السلوك الحسن لدى الطفل.. ذاتي أم مكتسب ؟
موقع سبطين
منذ 10 سنواتكلُّ أم تطمح في أن يكون طفلها ذا سلوك حسن مع أفراد أسرته وجيرانه وأقربائه.. وتشعر بالخجل فيما لو أساء
التصرف بكلمة بذيئة او مشينة.. إضافة الى ان الطفل السيّ السلوك يكون منبوذاً محتقراً لدى الآخرين، مما يؤدي الى تعاسة الطفل وشقائه.. لذا كان من الضروري ان يتحلى اطفالنا بالسلوك المهذب.. أما كيف نخطو نحو السلوك المهذَّب؟
إنّ السلوك المهذب لدى الطفل في مرحلته الاولى أمر يأتي بطبيعته تماماً كما أنه بطبيعته يمشي على قدميه دون يديه.. ولكن نحتاج معه الى أمرين :
الأول ـ التعليم والإرشاد :
إنّ الطفل في المرحلة الاولى من عمره يحتاج الى تعليمه الآداب والأسس التي يتعامل بها مع الآخرين كباراً وصغاراً.. وعلى تعليم هذه المرحلة من العمر تقوم أخلاقه في المرحلة الثانية.. ولذا جاء في الحديث الشريف عن الصادق (ع) : (دع إبنك يعلب سبع سنين ويؤدب سبعاً ).
وقد يهمل بعض الآباء ضرورة تعليم وإرشاد أبنائهم في السبع سنوات الاولى من عمرهم بحجة انشغالهم بأمور أخرى مهمة لطلب الدين او الدنيا.. فيأتي التوجيه من المربي الاسلامي للآباء :
عن النبي (ص) انه قال : (لئن يؤدب أحدكم ولداً خيرٌ له من أن يتصدق بنصف صاع كل يوم ( بحار الانوار : ج 101 باب فضل الاولاد.
ومع تأديب الطفل وتعليمه السلوك في المرحلة الاولى من عمره لا يحتاج الى وقت بقدر ما يحتاج الى وعي ومراقبة لسلوك الطفل والتدخل في الوقت المناسب مع مراعاة الشروط اللازمة، وهي :
1 ـ ممارسة الوالدين للآداب : إنّ تعليم الطفل في المرحلة الاولى من عمره آداب السلوك لا يأتي عن طريق إلقاء المحاضرات عليه وطرق أسماعه بجملة من النصائح بقدر ما يأتي عن طريق التزام الوالدين بالسلوك.. ولا يمكن لأيِّ فرد صغيراً او كبيراً ان يلتزم بنصيحة المربي قبل ان يلزم نفسه بها.. ولذا نلحظ رسول الرحمة محمداً (ص) يرفض طلب ام في نصيحة ابنها بعدم تناوله للتمر بسبب تناوله (ص) للتمر في ذلك اليوم، وطلب منها ان تأتيه يوم غد حتى يمتنع صلوات الله عن تناول التمر ليمكنه نصيحة الطفل.
نعم إنّ من الصعب جداً ان تطلب الام من طفلها أن يعير لعبته الى ضيفه الزائر ليلهو بها بعض الوقت.. ويجدها تمتنع من الاستجابة لطلب الجيران لماكنة فرم اللحم.. إنّ الطفل يتعلم من تصرف أمه هذا، إنّه ينبغي الحرص على ما يملك ولذا تصرّف، وكما تعلّم من والديه، بهذا الشكل مع الآخرين.. وهكذا ايضاً حين يدخل على ابيه مع ضيوفه ولا يؤدي التحية لهم.. فيطلب الاب منه باصرار ان يسلم، في وقت يجد الطفل اباه لايؤدي التحية حين دخوله البيت... ومن هنا اكدت التربية الاسلامية على ضرورة الالتزام بما يريدون من الابناء والقرآن الكريم يوجهنا الى هذه الحقيقة ﴿ كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ﴾ (الصف : 3).
2 ـ تعليم الطفل دون غضب وتوتّر : قلنا سابقاً ان الوالدين عليهما تعليم أولادهما أدب السلوك حتى يلتزموا به.. لأنّ الكائن البشري قابل للتعلم بخلاف الحيوان : ﴿ علّم الانسان ما لم يعلم ﴾ (العلق : 5 ).
