتل الحسين (ع)، فرأيت القارورة الان وقد صارت دما عبيطا يفور.
قال: فأخذت ام سلمة من ذلك الدم فلطخت به وجهها، وجعلت ذلك اليوم مأتما ومناحة عل الحسين (ع) فجاءت الركبان بخبره وانه قتل في ذلك اليوم.
الثاني: مجلس عام، وهو العالم كله لكل متمكن في كل مكان مع المكين، وبغير مكين ولجميع الخلق في جميع الامكنة، وللامكنة بنفسها ولاهل الزمان ولنفس الزمان ولِما يرى ولِما لا يرى فهو مجلس لما سوى الله من جميع اصناف المخلوقات، من السماء وسكنتها والعرش العظيم وحملته، والسماوات السبع وملائكتها، ونجومها وكواكبها وما فيهن وما بينهن وما تحتهن والعناصر والارضين ومواليدها والجنة ورضوان وسكنتها وحورها وقصورها واشجارها وانهارها وثمارها والنار وخزنتها ومن يتقلب فيها.
فهذا مجلس في زمان خاص حصل الانقلاب فيه لما سوى الله في مأتم الحسين امامنا (ع) بتغير الاحوال، وبحصول التأثير في كل شيء بحسب حاله.
فأهل العيون بالدموع والسماء بالموج وبمطر الدم، والحمرة، والشمس بالانكساف وبالحمرة والملائكة باختلال الصفوف والكف عن عبادتهم.
اقول: بل بكاءهم وكربهم على الحسين عليه السلام وحزنهم هو عبادة واي عبادة.
والاشجار بخروج الدم منها، والفضاء بظلمته والارض بالتزلزل والجبال بالميد والاضطراب والطيور في الهواء بالوقوع والسمك بالخروج من الماء، والبحار بالانشقاق ودخول بعضها في بعض والجن بالنوح في الاقطار، والانس باضطراب الاحوال، وكـلٌ جاء من الروايات المعتبرة.
وهذا المجلس العام والخاص قد اتفق في زمان خاص، وهو انه وكما عبره الصادق (ع) حين ضرب الحسين عليه السلام بالسيف ثم ابتدر اليه ليقطع رأسه.
بيان هذا انه ضرب (ع) بالسيوف في حالات ثلاث، حين كان راكبا ضُرب بسيف واحد، ولما كان جالسا ضرب بعدة سيوف، وحينما كان مطروحا صلوات الله عليه ومكبوبا ضرب بسيف واحد مرارا على مذبحه، ثم ارادوا قطع الرأس فارتفعت نداءات وتقارنت صيحات، فنادى هو (ع) ءاُقتل عطشان وجدي محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؟
ونادى بأمر الله ملك من بطنان العرش: يا أيتها الامة المتحيرة الضالة بعد نبيها لا وفقتم لفطر ولا اضحى.
ونادى ملك من ملائكة الفردوس الاعلى ناشرا اجنحته على البحار: يا أهل البحار ألبسوا اثواب الحزن، فان فرخ الرسول مذبـوح.
ونادى جبرئيـل عليه السلام: صارخا، قد قتل الحسين عليه السلام بكربلاء.
وضجت الملائكة دفعة واحدة إلهنا وسيدنا يُفعل هذا بالحسين صفيك وابن صفيك.
ونادت زينب (ع) متوجهة من الخيام الى المقتل: يا أخاه يا سيداه.
ونادى ذو الجناح متوجها من المقتل الى الخيام: الظليمة الظليمة من امة قتلت ابن بنت نبيها.
فعند ارتفاع هذا الضجيج، المتقارن وقع الانقلاب في العالم، وحصل التأثير في اجواء الموجودات كلها.
افلا تنقلب احوالكم عند هذا الذكر بنوع من الانقلاب، وتغير الاحوال، فقد قال ابو ذر بعد بيان ذلك: انكم لو تعلمون بما دخل على اهل العالم عند ذلك لبكيتم حتى تزهق انفسكم.
