طلوع شمس المشرق من نجمة المغرب
الشيخ ياسر الشريعتي
منذ 9 سنواتجاءت مع قافلة الرقيق من المغرب إلى المدينة المنورة. كانت برفقتها تسع جوار أخريات جاهزات للبيع في السوق، ولكن هذه الجارية تختلف عن غيرها. اشتراها النخاس لنفسه، وهو يعلم أنّها لا تليق به، إذ أخبرته امرأة من أهل الكتاب بهذا الخبر من قبل قائلة له: " ما ينبغي أن تكون هذه الجارية عند مثلك! إن هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلا قليلا حتى تلد منه غلاماً يدين له شرق الأرض وغربها".
ورغم أن الجارية كانت مريضة، لكنها تنتظر البشائر وتترصد الأحداث، لتبلغ شرف الدنيا والآخرة، وقد حان ساعتها، وإذا بالإمام موسى بن جعفر (ع) قد أخبر بقافلة الرقيق، فركب ومعه هشام بن أحمد حتى وصلا إلى النخاس، فقال له الإمام (ع):
أعرض علينا الجواري، فعرض تسع جوار على الإمام (ع)، في كل مرة يقول الإمام (عليه السلام) : لا حاجه لي فيها، ثم قال له: أعرض علينا. قال: ما عندي شيء، فقال له الإمام (ع): بلى اعرض علينا، قال: لا والله ما عندي إلا جارية مريضة، فامتنع النخاس من عرضها، ثم انصرف الإمام ومن معه.
ففي يوم غد أرسل الإمام الكاظم (عليه السلام) هشام بن أحمد إلى الرجل، فقال له: (كم تريد من أجلها؟ كم سعرها؟ كم ثمنها؟) فأجاب: كذا وكذا، فقال هشام: قد اشتريتها، فقال النخاس هي لك؟ ولكن أخبرني مَن الرجل الذي كان معك بالأمس فقلت رجل من بني هاشم فقال : أي بني هاشم ؟ فقلت له: من ذروتها ونقبائها(1).
أجل، هذه الجارية كانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وكانت تليق بأن تكون زوجةً لخير أهل الأرض الإمامِ موسى بن جعفر (عليه السلام) واُمّاً لشمس الشموس ضامن الجنان الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام).
عبّرت عنها المصادر التاريخية بسكن النوبية وأروى وسمان، ولكن أشهر أسماءها تكتم و نجمة، ولمّا ولدت الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) تشرفت بوسام الطاهرة فسميت به، وكنيت بأم البنين.
وكفى بفضلها ورفيع درجتها أن زواجها من الإمام الكاظم (ع) كان بأمر من الله ووحيه، وقد اختارها الرسول المختار (ص) من قبل لابنه الإمام موسى بن جعفر (ع)، حيث يقول الإمام الكاظم (ع) عنها: والله ، ما اشتريت هذه الجارية إلا بأمر الله ووحيه.
فسئل عن ذلك فقال : بينا أنا نائم إذ أتاني جدي وأبي ، ومعهما شقة حرير، فنشراها ، فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية ، فقالا : يا موسى ، ليكونن لك من هذه الجارية خير أهل الأرض ، ثم أمراني إذا ولدته أن أسميه علياً. (2)
فكما ذكرنا كان اسمها نجمة، فلما أنجبت الإمام علي بن موسى (ع) تشرفت بوسام الفخر، فسميت بالطاهرة. فلسانها يحكي عن حالها، وذلك حينما حملت بالإمام الرضا (ع)، فتقول: لما حملت بابني علي لم أشعر بثقل الحمل، وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني، فيفزعني، ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً، فلما وضعته وقع الأرض واضعاً يديه على الأرض رافعاً رأسه إلى السماء يحرك شفتيه كأنه يتكلم، فدخل عليّ أبوه موسى بن جعفر (ع) ، فقال لي: هنيئاً لك يا نجمة! كرامة ربك...".(3)
امرأة من المغرب تصبح بأن تكون من أهل البيت ومحرماً لأسرارهم، فيحظى بهذه الدرجة السامية من كان وفق الله لطاعته وابتغاء مرضاته وهذا هو الحظ عظيم، فليست القرابة والنسب هي التي تقرب من الله ورسوله (ص)، وهذا تاريخ الإسلام والسيرة النبوية تحدثنا عن شتى الأشخاص منهم من قال عنهم النبي (ص): "إنّ باليمن شخصاً يقال له أويس القرني، يحشر يوم القيامة أمّة وحده، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر، ألا ومن رآه منكم فليقرأه عنّي السلام"(4). وهناك من صحب النبي (ص) وسمع حديثه وشاهد معجزاته ورأى آياته، ولكن آل به الأمر أن خطط لقتله وغصب خلافته.
المصدر: شبكة رافد للتنمية الثقافية
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. الشيخ الصدوق، عيون اخبار الرضا عليه السلام، ج1 ، ص 27.
2. محمد بن جريرالطبري، دلائل الامامة ، ص 349.
3. الشيخ الصدوق، عيون اخبار الرضا عليه السلام، ج1 ، ص 30.
4. السيد حيدر الآملي، جوامع الأسرار ص 26.
التعلیقات