فالإنسان لا يمكنه النطق والتكلم بدون تعليم ولو ترك وحيداً لما تعلم الكلام واللغة.. أما الحيوان فيعجز عن النطق حتى مع التدريب والتعليم.. وكذلك لو تركنا صغير الإنسان في غرفة مع صغير الحيوان ووضعنا بجانبهما ناراً تشتعل.. نلحظ أنّ الصغير يتوجه اليها متصوراً إنّها لعبة جميلة، ويحذرها صغير الحيوان لإدراكه بالفطرة.. أما الانسان فيدركها من خلال التعلم والتجربة.
ومن هنا كانت مسؤولية الآباء تعليم اطفالهم شريطة ان يكون بدون غضب وتوتّر.. فكما انّ الأم ترفض من زوجها قوله لها غاضباً حانقاً : كان يجب ان تقومي بزيارة للجيران.. كذلك الطفل يرفض التعلم مع الغضب والتوتر.. فلا يصح أن تقولي له وانت غاضبة : من المفروض ان تحافظ على ملابسك من الاتساخ، والاولى ان تقولي له بهدوء : كم هو جميل ان نحافظ على ملابسنا من الاتساخ.. إن الطريقة الاولى تجعل الطفل معانداً للتعلم والعمل، بعكس الثانية التي توصلنا وبسرعة الى الهدف المطلوب.
الثاني : حب الناس
إنّ تنمية الإستعدادات الفطرية والغرائز المعنوية لدى الطفل.. أمر يعود بالنفع عليه وعلى والديه والمجتمع.. ومن هذه الغرائز حب الناس.. ذلك لأنّ كل إنسان اجتماعي بطبعه.. وكلما ازداد حباً لمن حوله زادت بهجته وأنسه في الحياة لذا نلحظ ان الاسلام اهتم بهذا الامر كثيراً حتى جعل العمل في خدمة الناس أمراً تعبدياً به يحصل المعبود على القرب الالهي.. فقد جاء في الحديث القدسي : (الخلق عيالي.. أقربكم مني مجلساً أخدمكم لعيالي ).
وعن مولى المتقين علي (ع) : (إصلاح ذات البين خير من عامة الصلاة والصيام).
وعلى هذا الاساس يجب العناية بغريزة حب الناس التي تولد مع الطفل وتحتاج الى رعاية الوالدين لتنمو وتتجذر.. ويمكن أن تكون الرعاية بالشكل التالي :
أ ـ سلوك الوالدين :
إن سلوك الوالدين ذو أثر فعّال على تربية الطفل وبناء شخصيته.. والمنهج التربوي في الاسلام يحمل اتباعه على الانطلاق من قاعدة حب الناس في تربية النفس وفي العمل التغييري في الامة.. فالمؤمن له حقوق وعليه واجبات، فالمؤمن لايسخر من أخيه ولا يظهر عيبه ولايخذله ولايؤذيه، ويكون معه في الشدة وإن سرّه كان في ظل الله، وإن آثره على نفسه حصل على القرب الالهي و.. و.. وأخيراً نجد ان الملتزم بالاسلام لايمكن إلاّ ان يمتلأ قلبه بحب الناس كلما إزداد ايماناً وارتباطاً بخالقه.. ويكتسب الطفل من والديه ويتعلم في ظلهما حب الناس.. حين ترحب امه بالضيف لانه حبيب الله.. ولا ترضى أن يسمعها حديثاً من عيوب أقرانه لأنه من الغيبة التي حرمها الله.. وتعطي للجيران ما يطلبونه منها حتى لاتكون من المنبوذين في القرآن : ﴿ويمنعون الماعون﴾ الماعون : 7 .
ب ـ المرور بالحوادث بوعي :
إنّ الطفل في سنواته السبع الاولى كثيرا ما يرافق والديه ويكون اكثر الوقت معهما.. ويمكن للآباء الاستفادة من بعض القضايا والحوادث لإحياء غريزته في حب الناس.. فمثلاً حين المرور على البقال لشراء بعض الخضروات منه، يمكن أن تحدث الام طفلها عن الطعام الذي تعده من الخضر يكون بفضل البقال الذي يذهب من الصباح الباكر ونحن نائمون الى المزرعة ليأتينا بما نحتاج اليه من الطماطة والكرفس والخيار والبطاطا.. حيث يقوم الفلاح في المزرعة بحرث الارض و.. و.. .