افلا اذلال وازهاق لانفسكم، افلا صراخ؟ افلا ضجيج؟ افلا دمعة تفيض على خد؟ افلا دمعة تدور في عين؟ افلا تأثر في قلب حي؟ أفلا تباك لمن قسى قلبه؟ اللهم اني اعوذ بك من قلب لا يخشع، وعين لا تدمع، عند هذا المجلس العام الخاص، يا اللـه.
الثالث: مجلس الطيور، الراثي طير ابيض، كما جاء في اللهوف 58 وغيره.
الخامس: مجلس الوحوش: ليلة الحادي عشر حينما كانت مادة اعناقها على جسده المبارك ترثيـه الى الصباح.
السادس: مجلس الجن، حول جسده المبارك.
السابع: مجلس نساء الجن، حول جسده المبارك.
الثامن: مجلس الجني، في قرية شاهي، والسامع خمسة من اهل الكوفة، جاؤوا لنصرة الحسين (ع) فلم يدركوه.
التاسع: مجلس الجن، كلهم في جميع الاماكن في كل مكان بمراث خاصة، وسنذكر تفصيل كل واحد من هذه المجالس في محله الخاص.
العاشر: مجلس ازقة الكوفة، حول الرؤوس والاسارى، الذاكر للمصيبة اربعة، زينب وام كلثوم وفاطمة الصغرى والامام السجاد عليهم السلام، والباكون اهل الكوفة كلهم رجلا ونساء.
وقد اخذوا بالصياح والعويل والضرب على الصدور، ونثر التراب على الرؤوس ونتف اللحى، والشعور من النساء، وقد قيل انه لم يُر اكثر من ذلك اليوم باك ولا باكية وسنذكر تفصيله في محله.
الحادي عشر: مجلس اهل بيت الحسين عليهم السلام كلهم، في كل وقت وفي كل مكان من كربلاء الى الشام، ومن الشام الى كربلاء، ومن كربلاء الى المدينة، وفي المدينة، طول اعمارهم المباركة.
وكانت مدة مجلس الامام السجاد صلوات الله تعالى عليه اربعين سنة، فكان يبكي فيه ويفيض دمعه حينما يأكل الطعام او يشرب الماء، فيقول: قتل ابن رسول الله (ص) جائعا، عطشانا.
الثاني عشر: مجلس يزيد لرثاء الحسين (ع)، والراثي ذلك اللعين نفسه، والسامع جميع رؤساء عسكره.
فقال لعنه الله تعالى لزوجته هند: ياهند ابكي على الحسين بن فاطمة، واعولي عليه فانه صرخة قريش عجل عليه ابن زياد قاتله الله، ونحن نقول قاتلهما الله أعني يزيد وابن زياد وجميع اعداء الله تعالى من الاولين والاخرين، وسنذكر تفصيل هذا المجلس في محله ان شاء الله تعالى.
الثالث عشر: مجلس في الجامع الاموي بالشام، الراثي سيد الساجدين عليه السلام، بعد ان استأذن وصعد المنبر، والمستمع فيه يزيد وجميع رؤساء بني امية واهل الشام.
فخطب (ع) خطبة حمد الله تعالى فيها، ثم ذكر النبي المصطفى (ص) ووصفه واثنى عليه، ثم ذكر فضائل جده علي بن ابي طالب عليهما السلام، ثم اخذ في رثاء ابيه المظلوم الغريب صلوات الله عليه، وذكر ما جرى عليه.
فلما قال: انا ابن المحزوز من القفا، انا ابن مسلوب العمامة والرداء انا انا……. الى اخر خطبته المباركة.
ضج اهل الشام وبنو امية كلهم بالبكاء حتى قطع المؤذن كلامه بإشارة من يزيد، فقال: الله اكبر، رغبة في كف الناس عن البكاء الشديد.
فاذا كانت بنو امية واهل الشام يضجون بالبكاء بسماع ذبح الحسين (ع) من القفا، وسلب العمامة من رأسه والرداء من جسده.
