مقارنة بين المنهج الإسلامي والمنهج المادي في بناء الاُسرة (خامساً : العدل )
عبّاس الذهبي
منذ 9 سنواتمن مظاهر سمّو وكمال المنهج الإسلامي ، أنه يجعل العدل والقسط حجر الزاوية في توجّهاته
الاجتماعية وخاصّة في مجال الاُسرة ، قال تعالى : ( يا أيُّها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط ) (1) ، وقال أيضاً : ( ولايجرِمنَّكُم شنآنُ قومٍ على ألأَ تَعدِلُوا اعدِلوا هُوَ أقربُ للتقوى ) (2).وهكذا نجد أنّ الأحكام الشرعية المخصّصة للاُسرة تتميز بالعدل والانسانية ، ومن الشواهد على ذلك : أنّ التشريع القرآني عندما يلزم الأم بارضاع ولدها يلزم والده ـ في مقابل ذلك ـ بأجرها على الرضاعة ، ويراعي التشريع القرآني النواحي الإنسانية أيضاً حيث إنّه أكّد على حقّ الطفل في التمتع بحنان الأمومة وحق الأمّ في حضانة ولدها ، يقول تعالى : ( والوالدات يُرضعنَ أولادهُنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمَّ الرَّضاعة وعلى الموّلود له رزقُهُنَّ وكسوتُهُنَّ بالمعروف لا تكلَّف نفسٌ إلأَ وسعها لا تُضآرَّ والدة بولدها ولا مولودٌ له بولده .. ) (3).
وولاية الرجل على الاُسرة تحتّم عليه أن يلتزم العدل وإلاّ تعرض للعقوبة الإلهية القاسية.
ومن الشواهد الاُخرى التي تثبت أنّ المنهج الإسلامي يرتكز على قاعدة العدل ، هي التزامه بمبدأ « رفع الحرج » وعدم تكليف الناس ما لا يطيقون.
أما المنهج الاُسري الوضعي فلا يراعي في تشريعه العدل المطلق ، وذلك لأنّ الذين يضعون القوانين هم بشر يؤثرون العاجل على الآجل ولايمكنهم أن ينسلخوا من طباعهم ؛ ولذلك نراهم يميلون بالقوانين إلى الوجه الذي يتفق مع مصالحهم وينسجم مع أهوائهم ، وأحيانا كثيرة يشرعون القوانين الظالمة بسبب جهلهم بالعدل المطلق وقصورهم عن إدراك أبعاده.
فقد لوحظ ( أنّ قوانين ـ وضعية ـ كثيرة لا تسوي في العقاب بين الرجل والمرأة عند الخيانة الزوجية ، ومن هذه القوانين القانون الفرنسي والقانون الايطالي والقانون المصري ، فهذه القوانين تحابي كلّها الرّجل في كونها تحدّ من نطاق مسؤوليته الجنائية عند خيانته الزوجية ، وتضيّق الخناق على المرأة في مسؤوليتها عن خيانتها لزوجها ، فقد فرّق القانون في هذه الدول ـ بغير مقتضي ـ بين زنا الزوجة وزنا الزوج ، فعاقب الزوجة الزانية أيّاً كان ارتكابها للجريمة ، ولم يعاقب الزوج إلاّ إذا ارتكب جريمته بمنزل الزوجة ، أما إذا ارتكبها في أي مكان آخر غير هذا المنزل فلا جريمة عليه ) (4).
ممّا تقدّم تبيّن لنا الفروق الجوهرية بين المنهجين الإسلامي والمادي بخصوص الاُسرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1) سورة النساء : 4 / 135.
2) سورة المائدة : 5 / 8.
3) سورة البقرة : 2 / 233.
4) الزنا : أحكامه ، أسبابه : 165 و 51.
التعلیقات