وهكذا يمكن سرد قصة تهدف الى تكافل الناس وحبّ بعضهم للآخر ليستفيد منها في حبّه للآخرين.
وأد الغريزة :
ومن خلال سلوك الوالدين والاستفادة من بعض القضايا والحوادث التي يمر بها الطفل واخرى غيرها، يمكن إنماء غريزة حبّ الناس الوليدة في كل طفل.. كما نحذّر في الوقت نفسه من وأد هذه الغريزة التي تؤدي بالطفل مستقبلاً الى الشقاء.. فلا يمكن العيش براحة واستقرار والقلب لايمتلك حباً للآخرين.. أمّا كيف نميت هذه الغريزة عند أطفالنا، فتكون بالشكل الآتي :
اولاً ـ التعلم من الوالدين :
سلوك الوالدين مرة أخرى يفرض وجوده في التعليم، ولكنّه في هذه المرة ذو بعد سلبي، حيث يقتل الغريزة الانسانية بدل ان يرعاها.. فالأم مثلا حين ترفض من طلفها الذي يصر على ارتداء سروال الصوف في فصل الصيف بقولها له : إن الناس تضحك عليك حين يشاهدونك وانت بهذا الشكل.
وحين تخشى عليه من الذهاب وحده لشراء حاجة، فتقول له : إن ذهبت وحدك فسوف يختطفونك ويسرقون ماعندك.
إنّ هذه الأقاويل وغيرها مع فرض صحتها تميت علاقته مع الناس وتثبت في نفسه حقداً عليهم لأنهم يقفون حائلاً دون تحقيق رغباته.. والاجدر بالآباء ان يمنعوا أبناءهم بأعذار اخرى ليس لها آثار سلبية على الطفل وبالخصوص في المرحلة الاولى من عمره.
كذلك حين تبدي الام ضجرها من كل الضيوف الزائرين.. أو تجهد نفسها وأفراد عائلتها بترتيب وتنظيم البيت لاستقبال الضيوف اتقاء لكلام الناس مع احاديثها المتواصلة عن الشرور التي تتلقاها من الناس وصمتها عن كثير من المعروف الذي اسدي اليها.. كل هذه التصرفات تعكس للطفل ان الناس مصدر للشر والاذى دوماً.
ثانياً ـ أثر القصص الهدّامة :
إن للقصة أثراً بالغاً على نفسية الطفل في مرحلة حياته الاولى، والقصة حين يستمع الطفل اليها مثل البذر الذي يستقر في التربة ليثمر بعد حين.. وينبغي على الوالدين التفكّر بهدف القصة قبل سردها للطفل.. وقراءة بسيطة لقصة ليلى والذئب التي يعرفها اكثر اطفالنا مثلما يعرفون اسماءهم.. تجد انها تصوّر الناس بأنّهم يظهرون لك الحب والولاء ويضمرون لك الشرّ والعداء.. من خلال شخصية الذئب الذي يمثل بصورة الجدّة المحبة للأطفال.. كذلك قصة جحا والحمار التي تصور الناس بأنهم يتصيّدون حركات الأفراد للحديث عنهم بسوء، ولا بدّ من اتقاء شرورهم التي تلاحقك في كل حركة صحيحة أو خاطئة.. وقصة قطر الندى التي يتمركز محورها حول شخصية (زوجة الاب) المؤذية الحقودة.. التي تجعل الطفل قلقاً من امثال هذه الشخصيات التي قد يبتلى بها.. والاجدر بالادب القصصي ان يعكس صورة زوجة الاب بالمربية الحنونة التي تحب الاطفال وترعاهم.
ثالثاً : الإكراه في الكرم :
كثير من الآباء يفرضون حالة الكرم على اطفالهم الصغار.. فالصغير حين يحمل قطعاً من الحلوى أو يلهو بلعبته المفضلة.. فتبادر الأم حين مرورها بصديقة مع طفلها، او تزورها إحدى الصديقات بأن يعطيه جزء من قطعة الحلوى او يشاركه في اللعب.. ويرفض طفلها وتلح عليه كثيراً حتى يخشى غضبها فيعطيه ويشاركه.. إن فرض الكرم على الطفل لايخلق عنده خلق الكرم كما يتصور الوالدان.. بل تبعث في نفسه كراهية وحقداً للناس.
التعلیقات