فماذا ينبغي ويجب لشيعته ومحبوه وموالوه فعله اذا سمعوا ذلك وتصوروا كيفية سلب العمامة من رأسه وفي أي حالة كانت واي وقت؟
هذا مع عدم نسيان مدى ارتباط شيعته به وولاءهم له ومتابعته ونصبهم ايام دهرهم لنصرته وهو كلٌ بحسبه ودرجته وصدقه.
فعلى ذلك فليضج الضاجون وليعج العاجون وليصرخ الصارخون، اللهم ارزقنا الصدق بطاعتك يا كريم.
الرابع عشر: مجلس النساء في بيت يزيد، الراثيات والنادبات زينب وام كلثوم وبنات الحسين عليهم السلام، والصارخات واللاطمات على الخدود زوجة يزيد وبناته وبنت بنو امية، بعد ان اذن لهم يزيد في ذلك، فأقاموا المأتم وذلك في سبعة أيـام.
الخامس عشر: مجلس نساء في البرية قرب المدينة، في فسطاط ضُرب ليسد الساجدين عليه السلام، وهو على كرسي ودموعه جارية، وبيده ما يمسح به دموعه، وهو لا يتمالك العبرة، فلما نظر اليه اهل المدينة من الرجال والنساء الخارجين للاستقبال ضجوا ضجة واحة، فكان النظر اليه رثاء، والناس من كل ناحية يعزون، فضجت تلك البقعة ضجة شديدة، فأومأ عليه السلام ان اسكتوا فسكنت فورتهم.
فقال عليه السلام:
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، باريء الخلق اجمعين، الذي بعُد فارتفع في السماوات العلى، وقرب فشهد النجوى، نحمده على عظائم الامور، وفجائع الدهور، وألم الفجائع، ومضاضة اللواذع، وجليل الرزء، وعظيم المصائب الفاظعة الكاظة، الفادحة الجائحة.
ايها الناس: ان الله وله الحمد ابتلانا بمصائب، وثـُلم الاسلام ثلمة عظيمة، قـُتل ابو عبد الله الحسين عليه السلام، وعترته، وسُبيت نساءه، وصبيته، وداروا برأسه في البلدان من فوق عالي السنان، وهذه رزية التي لا مثلها رزية.
ايها الناس فأي رجالات منكم تسرون بعد قتله؟ أم أي فؤاد لا يحزن من اجله؟ ام اي عين منكم تحبس دمعها وتضن عن انهمالها؟ّ! فقد بكت السبع الشدائد لقتله، وبكت البحار بأمواجها، والسماوات بأركانها، والارض بأرجائها، والاشجار بأغضانها، والحيتان في لجج البحار، والملائكة المقربون، وأهل السماوات اجمعون.
ايها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله؟ ام اي فؤاد لا يحن اليه؟ ام اي سمع يسمع هذه الثلمة التي ثلمت في الاسلام ولا يصم؟
ايها الناس اصبحنا مطرودين مشردين، مذودين (مطرودين) شاسعين عن الامصار، كأنـّا اولاد ترك او كابل، من غير جرم اجترمنا، ولا مكروه ارتكبنا، ولا ثلمة في الاسلام ثلمناها، ما سمعنا بهذا في آبائنا الاولين، ان هذا الا اختلاق.
والله لو أن النبي (ص) المصطفى تقدم اليهم قي قتالنا، كما تقدم اليهم في الوصاية بنا لما زادوا على ما فعلوا بنا، فإنا لله وإنا إليه راجعون من مصيبة ما اعظمها واوجعها وافجعها واكظها وامظها وامرّها وافدحها، فعند الله نحتسب فيما اصابنا وما بلغ بنا، انه عزيز ذو انتقام.
آه يا زين العابدين صلوات الله عليكم يا مظلوم يا علي يا علي يا علي.
السادس عشر: مجلس قرب المدينة عند تبّين سوادها لام كلثوم، هي الراثية نظما، والمستمع سيد الساجدين عليه السلام وباقي اهل بيته والاطفال عليهم السلام.
