العوامل المؤثرة فی التربیة (١)
موقع راسخون
2024 Oct 12هناک ثلاث مسائل یمکن لها أن تلعب الدور الکبیر فی تکوین وترکیب شخصیة الطفل،
إلا أن تأثیر هذه المسائل الثلاث، لا یعنی أبداً أنه یخرج عن کونه مختاراً، فلو فرضنا أن ولداً تأثر بجو معین وانحرف عن جادة الصواب، فإن ذلک لا یعنی أنه مجبر على سلوک درب الانحراف، بل إن الظروف المحیطة به ساعدته على الوقوع بسوء الاختیار والإنحراف.
ولأجل أهمیة هذه الظروف الثلاثة، ینبغی لنا أن نلتفت إلیها نحن الأهل، لأن الأهل بالدرجة الأولى هم مسؤولون عن مراقبة وصیانة الظروف المحیطة بأولادهم وعن تربیتهم والإشراف علیهم. وأما الظروف الثلاثة فهی:
1- الأبوان
إن الأبوین فی عینی الولد هما الأنموذج الکامل، وأول قدوة یحاول أن یقلدها، ولذا فإن الطفل ینظر إلى أفعالهما نظرة على أنها الأعمال الصحیحة، فلا یعتبر أن ما یقومان به هو أمر خاطئ بل إن معیار الصواب لدیه هو نفس عمل الأبوین، ولذا فإن الأهل تقع علیهم المسؤولیة تجاه الولد من عدة جهات:
أ- اتفاقهما واختلافهما:
فإن الولد حینما یفتح بصره على الحیاة فی ظروف ملیئة بالتشنج والتوتر بین أبویه، ولا سیما حینما یتعارکان أمام عینیه، هذا السلوک الخاطئ من الأهل، یجعل نفسیة الولد مضطربة ومتوترة على الدوام.
ب- عدم التجاهر بالعادات القبیحة:
لأن الولد سیحمل معه هذه العادات لکونه یعتبرها من الکمالات لا من السیئات، ولو تعوّد على فعلها منذ الصغر اقتداءً بذویه فإنه وإن علم بقبحها فی مرحلة وعیه، فإن من الصعب اقتلاعها حینئذٍ، ویتحمل الأهل مسؤولیة ذلک، ولا سیما إذا کانت العادات هذه من المحرمات الشرعیة بناء على قاعدة الحدیث الشریف المروی عن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: "... إیاک أن تسنَّ سنَّة بدعةٍ فإنَّ العبد إذا سن سنَّةً سیئةً، لحقه وزره ووزر من عمل بها"(1).
2- المدرسة
المدرسة هی البیئة الثانیة التی یأخذ منها الطفل علومه الأولى، ولذا فإن اختیار الأهل للمدرسة الملائمة للطفل له الدور الکبیر فی الحفاظ على سلامته الدینیة بحیث یتربى على المبادئ الصالحة التی یرغب الأبوان فی أن یحملها ولدهما عند کبره، فإن المدرسة الجیدة التی تبنی الأولاد على مبادئ الإسلام، هی الموضع الصالح الذی أشارت إلیه الروایات؛ ففی وصیة النبی لعلی علیه السلام قال: "یا علی حق الولد على والده أن یحسن اسمه وأدبه ویضعه موضعاً صالحاً"(2).
3- الأصدقاء
على الأهل أن یلتفتوا جیداً إلى خطورة الأصدقاء، وإلى کیفیة اختیار الطفل لهم، فإن الصدیق یوثر على الصدیق، ولذا أکدت الروایات على اتخاذ الصدیق الحسن ففی الروایة عن الإمام علی علیه السلام: "لیس شیء أدعى لخیرٍ، وأنجى من شرٍ، من صحبة الأخیار"3. کما أن الصدیق السیئ یفسد الجید کما تفسد الفاکهة الفاسدة الفاکهة الجیدة، ومن هنا کان التحذیر فی الروایات من صحبة الأشرار، ففی الحدیث عن الإمام علی علیه السلام: "صحبةُ الأشرار تُکسِبُ الشرَّ، کالریح إذا مرَّتْ بالنَتن حملت نتنا"(4) .
المراحل العمریة الثلاث
ورد فی الحدیث الشریف عن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: "الولد سید سبع سنین وعبد سبع سنین ووزیر سبع سنین فان رضیت خلائقه لإحدى وعشرین، وإلا فضرب على جنبه فقد أعذرت إلى الله تعالى"(5).
قسَّم الحدیثُ الشریف المراحل التربویَّة للطفل إلى ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: وهی مرحلة الطفولة، ومرحلة اللهو واللعب عند الطفل، ولذلک وصفه الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم بالسید، لأن الولد لا یلام فی هذا العمر على کثیر من التصرفات لمحدودیة قدراته الفکریة وانصرافه فی هذه المرحلة إلى کماله الخاص به وهو اللعب واللهو.