فخاطبت المدينة اولا، ثم رسول الله (ص)، ثم الزهراء ثم الحسن المجتبى عليهم السلام، وسيجيء تفصيله ان شاء الله تعالى.
السابع عشر: مجلس الملائكة، كل يوم عند قبره الى يوم القيامة، ولهم في ذلك كيفيات مذكورة في عنوان ما يتعلق بالملائكة.
الثامن عشر: مجلس في السماوات، لفاطمة الزهراء عليها السلام، كل يوم الى يوم القيامة، فيه رثاء وبكاء وشهقة وصيحة.
ويستفاد من ذلك ان كل يوم من ايام السنة يناسب اقامة عزاء الحسين عليه السلام، ولا يستنثي منه عيد ولا غيره.
وكيفية هذا المجلس مجملا انها تنظر كل يوم الى مصرع الحسين (ع) فتشهق شهقة يضطرب لها اركان الموجودات من السماوات والارض والبحار والملائكة حتى يجيء النبي (ص) فيسكتها، ثم تدعو بعد ذلك لزوار ولدها.
التاسع عشر: مجلس الائمة عليهم السلام، وهي كثيرة منها: ما كان الراثي والناظم فيها الصادق عليه السلام.
ومنها: ما كان الناظم فيها جعفر بن عفان
ومن رثائه:
لبيك على الاسلام من كان باكيا فقد ضُيعت احكامه واستحلت
غـداة حسين للرماح رزية فقد نهلت منه السيوف وعلت
وهذا رثاء لكثرة ما ضُرب بالسيوف وعددها بضع وسبعون ضربة.
ومنها: مجلس اخر له (ع) الناظم والراثي فيه عبدالله بن غالب، ومن رثائه:
لبلية تسفي حسينا بمسفاة الثرى غبر التراب
وكلمة سفت: اي: سفت الريح التراب ذرّته او حملته.
ومنها: مجلس اخر له (ع)، الراثي والناظم ابو هارون المكفوف، قال(ع) عليه السلام انشدني كما تنشدون، فانشد له:
أمرر على جدث الحسين وقل لأعظمه الزكية
فبكى عليه السلام، وامسك الراثي، ثم قال: زدني فقرأ له قصيدة:
يا مريم قومي واندبي مولاك وعلى الحسين فاسهدي ببكائي
الى اخر قصيدته المباركة
فبكى، وتهايج بكاء حرمه.
ومنها: مجلس للرضا عليه السلام، الناظم والراثي فيه دعبل الخزاعي، وصاحب المجلس هو عليه السلام، فقام من مكانه وضرب سترا وقال للنساء: اجلسن وراء الستر، فأمر دعبل بالقراءة.
وقال: من ذرفت عيناه على مصاب جدي حشره الله تعالى معنا وفي زمرتنا يوم القيامة.
فقال دعبل:
أفاطم! لو خلت الحسين مجدلا وقد مات عطشان بشط فرات
إذن للطمت الخد فاطم عنده وأجريت دمع العـين في الوجنات
الى اخر القصيدة المباركة، فكان الرضا عليه السلام يبكي والنساء تعلوا اصواتهن بالندبة والبكاء.
العشرون: مجالس الملائكة: كل يوم بطريق خاص مذكور في عنوان الملائكة.
الواحد والعشرون: مجالس شيعته لعزائه.
وهي دائمة الى يوم القيامة، ومن خصوصياتها: انه ومع عدم الملل من هذه المجالس يزداد رواجها وعزتها وبهاؤها ويتحسن حالها كل سنة، وهذا من عجائب خواصه.
حتى انه لا يوجد بلد من بلاد المنافقين والمخالفين والاسلام والكفر الا ويقام فيه مجلس عزاء الحسين عليه السلام، حتى انه في هذه السنين قد شاع التجاهر بهذه المجالس في بغداد وقسطنطينية ومصر والشام.
التعلیقات