المرحلة الثانیة: وهی مرحلة ینبغی أن تکون مرحلة التربیة المباشرة والتأدیب بأسس الأخلاق والخصال الحمیدة ولذلک عبرت عنه الروایة بالعبد أی یتلقى الأوامر وتراقب تصرفاته.
المرحلة الثالثة: وهی مرحلة الشباب والمراهقة فیلازم أباه فیها کملازمة الوزیر للملک فیکتسب من خبرات أبیه فی الحیاة ویتعلم أسالیب العمل والعیش...
وسنتحدث عن هذه المراحل بشیء من التفصیل مستعینین بما ورد فی الشرع الأقدس من إرشادات عامة أو خاصة بهذه المراحل.
المرحلة الأولى 1-7 سنوات
إن طبیعة الطفل فی السنوات السبع الأولى من عمره، طبیعة بریئة ولطیفة، کما أن المستوى العقلی لدى الولد ولا سیما فی السنوات الثلاث الأولى من عمره، محدود للغایة، ومن هنا أرشدتنا الروایات إلى عدة أمور ینبغی مراعاتها فی هذا العمر وفی هذه المرحلة الأولى ومن هذه الأمور:
1- التغذیة العاطفیَّة
والمقصود بها هنا المحبة وإظهارها للطفل، فهی الغذاء الروحی الأول لشخصیته، وإعطاء العاطفة للطفل یتم من خلال أمور:
أ- التعبیر الکلامی:
والتعبیر الکلامی أسلوب ندبت إلیه الروایات، کما أن ذلک کان من فعل الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم وأهل البیت، فهذا الرسول یقول عن الحسن والحسین علیه السلام: "اللهم إنی أحبهما فأحبهما وأحب من یحبهما"(6).
ومن کلام أمیر المؤمنین یخاطب به ولده الحسن بکلمات بلیغة یفیض منها الصدق وتعبق بحنان الأبوة الجارف فیقول له: "...
ووجدتک بعضی بل وجدتک کلی حتى کأن شیئاً لو أصابک أصابنی، وکأن الموت لو أتاک أتانی"(7).
ولیعلم الأب والأم الکریمان أن محبة الأطفال زیادة عن کونها غریزة إنسانیة جعلها الله فی کل إنسان، فهی من الأمور التی یحبها الله تعالى فی عباده، بل جعلها من الأعمال ذات الفضل الکبیر عنده، ففی الروایة عن الإمام الصادق علیه السلام: قال موسى: " یا رب أیُّ الأعمال أفضل عنک؟ قال: حبُّ الأطفال، فإنی فطرتهم على توحیدی، فإن أمَتُّهُمْ أدخلتهم جنتی برحمتی"(8). وفی روایة أخرى أن الله تعالى یشفق على المحب لولده فینزل علیه الرحمة لأجل حبه له، فعن الإمام الصادق علیه السلام: "إنَّ الله عز وجل لیرحم العبد لشدةِ حبِّه لولده"(9).
ب- تقبیل الولد:
من الأمور التی تشحن الولد بالعاطفة التقبیل، فقد کان الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم یقبّل الحسن والحسین علیهما السلام فقال الأقرع بن حابس: إن لی عشرة من الولد ما قبلت أحدا منهم، فقال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "من لا یرحم لا یُرحم"(10).
ولتقبیل الولد ثواب کبیر عند الله تعالى؛ ففی الروایة عن الإمام علی علیه السلام: "أکثروا من قبلة أولادکم فإن لکم بکل قبلة درجةً فی الجنَّة مسیرةَ خمسمائةِ عامٍ"(11).
وفی روایة أخرى عن أبی عبد الله علیه السلام قال: قالَ رسولُ الله صلى الله علیه وآله وسلم: "من قبَّل ولده کتب الله عز وجل له حسنة، ومن فرّحه فرَّحه الله یومَ القیامة..."(12).
ج- التّصابی لهم:
فعن النبی الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم: "من کان عنده صبی فلیتصاب له"(13).
والمقصود من التصابی أن لا یتوقع الوالد من ولده سلوک الکبار، بل على العکس، فعلى الوالد أن یتواصل مع الصبی بأسلوبه وبحسب عمره، وقد ورد أن الرسول الأکرم صلى الله علیه وآله وسلم کان یلاعب الحسن والحسین علیه السلام ویتصابى لهما، ففی الروایة عن جابر قال: "دخلت على النبی والحسن والحسین علیه السلام على ظهره وهو یجثو لهما ویقول: نعم الجمل جملکما، ونعم العدلان أنتما"(14).
ادامه دارد
التعلیقات